موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٦ فبراير / شباط ٢٠١٥

الخوف من الدين أو الخوف عليه وراء مذابح المسيحيين

بقلم :
أنطون سابيلا - استراليا

ليس هناك في دين في هذا العالم تعرض إلى انقسامات واضطرابات مثل الدين المسيحي. وقد جاء وقت كانت فيه الكنيسة خائفة على الدين والمؤمنون خائفون من الكنيسة وعلى الكنيسة! وكلما لاح خطر شديد على الكنيسة كان المسيحيون يقتبسون قول السيد المسيح للقديس بطرس "أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة سوف أبني كنيستي وابواب الجحيم لن تقوى عليها". ولم يقوى أحد على الكنيسة فتطورت وازدهرت وزاد عديدها لتشكل الآن بجميع أطيافها ثلث عدد سكان العالم. وهنا يطرح السؤال نفسه: لماذا لم تتهاوى المسيحية ومعها الكنيسة بالرغم من البدع والمذاهب التي انطلقت من هنا وهناك، وما هو السر وراء ذلك؟. في إحدى السنين كنت أزور مريضة فلسطينية مسيحية، وكانت المرأة، في سن الثمانينات، على وشك أن تفارق الحياة. نظرت إلى غرفتها فلم أجد أي صورة للسيد المسيح أو للسيدة العذراء، فسألتها: هل تصلين؟ فقالت: لا! ثم قلت: لماذا؟ قالت بالحرف الواحد: "منذ خمسين عاماً وأنا ملحدة فكيف لي أن أصلي الآن وأنا على فراش الموت... أليس هذا نفاق وضد التعاليم المسيحية؟". خرجت من منزلها وأنا اقول في نفسي "هذه المرأة تفهم الدين أكثر منا جميعاً وهي لم تكن تخاف من الدين ولا عليه لأنها في نهاية الأمر تمسكت بتعاليم دينها ولم تنافق، وهذا هو سر قوتها. أعتقد جازماً أن موقفها كان عبارة عن صلاة نابعة من شجاعة وعدم الخوف من مواجهة ربها وخالقها. لو أردت مقارنة هذه المرأة بالذين يدعون أنهم يدافعون عن دينهم بقطع رؤوس الآخرين لوجدت فروقات كثيرة وكبيرة... فهذه المرأة ذهبت لتواجه ربها بكل شجاعة معتقدة انها ستواجهه وهي ملحدة، بينما في الحقيقة واجهته كأفضل مثال للإنسان المؤمن الذي لا ينافق، وفي المقابل يقتل "رجال" تنظيم "داعش" المسيحيين واليزيديين والشيعة واليهود والدروز على أساس أنهم بذلك ينتصرون لدينهم ويعتقدون أن ربهم سيواجههم بكل ترحاب ومسرة لأنهم قتلوا الابرياء! إن الرب لا يبتهج لقتل الابرياء ومن يقتل باسم الدين سوف يُقتل بإسم الدفاع عن الإنسانية. تريد داعش وحلفاؤها بتصرفاتهم هذه القول أنهم يدافعون عن الدين الإسلامي الحنيف وكأن المسيحيين واليهود والملحدين هم الآن في الطريق إلى الأراضي المقدسة في السعودية، أو وكأن دولاً بأسرها قد تخلت عن الدين الإسلامي تحت وطأة القنابل النووية التي ترميها أمريكا وروسيا هنا وهناك. قالوا قديماً أن الملح كذب الرجال، وحديثاً فإن الحقيقة هي أن الخلاف الإسلامي-الإسلامي هو سبب كل هذه المجازر بحق الإنسانية ولا علاقة للمسيحيين أو اليهود أو الملحدين به. كل ما في الأمر أن داعش تريد تجييش الأنصار لمحاربة المذاهب الاسلامية الأخرى وتستخدم الأقليات المسيحية والأخرى ككبش فداء وممر طريق لقلوب البسطاء!. ومن الحقائق الأخرى أن لا المسيحيين ولا اليهود ولا الملحدين عموماً مشغولين بهموم الأديان الأخرى لأن لديهم همومهم وأكثر. ولكن الحقيقة الكبرى هي أن الداعشيين وأمثالهم يخافون من الدين أكثر من خوفهم على الدين. فمعظم الداعشيين من أصحاب السوابق الجنائية في بلادهم وكثيرون من قادتهم كانوا مسؤولين في أجهزة استخبارات عربية وأمريكية وغربية واسرائيلية، وهم يريدون القول الآن أنهم تابوا. ولكن التوبة تكون في المثل الصالح ونجدة الضعيف ونصرة المظلوم وليس في قطع رؤوس عمال فقراء ذهبوا إلى المغترب من أجل رغيف الخبز لأولادهم! ومع ذلك نقول أننا لن نقع في فخ داعش وأخواتها وسنبقى عرباً قلباً وقالباً، نقف مع بعضنا البعض في السراء والضراء لأن هذا هو قدرنا وهو أيضاً تاريخنا، ولا ننسى أن داعش مادة طارئة قرب انتهاء مفعول استخدامها!!.