موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٩ أغسطس / آب ٢٠٢٤

الذكاء الاصطناعي في خدمة السلام والكرامة الانسانية

جانب من الجلسة الافتتاحيّة للمؤتمر

جانب من الجلسة الافتتاحيّة للمؤتمر

الأب رفعت بدر :

 

في السنة الثانية عشرة لتأسيسه في الاردن، اختار المركز الكاثوليكي عنوانا ملفتا لمؤتمره هذا العام، بالتعاون مع مؤسسة الانشطة التربوية الاوروبية في هولندا، اي «الذكاء الاصطناعي من أجل السلام والكرامة الانسانية».

 

وقد كنا قد فكّرنا به قبل الحرب على غزة، لكن بعد العدوان أجّلنا ذلك. ولكن خلال هذه الأشهر العشرة الدامية من الحرب الشرسة، تمّ الحديث كثيرًا عن الاستخدامات للذكاء الاصطناعي في هذه الحرب، والتقنيات الحديثة التي ينتجها الإنسان لقتل أخيه الإنسان. لذلك، أردنا أن يكون عنوان هذا المنتدى: «الذكاء الاصطناعي: أخلاقياته ودوره في صنع السلام، وفي الكرامة الإنسانيّة».

 

قد يبدو الأمر غائبًا عن الممارسة اليوميّة، وبأنك تعاكس الذكاء الاصطناعي اليومي الذي يبدو شرسا على الانسان. لكن لا نريد لهذه الوسائل الحديثة أن تكون في أيدي الشر، وفي أيدي العنف، وفي أيدي القتل، وفي أيدي الإساءة للإنسان وكرامته.

 

وما شجعنا على ذلك هو الحضور المميّز لقداسة البابا فرنسيس لهذا العام في قمة مجموعة السبع، حيث هي أوّل مرّة يشارك حبر أعظم في جلسة أعمال السياسيين. وقد شارك في الجلسة أيضًا جلالة الملك عبدالله الثاني الذي كان للقائه الحار مع قداسة البابا تأكيد على عمق العلاقات الأردنيّة الفاتيكانيّة، وبالأخص أنّنا نحتفل هذا العام على ثلاثين عامًا على إنشائها، كعلاقات دبلوماسيّة رسميّة، مع أنّ العلاقات الطيبة كانت قبل ذلك بكثير.

 

عندما تحدّث البابا فرنسيس أمام القادة الكبار، تحدّث عن هذا الموضوع: «الذكاء الاصطناعي ودوره في صنع السلام والوئام بين البشر». وقال بانّ الذكاء الحقيقي هو الذي يجب أن يخدم الناس. وهنا نؤكد على أنّ الدول قد بادرت إلى شرعنة أخلاقيات للذكاء الاصطناعي، ومن أشهرها بيان روما في شباط 2020 الذي أقرّ ستة مبادئ أخلاقية رئيسية للذكاء الاصطناعي. نذكرها هنا: الشفافية والقابلية للتفسير،، الشمولية، المسؤولية، الحياد، الموثوقية، الأمن والخصوصية.

 

وقد ركز المتحدثون، ومنهم من هولندا مثل البرفسور مارك فرايز، ومن اميركا الدكتور بول هيك المرسل من جامعة جورجتاون الامريكية، والذي يتقن العربية، ويدرّس حاليا مساق الدراسات الاسلامية المسيحية في الجامعة الاردنية، بالاضافة الى نخبة «مرتبة» من المتحدثات والمتحدثين من الاردن الذين أغنوا الجلسات برؤاهم وتقديمهم لفحوى الذكاء الاصطناعي، ومستقبله المتوقع، وضرورة تطويعه لخدمة الانسان وصحته وتعافي المرضى، وبناء الحضارة الانسانية الجديدة.

 

وكانت الدعوة البارزة في التوصيات، الى ضرورة صياغة ميثاق أخلاقي أردني للذكاء الاصطناعي، الامر الذي بدأت به وزارة الاقتصاد الرقمي، ويشبه الى حد كبير بيان روما، وندعو الى الاهتمام به ونشره على نطاق اوسع، بمشاركة المراكز الاعلامية والتقنية المعنية بهذا الامر الانساني الهام، والمتعلق بمستقبل الانسانية وكرامة افرادها.

 

وقد كان لرعاية معالي وزير الاتصال الحكومي د. مهند مبيضين اثر طيب في نفوس المشاركين، بحضور رجال دين مسلمين ومسيحيين واستاذة علم وطلاب وطالبات من جامعات متعددة، لان المستقبل لهؤلاء، وهم من سيرسمون المستقبل بعقولهم وذكائهم الطبيعي، قبل أن يكون ذكاء اصطناعيا. كما كان وقع خاص للمداخلة التي قدمها السيد مجدي خليل بدر، وهو مغترب في اميركا، وفارس للقبر المقدس، جاء بعائلته واولاده وبناته ليزوروا الاردن لاول مرة، فوجدوا فيه أصالة الحب والطيبة والجمال التي جعلتهم يفكرون بالعودة العام المقبل.

 

وخلاصة المؤتمر: الذكاء الاصطناعي، اهلا به! فالتقدم لا يمكن لأحد أن يقف بوجهه، ولكن، لا ليكون الذكاء الاصطناعي ومنتوجاته فقط لخدمة أهداف سياسيّة خبيثة وقاتلة أو ربحيّة اقتصاديّة، بل ليكون بهدف حماية الكرامة الإنسانيّة من العبث بها، فالتقنيات تتطوّر، وأحيانًا تندثر، ولكن يبقى الحضور الإنساني الراقي كأساسٍ لأيّ تطوّر تقني، ولم نقبل أبدا بأن نردّد الكلام الشائع: إنّنا قد تطوّرنا تقنيًا، لكننا تراجعنا أخلاقيًا. لكننا أردنا في المؤتمر أن نقول: «لقد تطوّرنا تقنيًا، وتقدّمنا أخلاقيًا».