موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
إليكم إخوتي الأحبة أنقل ما قاله قداسة البابا فرنسيس في زيارته الأخيرة إلى تيمور الشرقية والتي كانت دافعاً أميناً وحباً خالصاً لأبنائه الكهنة والأساقفة والسلك الكهنوتي المتنوع، إذ وصف كهنته بــ "طيب الإنجيل" كما دهنت مريم المجدلية قدمـــــي يسوع بطيب النــــــاردين ومسحتهمــــــا بشعـــــرها، هكـــــذا على الأساقفــــة والسلــــك الكهنوتي أن يكونوا قديسين، فيدهنوا قدمي يسوع ولا شيء آخر. إنهم خَدَمَة الشعب وخاصة الشعب الفقير، ومن أجله يعملون، ورسالتهم لا تُعرَف إلا بمقدار خدمتهم وسكب طيبهم على قدمي الفقير... فإلى كلمة قداسة البابا فرنسيس.
التقى قداسة البابا فرنسيس في العاشر من أيلول الماضي - ضمن زيارته إلى تيمور الشرقية – بالأساقفة والكهنة والشمامسة والمكرّسين والمكرّسات وطلاب المعاهد الاكليريكية ومعلّمي التعليم المسيحي، وفي كلمة اللقاء قال قداسته:"إننا في حاجة دائماً إلى العطية والتي نلناها مجاناً من ربّ السماء وهي أن نكون مسيحيين حيث تقبّلنا هذه الموهبة، والتي هي عطية الله نفسها، من خلال ابنه يسوع المسيح الذي مات لأجلنا بل من أجل البشر جميعاً ووهب الروح القدس لجيمع البشر والمؤمنين".
ثم ذكّر البابا فرنسيس بكلمات مار بولس حينما قال في رسالته الثانية إلى أهل كورنتس:"أننا عند الله رائحة طيبة (معرفته)" (2كو15:2) وكما يقول الكتاب المقدس أنه "لما زارت ملكة سبأ الملك سليمان أعطته خشب الصندل" (1ملوك12:10)، فعلّق على ذلك قداسته قائلاً:"أنتم أيها الكهنة، أنتم طيب الإنجيل، وأنتم شجرة الصندل القوية والتي تنمو وتعطي ثماراً، لذلك فأنتم تلاميذ مرسلون وتحملون رائحة الروح القدس الطيبة لتنتشي بها حياة شعب الله المؤمن. وإذ تحملون عطر المحبة والتي عطّر بها الرب حياتكم فاعملوا جاهدين على أن لا تفقد هذه المحبة عبقها. لذا وجب عليكم وعلى الجميع أن تدركوا قيمة هذه الموهبة التي منحكم إياها الرب، وتعلموا أن كل شيء هو موهبة لكم جميعاً، وأن تتذكروا أن الطيب ليس لكم لشخوصكم بل هو لدهن قدمي المسيح. فالإنجيل هو إنجيل المسيح عبر خدمة الفقراء بمحبة العطر الذي نلتموه، لذا فهو يدعوكم إلى أن تكونوا ساهرين في مسيرة حياتكم. فانتبهوا كي لا ينتابكم الفتور الروحي فتكونون في خطر دائم وهو خطر الدنيوية الروحية، لأن السقوط في هذا الخطر هو أسوأ ما يمكن وهو أسوأ خطر تقعون فيه، لذا عليكم السهر والانتباه".
ثم قال قداسة البابا فرنسيس:"أقول لكم أن تحبوا تاريخ بلدكم فقد كان تاريخكم تاريخ بذرة صالحة، لذا عليكم أن تغذّوا شعلة إيمانكم، وأن تعملوا على عدم التقاعس في التعمق في عقيدة الإنجيل عبر العيش والتكوين الروحي واللاهوتي لعقيدة إنجيل يسوع المسيح، والعمل في مسيرة حياتكم على تنقية هذه العقيدة من أشكال وتقاليد بالية". وهنا شدّد البابا فرنسيس حينما قال:"أطلب إليكم انثقاف الوعظ بالإيمان وإعلان الإنجيل في الثقافة، إذ أن هناك الكثير في ثقافة البلد التي تحتاج إلى تنقية عبر نور الإنجيل وعقيدة الكنيسة، لأن كل ثقافة أو مجموعة اجتماعية بحاجة إلى تطهير ونضج".
أنتم والجميع –قال قداسة البابا فرنسيس– مدعوّون إلى حمل الآخرين عطر الحياة عبر حياة الإنجيل الجديدة. فمريم المجدلية قد دهنت قدمي يسوع بالطيب وعِبره عبق البيت كله بالطيب. فلم تكن المجدلية تجمّل نفسها بطيب الناردين بل كانت تدهن قدمي يسوع. فالإنجيل المقدس في مرقس يحدثنا أن المجدلية كسرت قارورة طيب (3:14) فعليكم أنتم أيضاً حمل البشارة لتكون لديكم الشجاعة لكسر القارورة فتعبق نفوسكم ونفوس رعاياكم بهذا الطيب عبر شجاعتكم، لأنه في أحيان كثيرة – يقول قداسته – أن كسر الغلاف الذي غالباً ما يغلقنا على ذواتنا يحتاج إلى شجاعة تساعد على الخروج من الذات ومن شهرة ذاتية والتي نحياها ونعيشها لاحتياجاتنا الشخصية.
لذا عليكم أن تنتبهوا –قال قداسة البابا فرنسيس– وأن تعملوا على أن بلدكم المتجذر في التاريخ المسيحي لكي تعملوا على انطلاقة بتجديده عبر بشارة متجددة لكي يصل إلى جميع الناس والمؤمنين عطر الإنجيل وعقيدته، فهو عطر المصالحة والسلام والأمان وعبر سنوات أليمة من الحرب وعبر مساعدة الفقراء لغرض النهوض في انتصار من أجل التعايش الاقتصادي والاجتماعي وبلا فساد ولكن بعدالة. وعبر هذا عليكم ومن الضروري نشر عطر إنجيل المسيح ضد كل ما يهين ويزعج مَن يعمل من أجل تدمير الحياة البشرية وضد كل الآفات والتي تخلق نوعاً من الفراغ والمعاناة. لذلك عليكم أن تعملوا، وعلى سبيل المثال، ضد إدمان الكحول والعنف وعدم احترام النساء، فإنجيل المسيح – قال قداسة البابا فرنسيس – لديه القوة أن يعمل معكم من أجل تغيير هذا الواقع المظلم ومن أجل خلق مجتمع جديد. واعملوا أيها الكهنة وأيها الرهبان أن تكونوا شغوفين ومؤهلين ومبدعين لكي تكون هزّة الإنجيل بينكم. فاعملوا من أجل عدم التكبّر على شعبكم لأنكم من الشعب، ومن أجله وُجدتم وفي هذه البلاد وكبرتم معه. لذا عليكم أن تعملوا على ضرورة عدم نسيان ثقافة الشعب، فالكهنوت ليس إلا خدمة الناس وليس تكبّراً. فاسمحوا لي أن أدعوكم وأقول لكم لا تنسوا أن الطيب هو لقدمي يسوع وقدمي الآخرين وإخوتنا في الإيمان وليس لأقدامكم وذلك بدءاً من الفقراء. لذا فالكاهن عليه أن يكون خادماً وحاملاً الشفقة وعلامةً لرحمة الله وهذا هو الكاهن الذي يعمل مع الفقير. فلا تنسوا أن تحبوا فقركم. أحبوه كأنه عروسكم، وهذا ما أدعوكم إليه. فلا الإحباط أمام المصاعب فالله يرافقكم دائماً في مسيرتكم الدنيوية. كما أدعوكم إلى العمل من أجل المسيرة الروحانية الفقيرة، فهو يرافقكم دائماً من خلال روح فقر وخدمة وهذا ما أطلبه لكم أن أدعو الرب الذي يرافقكم. فاعملوا من أجل قدميه لا من أجل قدميكم، فالطيب له ولقدميه وليس لكم ولقدميكم. فاعلموا واعملوا ذلك.
وفي ختام الكلمة منح قداسة البابا فرنسيس الأساقفة والكهنة والآخرين بركته الرسولية وطلب أن تحلّ عليهم وعلى البلاد.