موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٣١ مايو / أيار ٢٠٢٤

عشرة أعوام على زيارة البابا فرنسيس إلى الأرض المقدسة

عشرة أعوام على زيارة البابا فرنسيس إلى الأرض المقدسة

عشرة أعوام على زيارة البابا فرنسيس إلى الأرض المقدسة

الأب رفعت بدر :

 

قبل عشرة أعوام بالتمام والكمال حطّت طائرة البابا فرنسيس في مطار عمّان، لتكون الزيارة البابويّة الرابعة للأردن وفلسطين، تحت عنوان الحج إلى الأماكن المقدسّة. وقد كانت أيضًا الزيارة الثالثة في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين الذي استقبل في مطار عمّان ذاته البابا يوحنا بولس الثاني عام 2000، والبابا بندكتس السادس عشر عام 2009، والبابا فرنسيس عام 2014.

 

تأتي هذه الذكرى بعد ستين عامًا على أول زيارة بابويّة للبابا بولس السادس إلى الأردن، حيث استقبله الملك الراحل الحسين بن طلال، لتكون إيذانًا ببدء علاقات طيبة وصداقة وتعاون بين المملكة الأردنيّة الهاشميّة وحاضرة الفاتيكان، الأمر الذي تحقق فعليُّا بإنشاء العلاقات الدبلوماسيّة بين الكرسي الرسولي (الفاتيكان) والمملكة قبل 30 عامًا، أي في عام 1994.

 

الجميل بالأمر بأنّ هذه الذكرى العاشرة تأتي بعد 25 عامًا على جلوس الملك عبدالله الثاني وفي ذكرى الاستقلال الكبير الذي نحتفل به في هذه الايام. لذلك، فإنّ ذكرى الزيارة تجعلنا نفكّر بالثمار التي كنا نرجوها وبالثمار التي قد تحقّقت:

 

أولاً، أتت الزيارات البابويّة، تحت عنوان عريض ألا وهو الحج إلى الأماكن المقدّسة. ولعلّ البدء دائمًا من الأردن يؤكد على خصوصيّة الأردن كمكان مقدّس جرت فيه أحداث كبيرة من الكتاب المقدّس، سواء في العهد القديم أو في العهد الجديد. ولذلك، لا غرابة اليوم بأن يسمّى الأردن أرضًا مقدّسة يؤمها الحجاج من مختلف أنحاء العالم. وهنا، نسأل الله أن يزيل الظلم عن الشعب الفلسطيني لكي يعود الحجاج والسيّاح إلى سابق زياراتهم سواء إلى الأردن أم فلسطين.

 

ثانيًا، تجعلنا هذه الزيارة نفكّر بالموقف الأردني والفاتيكاني المتشابهين تجاه القضيّة المحوريّة في الشرق، وبالأخص في هذه الأيام تجاه ما يحدث للأهل في غزة، فهناك توافق على واجب وقف إطلاق النار الفوري، وهكذا ما يؤكد عليه جلالة الملك مرارًا وتكرارًا، وهو الأمر الذي يركز عليه البابا فرنسيس في كلّ كلمة رسمية. ولعلّ الزيارة التي حدثت الشهر الماضي لجلالة الملك الى حاضرة الفاتيكان، وهو اللقاء السابع الذي يجمعه مع البابا فرنسيس، قد أكدت على هذه الثوابت المشتركة وعلى هذا التعاون في الدعوة إلى إحلال السلام. وهو ذات الأمر الذي تمّ التركيز عليه في الزيارة التي قام بها وزير خارجيّة الفاتيكان المطران بول غالاغر قبل شهرين إلى الأردن، حيث تمّ تسليط الضوء على التناسق في الموقف الأردني والفاتيكاني المشرّف تجاه الأشقاء في فلسطين.

 

ثالثًا، كانت الزيارة مناسبة لتعميق النظر في الحوار بين الأديان والتلاقي البنّاء بين المسلمين والمسيحيين، وبين حاضرة الفاتيكان بما تمثله من قيادة روحيّة لأكثر من 1.4 مليار شخص، وكذلك للخصوصيّة الدينيّة الإسلاميّة التي يتمتّع بها الأردن بالوصاية الهاشميّة على المقدّسات، ولشخصيّة الملك عبدالله الثاني الذي يقود تيارًا في العالم هو تيار المحبّة والمودّة والإخاء والوئام، الأمر الذي جعل جلالة الملك ينال العديد من الجوائز العالميّة نظرًا لمبادراته التي أصبحت معروفة للعالم أجمع.

 

رابعًا، تطلّ هذه الذكرى في ذكرى مرور عشرين عامًا على إطلاق رسالة عمّان، الأمر الذي نعتز به في الأردن، بأنّه كان الصوت العقلاني تجاه ما يتهم به الإسلام، حيث تصدّى الأردن بهذه الوثيقة التي أصبحت عالميّة. وكذلك كانت بعد عامين من عقد مؤتمر العرب المسيحيين، حيث اجتمع مسيحيو الأردن وفلسطين ليقولوا لا لوسم الإسلام بالإرهاب. ولا ننسى المؤتمر الذي دعا إليه جلالة الملك عشية زيارة البابا فرنسيس إلى الأردن وفلسطين، بعنوان: «الحفاظ على الهوية العربية المسيحية» من 3 إلى 4 أيلول 2013، حيث دعا جلالته إلى الحفاظ على الهويّة العربيّة المسيحيّة، ووصف حمايتها بأنها ليست «ترفًا وانّما واجب».

 

خامسًا، ننظر إلى الزيارة البابويّة أيضًا بشقها الثاني، بعد الأردن، وهي زيارة الأرض المقدّسة، وبالأخص في بيت لحم والقدس، حيث احتفل بقداس حاشد في ساحة المهد، وأكد على أهميّة الدور المسيحي الفاعل في فلسطين، وكذلك في لقائه مع البطريرك المسكوني برثلماوس في كنيسة القيامة، حيث أكد على أهميّة التلاقي المسيحي-المسيحي، كون الزيارة أيضًا كانت بعد خمسين عامًا على أول لقاء بين رأس الكنيسة الكاثوليكيّة البابا بولس السادس والبطريرك المسكوني في القسطنطينية أثيناغورس على جبل الزيتون في القدس عام 1964.

 

نستذكر هذه الزيارة البابويّة الجميلة، ومن دون شكّ ما حدث من بعدها من تهجير مسيحيي الموصل وبلدات سهل نينوى، ومن احتضان الأردن لهم كأشقاء أعزاء، كما وبالإشادات التي قام بها البابا فرنسيس في عدّة خطابات رسميّة بالدور الأردني لاحتضان اللاجئين والمهجّرين، داعيًا الأمم المتحدة بألا تترك الأردن وحده في استقبال اللاجئين سواء من سورية أو العراق الشقيقين.

 

ألف تحيّة لكلّ جهود صانعي السلام قداسة البابا وجلالة الملك.