موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
مسيرة حياتنا على الأرض لم تكن هي الأصل، إنما هي ظل، هي بخار، يظهر قليلا ثم يضمحل. من عاش حياته الأرضية لذاته فقد ذاته وفقد معه الأصل. وهذا مثل من ترك الجوهر وتمسك بالقش. إن جوهر الحياة المسيحية الحقة هي أن نعيش الأبدية الآن وهنا، فتصير حياتنا الأرضية وقفة حاسمة ما بين أختيارتنا وقراراتنا. الحياة التي تستحق أن تعاش هي تلك الحياة الآتية المعدة لنا منذ تأسيس العالم. الحياة التي لا تنتهِ أبدًا. الحياة التي يكون فيها الله هو الكل في الكل. الحياة التي نستطيع فيها أن ندرك كمال الله وبره وقداسته وحكمته. الحياة التي تصبغ حياتنا الأرضية بعمل الخير والسعي إليه.
من هنا يمكن أن نقول ليس كل الأحياء أحياء. وليس كل الأموات أموات. بالعكس هنا أحياء هم أموات وفاسدون وشريرون ولا أحد يرغبهم على الإطلاق. أحياء لا يدركون الحياة الأصلية بل يسعون إلى سراب. وهناك أموات هم أحياء لأنهم ماتوا عن السراب والخيال ووجهوا نظرهم إلى كمال الحياة الذي هو الأبدية. الحياة الأرضية في ذاتها ولأجل ذاتها لا تستحق أن تعاش لأننا سنجني من ورائها سرابا. سنحصد بلا ثمر وسنتعب بلا أجر. ما يستحق أن نعيش لأجله ونتعب ونجتهد ونكد ونسهر عليه هو أبديتنا. الحياة الأبدية أغلى ما قدمه الله لنا. وعلينا أن نحافظ عليها ولا نفرط فيها. الحياة الأرضية لحظات حتى وإن طالت، أما الحياة الدائمة فهي لا تنته ابدًا.
خلق الله في اليوم السادس الإنسان ككائن يحمل في جعبته عدم الكمال، ثم أوجد اليوم السابع يوم الكمال وإتمام لتكون عيون الإنسان غير الكامل متجهة إلى كمال الحياة الأبدية. لعله يطلب منك الآن المثول أمام منبر المسيح العادل. أين سيكون مصيرك؟ هل سنحصد الأبدية التي زرعتها في أرضك. أم ستحصد سراب وتكون قد تعبت بدون مكافأة؟ لا تعتقد أن الحياة مديدة أمامك. كلا البتة! الحياة لحظة فيها يخرج النفس ولا يعود. أجعل حياتك على الأرض معركة وحرب فيها تسعى جاهدًا لربح السماء والكنز الأعظم. هنا تذكر من سبقك إلى الأبدية وجعل حياته الأرضية ميدان جهاد للوصول إلى أمجاد الأبدية التي لا تفنى.