موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
الرِّسالَة
ما أعظمَ أعمالَكَ يا ربُّ كلَّها بحكمةٍ صنَعتَ
باركي يا نَفسيَ الربّ
فصل من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل غلاطية (غلا 2: 16-20)
يا إخوة، إذ نعلم أنّ الإنسان لا يُبرَّر بأعمال الناموس بل إنّما بالإيمان بيسوعَ المسيح، آمنَّا نحن أيضاً بيسوع لكي نُبَّرر بالإيمان بالمسيح لا بأعمال الناموس، إذ لا يُبرَّر بأعمال الناموس أحدٌ من ذوي الجسد. فإنْ كنّا ونحن طالبون التبريرَ بالمسيح وُجدنا نحن أيضاً خطأةً، أفيَكون المسيح إذاً خادماً للخطيئة؟ حاشا. فإنّي إنْ عدتُ أبني ما قد هَدمتُ أجعلُ نفسي متعدِّياً، لأنّي بالناموس متُّ للناموس لكي أحيا لله. مع المسيح صُلبتُ فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ. وما لي من الحياة في الجسد أنا أحياه بابن اللهِ الذي أحبّني وبذل نفسَه عنّي.
الإنجيل
فصل شريف من بشارة القديس مرقس (مر 8: 34-38، 1:9)
قال الربُّ: مَن أراد أن يتبعَني فليكفُرْ بنفسِه ويحمِلْ صليبَهُ ويتبَعْني. لأنَّ من أراد أن يخلِّصَ نفسَه يُهلكُها، ومن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلِّصُها. فإنّه ماذا ينتفع الإنسانُ لو ربح العالمَ كلَّه وخسر نفسه؟ أم ماذا يعطي الإنسانُ فداءً عن نفسه؟ لأنّ من يَستَحيِي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ يَستَحيِي به ابنُ البشر متى أتى في مجد أبيه مع الملائكة القدّيسين. وقال لهم: الحقَّ أقول لكم إنّ قوماً من القائمين ههنا لا يذوقون الموت حتّى يرَوا ملكوتَ الله قد أتى بقوَّة.
بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين.
بعد أن جمع يسوع الناس مع تلاميذه، قال لهم: "إن أراد أحدٌ أن يتبعني، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني. لأن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها. لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ أو ماذا يعطي الإنسان فداءً لنفسه؟ لأن من استحى بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ، فسيستحي به ابن الإنسان متى جاء في مجد أبيه مع الملائكة القديسين". وقال لهم (يسوع): "الحق أقول لكم: من القائمين ههنا من لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله آتيًا بقوة".
صليب التلميذ الحقيقي هو اقتداء بصليب المسيح. من أراد أن يتبع يسوع عليه أن يسلك طريقه الخاص. من الآلام إلى المجد، ثم إلى ملكوت الله المجيد. على مُتبع الرب أن يتخلى عن كل رغبة مؤذية، ويتحمل الأحزان والمخاطر (لأن المسيحيين حتى اليوم يتعرضون للإهانات والاضطهاد في مختلف أنحاء العالم)، ويجاهدون بقوة، غير خائفين من الموت، إذا كان لا بد من تحمّله في سبيل الحق. من أراد حقًا أن يُخلّص حياته في الأبدية، سيخسرها حبًا بالمسيح، إما بالاستشهاد، أو عند الضرورة بفقدان أنانيته والتضحية الحقيقية بأنانيته، ليموت عن الخطيئة، في سبيل إشباع الذات والأمن الذاتي الذي يسعى إليه.
لكن هذا التضحية بالذات من أجل الآخرين والرسالة هو في جوهره معنى الحياة، الحياة بحسب المسيح والخلاص. الحياة هنا تعني التضحية والعطاء ليحيا الآخرون، وعلى هذه التضحية تُبنى قيمة الشخصية، ومن الله تُقدم الحياة الحقيقية، التي هي المسيح. ولأن الحياة هي هبة من الله للإنسان وليست قهرًا للذات، فهي ليست اقتناءً للممتلكات المادية، بل هي ثمرة الصلاة والزهد والتواضع. من يكتفي بالممتلكات المادية فقط، ومن يُسلم جسده وروحه لروح هذا العصر، الخائن والمادي، معرض لخطر فقدان هذه الحياة السماوية. فالنفس خالدة، والأشياء زائلة واللذة زائلة. هناك الدائم، وهنا الزائل. فهل ينتفع الإنسان إذا ربح كل شيء وخسر نفسه؟ هل من بديل مُكافئ لروحه؟ كلا بالتأكيد! فالحياة الأبدية تُنال بالإيمان الصحيح وحفظ وصايا يسوع. إن حياة الكثيرين، الزائفة والمضلة إلى الأبد، التي تُهدّئ النفوس وتخدعها وتُضلّها، وصفها يسوع بالخيانة والزنا، لأنها تُشبه تلك الزوجة التي تهجر زوجها وحبه، وتبتعد عنه وتخونه. هكذا يُنفذ من يفقدون إيمانهم بالمسيح، الجبناء ذوو الرأيين، الذين يصطفون أحيانًا مع روح العالم وأحيانًا مع الله، في نهاية المطاف مشيئة الشيطان الخصم ويصبحون عبيدًا له. لذلك، فإن من يخجلون من الاعتراف بيسوع إلهًا ويحتقرون تعاليمه المُحيية والمُخلّصة للعالم، سيخجلون من أن يعترف بهم المسيح أبناءً وتلاميذًا له، في مجيئه الثاني أمام أبيه. لذلك لن يكون لهم طواعيةً مكانٌ عنده، وبسبب بُعدهم عن نعمته غير المخلوقة التي تُجدّد كل شيء. سيفقدون الحياة الإلهية، وبدلاً من الحياة الجديدة التي دُعوا ليكونوها، سيبقون خالين من الروح والتغيير الداخلي.
لا يُجبر الرب أحدًا على أن يصبح تلميذه، بل يريد من تلاميذه أن يكونوا متطوعين في الحق. ولذلك يستخدم كلماته للحشد الحاضر: "مَنْ شَاءَ فَلْيَتْبَعْنِي". يكون العمل الصالح قيّمًا حقًا عندما تكون إرادة الإنسان مُوَجَّهة بحرية نحو الخير، لا عندما يُجبَر الإنسان على فعل الأفضل. يقول الرب: "مَنْ شَاءَ فَلْيَتْبَعْنِي". أي أن التلميذ الحقيقي ليسوع هو من يصاحبه، ويسير معه كالخراف مع الراعي، ويتبعه في الواجب والتضحية في هذه الحياة، لأنه بهذه الطريقة سيتبع المسيح لاحقًا وفي مجده، في الحياة الأبدية.
يُتابع يسوع: "مَنْ شَاءَ فَلْيَنْكِرْ ذَاتَه". أي أن يتوقف الإنسان عن اعتبار نفسه محور العالم، وعن اعتبار الآخرين أدواتٍ لبقائه، ويبدأ العيش من أجل الإنسانية، من أجل خير كل فرد، في خضوع تام لإرادة الله. هذا هو الموقف المعاكس لما عبّر عنه بطرس ذات مرة، حين نصح يسوع بالابتعاد عن الاستشهاد لينال الخلاص فرديًا. يطالب المسيح بعكس ذلك: يطلب من أصدقائه وتلاميذه إنكار الذات، لأن ميلاده وحياته وموته، في نهاية المطاف، كان فعلًا متواصلًا من إنكار الذات والفراغ المطلق.
وليس على تلميذ المسيح أن ينكر نفسه فحسب، كما يقول الرب لهم مجددًا، بل على كل واحد أن يحمل "صليبه" على انفراد، ليس مرة واحدة، بل طوال حياته. لذا يدعونا الله المتجسّد نحن المسيحيين إلى قطع كل صلة بأنفسنا القديمة، والاقتداء بالمسيح المصلوب، متحملين كل حزن وكل ضيق يصيبنا، سواء في فعل الخير أو في تجنب الشر. هذا لا يعني أن على المسيحيين أن ينحنوا رؤوسهم استسلامًا للقدر في حالات انعدام الحرية والعنف والتمييز إلخ. من الضروري أن نسعى دائمًا، كلٌّ من موقعه، إلى التغيير الإيجابي للأشخاص والأوضاع والمؤسسات. ولكن عندما لا يمكن تغيير الوضع إطلاقًا، فإننا نوكل الأمر إلى الله، وهو وحده يعلم مصلحتنا الحقيقية. على أي حال يدعونا يسوع إلى حمل الصليب لأن المسيحي يتمتع بمكانة أتباعه، وليس لأي سبب آخر. لهذا السبب يُصرّ المسيح على: "اتبعني". وصاياه مُقدَّمة لمن هم على وشك اتباعه، أو لمن يتبعونه بالفعل، وليس للأشرار واللصوص والمجرمين وأمثالهم، الذين بقوا على هذا الحال دون توبة. ولا يجوز لنا أن نتسبب في المعاناة والمواقف غير السارة والضيق بأنفسنا، بالعيش والتصرف بأنانية، لأننا حينها لا نُحسب من تلاميذ الرب.
"فمن أراد أن يخلص نفسه بنفسه، سيخسر الحياة الروحية الأبدية المباركة. أما من ضحى بحياته من أجل اعترافه وطاعته لي وللحق الذي أعلمكم إياه، فسيخلص نفسه في الحياة الآخرة، حيث ينال السعادة الأبدية". رسالة الرب هنا هي أن قيمة النفس أعظم بما لا يقاس من كل ثروات الدنيا وكراماتها وملذاتها. إن من ينكر المسيح، ويراهن فقط على سعادته المادية، يُفلس تمامًا ويضيع خسارة لا تُوصف، لأنه يخسر نفسه خسارةً نهائية لا رجعة فيها.
الطروباريات
طروباريَّة القيامَة باللَّحن السَّابِع
حَطَمْتَ بِصَلِيبِكَ الموتَ وفَتَحْتَ لِلِّصِّ الفِرْدَوُس، وحَوَّلْتَ نَوْحَ حَامِلَاتِ الطِّيبِ، وأَمَرْتَ رُسُلَكَ أَنْ يَكْرِزُوا بِأَنَّكَ قَدْ قُمْتَ أَيُّهَا المسيحُ الإله، مَانِحًا العَالَمَ الرَّحْمَةَ العُظْمَى.
طروباريَّة عيد رفع الصَّليب باللَّحن الأوَّل
خَلِّصْ يا رَبُّ شَعْبَكَ وبَارِكْ ميراثَك، وامنَحْ ملوكنا المؤمنينَ الغلبَةَ على البربر، واحْفَظْ بقوَّةِ صليبِكَ جميعَ المُختصِّينَ بكَ.
قنداق عيد رفع الصَّليب باللَّحن الرَّابع
يا مَنِ ارْتَفَعْتَ على الصَّليبِ مُختارًا أيُّها المسيحُ الإله، اِمْنَحْ رأفَتَكَ لشعبِكَ الجديدِ المُسمَّى بكَ، وفَرَّحْ بقوَّتِك عبيدَك المؤمنين، مانِحًا إيَّاهُمُ الغَلَبَةَ على مُحاربيهِم. ولْتَكُنْ لهم معونَتُكَ سِلاحًا للسَّلامِ وظَفَرًا غيرَ مَقْهُور.