موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
الرِّسالَة
هذا هُوَ اليَوْمُ الذي صَنَعَهُ الرّبّ. فَلْنَفْرَحْ ونَتَهلَّلْ بِهِ
اعْتَرِفُوا للرَّبِّ فإنَّهُ صالحٌ وإنَّ إلى الأبدِ رَحْمَتَهُ
فصل من أعمال الرسل القديسين الأطهار (أعمال الرسل 1: 1-8)
إنّي قد أنشأتُ الكلامَ الأوّلَ يا ثاوفيلُس في جميع الأمورِ التي ابتدأ يسوعُ يعملها ويُعلِّمُ بها، إلى اليومِ الذي صَعِدَ فيهِ، من بعدِ أن أوصى بالرّوح القدُسِ الرّسلَ الذينَ اصطفاهم؛ الذين أراهُمْ أيضاً نفسَهُ حيًّا، بَعْدَ تألُّمهِ، ببراهينَ كثيرةٍ وهو يتراءَى لهم مدَّةَ أربعينَ يوماً ويُكلِّمُهُم بما يختصُّ بملكوتِ الله. وفيما هو مجتمعٌ معهم أوصاهم أن لا تَبرحوا من أورشليمَ بل اِنتظروا موعِدَ الآب الذي سمعتموهُ منّي؛ فإنَّ يوحنّا عمَّدَ بالماء وأمَّا أنتم فستعمَّدون بالرّوح القدس، لا بعدَ هذه الأيّام بكثيرٍ. فسألهُ المجتمعونَ قائلينَ: يا ربُّ أفي هذا الزّمان تردُّ الملكَ إلى إسرائيل؟ فقالَ لهم: ليس لكم أن تَعْرِفوا الأزمنةَ أو الأوقاتَ التي جعلَها الآبُ في سلطانِه، لكنَّكم ستنالونَ قوَّةً بحلولِ الرّوح القدس عليكُمْ، وتكونونَ لي شهوداً في أورشليمَ وفي جميع اليهوديَّةِ والسّامرة، وإلى أقاصي الأرض.
الإنجيل
فصل شريف من بشارة القديس يوحنا الإنجيلي البشير والتلميذ الطاهر (يوحنا 1: 1–17)
فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَالهاً كَانَ الْكَلِمَةُ * هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ كُلُّ بِهِ كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَونَ * بِهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ * وَﭐلنُّورُ فِي الظُّلْمَةِ يُضِيءُ وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ * كَانَ إِنْسَانٌ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ اسْمُهُ يُوحَنَّا. هَذَا جَاءَ لِلشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ. لِكَيْ يُؤْمِنَ الْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ * لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ بَلْ كَانَ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ* كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتً إِلَى الْعَالَمِ * فِي الْعَالَمِ كَانَ والْعَالَمُ بِهِ كُوِّنَ والْعَالَمُ لَمْ يَعْرِفْهُ * إِلَى خَاصَّتِهِ اتى وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ * فَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَكونوا أَوْلاَدَ للَّهِ اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ باسْمِهِ * اَلَّذِينَ لاَ مِنْ دَمٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ لحم وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رجلٍ لكِنْ مِنَ اللَّهِ وُلِدُوا * وَﭐلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ فَيْنَا ( وقد أبصرنا مَجْدَهُ مَجْد وَحِيدٍ مِنَ الآبِ ) مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً * ويُوحَنَّا شَهِدَ لَهُ وَصرخ قائلاً هَذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ إِنَّ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي صَارَ قَبْلِي لأَنَّهُ كَانَ متقُدّمِي *وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ كلنا أَخَذْنَا وَنِعْمَةً عوض نِعْمَةٍ * لأَنَّ النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ وأَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ حصَلا.
بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين
المسيح قام... حقاً قام
"هوذا يوم القيامة، فلنتهلّلْ أيّها الشعوب. فالفصحُ فصح الربّ. لأنّ المسيح إلهنا قد أجازنا من الموت إلى الحياة، ومن الأرض إلى السماء، نحن المرنّمين بنشيد الانتصار".
بهذه الترنيمة الفصحيّة للقديس يوحنا الدمشقيّ يسرّني أن أحييكم، أيّها الأبناء الأحبّاء، في هذا العيد المجيد، عيد قيامة ربنا ومخلّصنا يسوع المسيح، عيد انتصار الحياة على الموت، وعيد انتقالنا جميعًا من الأرض إلى السماء.
في هذا العيد نفرح ونتهلّل لأنّ يسوع المسيح بعد أن قاسى آلام الصلب والموت قام من القبر، وأقامنا معه إلى حياة جديدة، كما نرتل: "لقد قام يسوع من القبر، كما سبق فقال، ومنحنا الحياة الأبديّة وعظيم الرحمة". نفرح على الرغم من الآلام التي لا نزال نعاني منها في هذه الحياة، وعلى الرغم من المآسي التي لا تزال تملأ عالمنا ولا سيّما في هذا الشرق العربيّ الذي يمرّ في أوقات صعبة ينتشر فيها الرعب والقلق والموت.
نفرح لأنّ الله قد غفر لنا خطايانا بموت المسيح على الصليب. نفرح لأنّ المسيح وطئ الموت وفتح لنا أبواب الفردوس. لذلك نردّد بدون كلل نشيد العيد: "المسيح قام من بين الأموات، ووطئ الموتَ بالموت، ووهب الحياةَ للذين في القبور".
نرتكب خطأً فادحاً إذا اقتربنا من أحد مظاهر السر الفصحي بمعزل عن المظاهر الأخرى. إن عبارة (فصح) لا تشير، في لغة الكنيسة التقليدية، إلى يوم القيامة فقط، بل تشمل أيضاً السر الإفخارستي وسر الصليب وسر القبر الفارغ. فإن أيام الخميس والجمعة والسبت وأخيراً أحد الفصح تؤلف كلها مجتمعة سر الفصح الواحد الوحيد. وهي المقابل المسيحي لما كان اليهود يسمّونه (الفصح)، أي العبور، المرور من مكان إلى آخر. وكانت عناصر العيد اليهودي توازي بالشكل العناصر التي تكوّن سرّنا الفصحي. هنالك كانت المائدة حيث يؤكل الحمل. وكان دم الحمل، علامة الخلاص، الذي كان يرش على أبواب المنازل ليجوز عنها ملاك الموت. وأخيراً هنالك، كان عبور البحر الأحمر والخروج من أرض مصر والعبودية، وانحسار مياه النهر العجائبي والمرور على اليابسة وأخيراً الوصول إلى الضفة الأخرى، ضفة الحرية والرجاء. لن يتخذ الأسبوع العظيم معناه الحقيقي بالنسبة لنا إلاّ إذا جعلنا منه (فصحاً)، أي عبوراً من الموت إلى الحياة.
إذا كان زمن الميلاد والظهور الإلهي يعبّر نوعاً عن (اهتداء أول) للنفس، وظهور أول ليسوع، وعن لقائه الأول معنا، وبداية الحياة المشتركة بين المعلّم والتلميذ، لأمكننا القول بأن زمن الآلام، أو بالأحرى السر الفصحي بأجمعه، يعبّر عن (الاهتداء الثاني)، ومواجهة التلميذ مع صليب معلّمه وقبره. لا يكفي هنا أن نتبع يسوع على طرق الجليل، طرق تجواله الأرضي، والركون إلى صداقته وحلاوة معشره، هذه الصداقة وهذا المعشر اللذين طالما حطمتهما خياناتنا (ولكن يسوع سرعان ما يرمم ما أُفْسِد).
يظهر لنا الأسبوع العظيم خدمة يسوع الخلاصية أكثر مما يظهر لنا شخصه. يقدم لنا هذا الأسبوع نعمة الخلاص الحاصل بالمسيح وإمكانية اختباره داخلياً. كذلك يضع أمامنا الحقائق الكبرى التي نحن مدعوون للاشتراك بها: وعي للخطيئة، توبة، كون حمل الله يمثل مكان الخاطئ ويتحمل خطاياه، ذبيحة الصليب، قبول الله لهذه الذبيحة المعبّر عنه في القيامة. نحن مدعوون أن ندع دم المسيح يسيل فوق جراحاتنا الروحية، وأن نتحد بموته الفدائي لكي نتحد أيضاً بحياته الجديدة. موت وحياة. الموت في المسيح والحياة في المسيح: هذا هو (الاهتداء الثاني)، هذه هي الخبرة التي يدعونا إليها الأسبوع العظيم.
فلا نقتربن من أسرار هذا الأسبوع أسرار المسيح ولكنها أسرارنا نحن أيضاً دون رعدة وخوف ولكن وفي الوقت نفسه بثقة لا متناهية. (هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد) (يو 16:3) (… ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه) (يو13:15).
أعطني، يا مخلّصي، أن أدرك، خلاك هذا الأسبوع، المعنى العميق لبذل الابن الوحيد من قبل أبيه، ولبذل الابن حياته. وأن أدرك أيضاً معنى هذا (الحب الأعظم) الذي يعلنه السر الفصحي. واجعلني أتفهم جيداً ما يتطلبه مني (بذل الحياة) هذا و (الحب الأعظم) أيضاً.
يدعو الأرثوذكس الأسبوع الذي يسبق أحد الفصح (الأسبوع العظيم المقدس)، بينما يدعوه اللاتين (الأسبوع العظيم) أو (الأسبوع المقدس). أمّا الروس فيدعونه (أسبوع الآلام). لكن هذا الاسم يخلق التباساً، لأن اللاتين يطلقون هذا الاسم على الأسبوع الذي يسبق أحد الشعانين، هذا الأسبوع الذي يدعوه اليونانيون (أسبوع الشعانين). يظهر من المستندات التاريخية أن كل العالم المسيحي كان يحتفل، في أواخر القرن الرابع، بالأسبوع العظيم المقدس، بواسطة خدم طقسية خاصة وأصوام غاية في الشدة.
على الرغم ممّا يحدث حولنا من أحزان وضيقات، يملأ الفرح قلبَنا لأنّ قلبنا مملوء رجاء. إنّ إيماننا بالقيامة يعطي حياتَنا معنى خاصًّا إذ يملأها رجاء بأنّ نهايتها ليست الفراغ والعدم بل المجد في جوار المسيح. لذلك مهما كثرت فينا الأمراض وثقلت علينا المحن والشدائد في هذه الحياة، نقول مع بولس الرسول: "إنّي أحسب أنّ آلامَ هذا الدهر الحاضر لا يمكن أن تُقابَلَ بالمجد المزمع أن يتجلّى لنا… إنّنا بالرجاء حصلنا على الخلاص، وبالصبر ننتظر هذا الخلاص" (رومية 18:8-25). وفي العشاء السرّي أنبأ يسوع تلاميذه بأنّهم سيحزنون لموته، ولكنّه أضاف: "سأراكم من جديد، وستفرح قلوبكم وهذا الفرح لن ينزعَه أحدٌ منكم". وبعد قيامته تراءى لهم حيًّا، ففرحوا لرؤيته، وهذا الفرح حملوه على مدى رسالتهم وبشّروا به بصبر وثبات. فضيلة الصبر لا بدّ من أن ترافقَنا في كلّ حياتنا ولا سيّما في أوقات الشدّة. فضيلة الصبر لا تعني فقط مجرّد احتمال المحن، بل تعني أيضًا أنّنا نحتملها بفرح. فضيلة الصبر تعني أنّه لا يمكن لأيّ شدّة أن تنزع منّا فرحَنا المرتكز على إيماننا بقيامة المسيح وقيامتنا معه.
المسيح قام وهو الآن حيّ، ويقيم في قلوب جميع المؤمنين الذين يحيون بموجب تعاليمه ووصاياه. هذا ما قاله يسوع لتلاميذه في العشاء السرّيّ :"من كانت عنده وصاياي وحفظها فهو يحبّني، والذي يحبّني يحبّه أبي، وأنا أحبّه وأظهر له ذاتي". فقال له يهوذا، وهو غير يهوذا الإسخريوطيّ: "يا ربّ، كيف يكون أنّك تُظهِر لنا ذاتكَ لنا ولا تُظهرِها للعالم؟" أجاب يسوع وقال له: "إذا أحبني أحد يحفظ كلمتي، فيحبّه أبي وإليه نأتي وعنده نجعل مقامنا" (يو 23:14). هذا هو الخلاص: أن نقيم نحن في الله ويُقيمَ الله فينا.
المسيح حيّ وهو يقيم في الكنيسة في الأسرار التي تحتفل بها، ولا سيّما في سرّ الإفخارستيّا، الذي فيه نتّحد بالمسيح القائم من بين الأموات، ونمتلئ من حياة الله. في إيقونة القيامة يُصوَّر المسيح وقد نزل إلى الجحيم وأمسك بيد آدم وحواء وأقامهما معه إلى حياة المجد. هذا ما نرجوه لكلّ منكم، ولا سيّما للشبيبة التي قد تملأها مصاعب الحياة يأسًا فتوشك أن تغرق في الإحباط بالنسبة إلى مستقبلها. فنقول لكم جميعًا: إفتحوا قلوبكم للمسيح القائم من بين الأموات، فيملأها حياة ورجاء. لقد أعطاكم الله وزنات كثيرة، فاستثمروها مع المسيح وبروح المسيح. لقد منحكم حياة جديدة، فلا تلطّخوها بالخطيئة. لنسمع بولس الرسول يقول لنا: "لقد قمتمْ مع المسيح، فاطلبوا إذن ما هو فوق، حيث يُقيم المسيح جالسًا عن يمين الله. اهتمّوا لما هو فوق، لا لما هو على الأرض، لأنّكم قد متّم للعالم، وحياتُكم مستترة مع المسيح في الله. ومتى ظهر المسيح الذي هو حياتُنا، فحينئذ تظهرون أنتم أيضًا معه في المجد" (كولسي 1:3-4). ولنسمع يوحنا الإنجيلي يقول لنا: "كتبت إليكم، أيّها الشبّان، لأنّكم أقوياء، ولأنّ كلمةَ الله ثابتةٌ فيكم، وقد غلبتم الشرّير. لا تحبّوا العالَم، ولا ما في العالَم. إن أحبّ أحدٌ العالَمَ فليست فيه محبةُ الآب. لأنّ كلَّ ما في العالَم – شهوةَ الجسد، وشهوةَ العين وصَلَفَ الغنى – ليس من الآب بل من العالَم. والعالَمُ يزول وشهوتُه أيضًا. أمّا من يعمل بمشيئة الله فإنّه يثبت إلى الأبد" (1يو 14:2-17).
نصلّي لأجلكم ليملأ نورُ القيامة قلوبَكم وتملأ نعمة الحياة الجديدة أعمالَكم، فتشهدوا لقيامة المسيح وتبشّروا العالم مع حاملات الطيب "بأنّ الربّ قد قام وأمات الموت، لأنّه ابنُ الله المخلّص جنسَ البشر".
طروباريّات
طروباريَّة القيامة باللَّحن الخامس
المسيحُ قام من بين الأموات، ووطئَ الموتَ بالموت ووهب الحياةَ للَّذين في القبور.
الإيباكويي (الطّاعة) باللَّحن الرّابع
سَبَقَتِ الصُبحَ اللّواتي كنَّ مع مريم، فوجدْنَ الحجَرَ مُدحرَجاً عَن القَبْرِ، وَسَمِعْنَ الملاكَ قائلاً لهنَّ: لِمَ تَطلُبْنَ مع الموتى كإنسانٍ الذي هُوَ في النّورِ الأزليّ؟ أُنظُرنَ لفائفَ الأكفانِ وأَسرِعْنَ واكرِزْنَ للعالَم بأنَّ الربَّ قَد قامَ وأماتَ الموتَ، لأنَّه ابنُ اللهِ المخلِّصُ جنسَ البشر.
القنداق باللَّحن الثامن
ولَئِن كنتَ نزَلتَ إلى قبر يا مَن لا يموت، إلّا أنَّك درستَ قوَّة الجحيم، وقمتَ غالباً أيُّها المسيحُ الإله،وللنّسوةِ حاملاتِ الطِّيب قلتَ افرحنَ، ولِرسُلِكَ وَهبتَ السّلام، يا مانحَ الواقعينَ القيام.