موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١ أغسطس / آب ٢٠٢٤

كلمة تأبينية لروح نفس الراحل الفرير رافائيل غونزاليس

الأب رفعت بدر خلال القداس التأبيني لنفس الراحل الفرير رافائيل غونزاليس

الأب رفعت بدر خلال القداس التأبيني لنفس الراحل الفرير رافائيل غونزاليس

الأب رفعت بدر :

 

الإخوة والأخوات الأحباء،

 

عرفتُ الفرير رافائيل قبل مجيئي للخدمة في هذه الرعيّة، وفي هذه الكنيسة. فهو وجهٌ بارزٌ منذ عقود في هذه البلاد المقدّسة – الأردن. كما أنّه وجهٌ بارزٌ من وجوه القدس الشريف. وبعد مجيئي للعمل في هذه الرعيّة، تعاملت يوميًّا مع هذه الشخصية الرائدة؛

 

 

1. شخصيّة فريدة.. للعمل والمثابرة

 

أن يصل الإنسان إلى عمر 95 عامًا وهو متحمّسٌ ونشط، وصاحب غِيرة رسوليّة، وصاحب اندفاع، وصاحب كريزما، وصاحب شغف للعمل والرسالة. جميلٌ جدًا.

 

نحن اليوم بحاجة إلى هذا النشاط الذي لا يمكن أن يكون نشاطًا بشريًّا دون اندفاعة روحيّة بهمّة الراهب والأخ والفرير المندفع بتعاليم المؤسّس – القديس الكاهن يوحنا المعمدان دي لا سال، وبوصايا المؤسّسة – رهبانيّة أخوة المدارس المسيحيّة (الفرير)، وبالتناول اليوميّ الذي كان يواظب عليه. لسان حاله يقول مع المؤسس يوحنا دي لا سال: "حتى يصير القلب كله لك وحدك. وأن أجد لذة في الصلاة والمداومة عليها".

 

 

2. شخصيّة فريدة.. في المشاركة في كلّ المناسبات

 

وهذا جميلٌ أن تكون الرهبنة منفتحة على التعاون مع البطريركية اللاتينيّة، ومع الرهبانيات الأخرى، وعلى التعاون ما بين المؤسّسات الرهبانيّة في الأردن. لدينا في الأردن اليوم 35 رهبنة عاملة، ومنها نسائية ورجالية. وليست الروح التي بيننا هي روح التنافس، بل روح التعاون والشركة، وبلغة البابا فرنسيس الروح السينودسية.

 

الفرير رافائيل كان مشاركًا في أحزان الرهبانيات، وفي أفراحها، وفي مناسباتها. كل مناسبة روحيّة تجد الفرير رافائيل جالسًا، ويأتي بالوقت المناسب، ويحضر ويبارك أو يعزي ويغادر. جميل أن يبني الإنسان علاقات طيبة مع الجميع، وأن يظهر قربًا من جميع من لديهم مناسبات سواء المفرحة أو لا سمح الله الحزينة. وكل ذلك لمجد الله. جيراننا اليوم في المركز اليسوعي يحتفلون بعيد المؤسس اغناطيوس دي لويولا الذي توفي قبل مئة و4 سنوات من ميلاد مؤسس الفرير، وشعاره Ad Majorem Dei Gloriam: "لمجد الله الأعظم"، ونضيف اليها: "ولخير النفوس". هذا ما يعيش الكاهن والراهب والراهبة من أجله.

 

 

3. شخصيّة فريدة.. في الجديّة في العمل

 

الجديّة في العمل التي جعلتنا أحيانًا نختلف معه على أمور ليست جذريّة وليست أساسيّة، وأحيانًا على هوية الرعيّة وهويّة المدرسة. ولكن المحبة والمسامحة هي الطريق الى الا تكون الاختلافات في وجهات النظر خلافات بين البشر. جميلٌ أن يكون الإنسان مؤمنًا بجديّة العمل الذي أنيط به، وبالتالي الشعور بالمسؤوليّة في هذه الحياة.

 

 

4. في اورشليم

 

رأيتُ الفرير رافائيل للمرّة الأخيرة في القدس الشريف أثناء أحد الشعانين. وقد رحب السيد المسيح في دخوله الى اورشليم الارضية. وها هو اليوم يدخل القدس الجديدة مع يسوع المسيح، الرّب والمعلّم والفادي، بشفاعة الأم السماوية، والملاك روفائيل، والقديس يوحنا دي لاسال.

 

قبل عام في القدس، وفّر لي ولعمي الأب منويل وأشخاص آخرين سيارة لنقلنا إلى الناصرة والزبابدة والجسر. كعلامة مودة بيننا، قلت له لكي اسمع ضحكته المجلجلة: هذا العمل يغفر لك 15 خطيئة! فقال: ليس علي 15 خطيئة! فقلت له عن الخطايا الماضية واللي بدك تعملها. ولكم أن تتصورا ضحكته الكبيرة التي ملأت جوانب القدس.

 

 

5. حضور مسيحي قوي

 

نشكر الفرير على عطائه، ونشكر رهبانيّة إخوة المدارس المسيحيّة على عطائها ومثابرتها في وطننا الحبيب الأردن، حيث تخرّج منها العديد من الشخصيات الوطنيّة والمجتمعيّة. لقد تعبوا وشقوا، ولكنهم في النهاية حصدوا ثلاثين وستين ومائة.

 

هذا الحضور القوي والرائع لهذه الكلية، منذ 75 عامًا، وهو جزء لا يتجزأ من حضورنا العربيّ المسيحيّ في هذه المملكة الرائعة، وفي الأرض المقدّسة، وفي المنطقة العربية كلها، ما كان ليكون بهذه الحيويّة والرشاقة والأبّهة، بدون همّة النساء والرجال الذين خدموا واجزلوا العطاء. ومنهم روفائيل الفرير والكهنة والفريرية والمعلمين والمعلمات وكل من يعمل معهم لإكمال المسيرة نحو الامام. إنّهم يؤكدون للقريب والبعيد، بأنّ جذور الحضور المسيحي ضارب في أعماق التاريخ. انظروا إلى "أم الجمال"، إنها وهي تعلن على لائحة التراث العالمي الانساني، تؤكد لنا جذورنا وعطاءنا وحيويتنا.

 

وها هو يدخل الملكوت ليستقبله هنالك عدد كبير من الإخوة الذين خدموا معه في ميدان الخدمة والعطاء، ومنهم فرير باولينو الذي يستقبله بفرح أخوي وبترانيمه المعتادة الرائعة. أتخيل الفرح الكبير في السماء، في أورشليم، حيث يذهب رافائيل مرتاح الضمير، ولكن أيضًا يذهب قلقًا، وفي القلب غصة، على القدس التي عاش بها، وشارك سكانها معاناتهم اليوميّة.

 

فباسم الكهنة الذين خدموا في هذه الرعيّة، ومنهم الأب أشرف النمري والشماس يوسف فتّال، أصلي ليكون روفائيل شفيعًا جديدًا من كنيسة السماء، لكنيسة القدس، علّها تبصر وشعبها فجر الحريّة والسلام. والسلام على روحه الطاهرة. آمين.