موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
من كل حدب وصوب جاء الناس للمشاركة بتنصيب قداسة البابا الجديد، وهو حدث يسمّى باللغة الكنسية بدء الخدمة البطرسية للبابا لاون الرابع عشر.
الملفت للنظر هو الحضور الدولي الرفيع، ذلك بأن الفاتيكان قد استقبل أكثر من مئتي وفد رسمي من الدول المتعددة، والتي لها علاقات صداقة مع الفاتيكان ومع الكرسي الرسولي وهو الاسم المعتمد في العرف الدبلوماسي الدولي. ومن جهة أخرى كان هنالك حضور لممثلي الأديان المتعددة والتي تتمتع أيضًا بعلاقات حوار ومودة مع مختلف المؤسسات الكنسية وبالأخص عبر التعاون مع دائرة الحوار الديني في الفاتيكان، ومن الجهة المقابلة أيضًا جلس ممثلو الكنائس الكاثوليكية، مع بطاركة الشرق الكاثوليك، والكنائس الشقيقة وبالأخص الكنيسة الأرثوذكسية والأرثوذكسية الشرقية والانجيلية.
وكان أيضًا ملفتًا للنظر التأثر الذي بدا على قداسة البابا، حينما لبس الوشاح البابوي، وكذلك الخاتم الذي يسمى بـ"خاتم الصياد" أو خاتم القديس بطرس، وبدموع عزيزة تسلم الخاتم من يد معاونه الكاردينال تاغله لكي يبدأ ولايته الحبرية الجديدة خلفًا لبابا عظيم هو البابا فرنسيس ولكن أيضًا خلفًا لمعظم البابوات في القرن العشرين والحادي والعشرين، وكل واحد منهم قد وضع بصمة خاصة، فيما عاد هو ليأخذ اسم أول بابا في القرن العشرين وهو لاون الثالث عشر كونه المؤسس لتعليم الكنيسة الاجتماعي، والدفاع عن الفقراء والمستضعفين والدعوة للمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، ويسمّى بأبي العدالة الاجتماعية التي تحدث عنها البابا لاون الرابع عشر بإسهاب في عظة القداس الأول، وبين بأن سياسته ستكون دائماً الدعوة إلى العدالة التي يبنى عليها طبعًا السلام.
وكم كان مؤثرًا فعلاً في نهاية القداس عندما وجه أول نداءاته وكان لغزة النصيب الأول فقال: «لا يمكننا أن ننسى الإخوة والأخوات الذين يتألمون بسبب الحروب. في غزة، يترك الأطفال والعائلات والمسنون الناجون فريسة للجوع». وهذا طبعًا بحضور كل المؤثرين في الساحة الدولية وممثلي الدول الكبرى والصديقة والتي لها علاقة مباشرة بانهاء الصراع، ووقف المجاعة.
كان ملفتًا حضور سمو الأمير غازي بن محمد، المستشار الشخصي لجلالة الملك للشؤون الدينية وكان اللقاء الأول بين سموه وقداسة البابا باسم جلالة الملك عبدالله الثاني وبالتالي باسم الأسرة الأردنية الواحدة، في تنصيب قداسة البابا الذي بلا شك سيعمل مع جلالة الملك ومع الأردن لتطوير العلاقات الدبلوماسية وعلاقات الصداقة والتعاون بين المملكة الأردنية الهاشمية وحاضرة الفاتيكان.
هنيئًا للكنيسة الكاثوليكية هذا الرقي في التنظيمات التي حدثت في الأسابيع الماضية سواء في عيد الفصح المجيد، ومن ثم جنازة البابا فرنسيس، ومن ثم انتخاب قداسة البابا الجديد، وما واكب ذلك من حضور صحفي وإعلام كبير، حيث كان مسجلاً في حدث تنصيب البابا ستة آلاف صحفي وإعلامي من كل أنحاء العالم، مما يدل على أن الخبر الذي يخرج عن الكنيسة الكاثوليكية ما زال له رونقه وقوته وحضوره وتأثيره على الساحة الدولية، وليس فقط على المساحات الكاثوليكية في العالم.
نعود إلى أولى كلمات البابا في دعوته إلى مد الجسور، وإنني متأكد بأن سيكون هنالك جسور متينة من العلاقات مع أبناء الكنيسة الواحدة وهو ما يسمى بلغة الكنيسة اليوم الروح السنودسية، وثانيًا مع الكنائس الشقيقة الأخرى وبالأخص في الذكرى التي تمر بعد أيام قليلة بمرور ألف وسبعمئة عام على إقامة مجمع نيقيا الذي أسس لقانون الإيمان المعتمد لدى جميع الكنائس، وثالثًا أيضًا مد التعاون مع كل الأديان والدعم ورفع سوية الحوار الديني إلى مراتب أعلى، وكذلك التعاون الدبلوماسي والإنساني مع الدول والمنظمات التي تتمتع بعلاقات دبلوماسية مع حاضرة الفاتيكان. وكما رتلت جوقة الترنيم باللغة اليونانية يوم أمس، نقول لقداسة البابا الجديد: لسنين عديدة يا سيد.