موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
"مباركة أنتِ في النساء" (متى 1 : 42)
هذا ما صرخت به أليصابات -زوجة زكريا وأمّ يوحنا المعمدان- للعذراء مريم، بوحي من روح القدس، أي بروح "النبوّة" انطلقت أليصابات تحيّي سيّدتنا مريم العذراء تحيّة لا أجمل ولا أحلى! أليصابات أوّل من فرح وآمن بالمولود المعجز، والذين يهنّئون سيّدتنا مريم البتول في عيد الميلاد المجيد يفعلون ذلك بنفس الوحي، أمّا الفئات التي تتجاهلها ولا تُكرّمها وتُنكر بتوليّتها الدائمة، فهي بعيدة عن روح الرب. وأوصانا المعلّم والمخلّص والفادي بإكرام العذراء مريم أمّنا السماويّة، حيث لا مولود من غير والدة، ومن يتشدّق بغير ذلك يدّعي المسيحيّة لكنّه مخادع، كثير الكذب واللفّ والدوران.
بإلهام من روح الله أدركت القدّيسة اليصابات أنّ مريم العذراء هي أمّ المخلّص (متى 1: 43). لمريم العذراء أيضًا مكانة خاصة في الإسلام، فهي وحدها اصطفاها الله لا على نساء عصرها فحسب بل على نساء العالمين: "وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ" (42). ولها ألقاب عديدة منها أمّ النور وسلطانة السماء والأرض والممتلئة نعمة والملكة والمباركة والشفيعة المؤتمنة وغيرها من الألقاب التي تندرج في إطار تكريمها، وتحتفل الكنيسة بعدد كبير من الأعياد والتذكارات في السنة الليتورجيّة، كما وأشيدت الكنائس والمزارات على اسمها وإكراماً لها.
حينما بشّر الملاك جبرائيل سيّدتنا مريم العذراء، أخبرها أيضًا عن أليصابات قائلاً: "وها إنّ أليصابات نسيبتك هي أيضًا حبلى بابن في شيخوختها، وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوّة عاقراً، لأنّه ليس شيء غير ممكن لدى الله" (لوقا 1: 36-37).
وحينما سمعت مريم العذراء هذا النبأ، هرعت للسفر وانطلقت مسرعة لزيارة قريبتها اليصابات، حاملة في أحشائها كلمة الله، متكبّدة عناء السفر من الناصرة الى عين كارم. لم يذكر الانجيل الطاهر سبب الزيارة، ولكنّ الدافع الوحيد لهذه الزيارة كان رغبة العذراء مريم في مساعدة اليصابات وهي في شهرها السادس، ومشاركة قريبتها السرّ المشترك، حتماً أرادت العذراء البوح بسرّ حبلها وبالبشرى السارّة التي حملها اليها الملاك جبرائيل على الأقلّ لاليصابات التي هي بمثابة والدتها، لتخفّف عن كاهلها ثِقَل هذا السرّ العظيم، الذي تكتمه حتّى عن نفسها وتحتفظ به لذاتها ، ولم تجرؤ على البوح به لخطّيبها العفيف القدّيس يوسف، لخطورته. لقد آمنت مريم العذراء برسالة الملاك المبشّر مع أنّه يبدو غريباً وصعباً .
حتى الشعوب الوثنيّة كانت تنتظر مخلّصًا، لذلك هتف الشاعر الوثني "فرجيليوس" الذي عاصر المسيح تقريبًا: "ابدأ أيها الطفل الصغير وتعرّف بابتسامتك على والدتك"... كم يكون فرح الأهل عظيمًا، حينما يتعرّف الطفل طريّ العظم على والديه بابتسامة، قبل أن يلفظ ماما أو بابا، بوجه ملائكيّ يبعث السرور والتفاؤل.
ابتسمت السماء للأرض والأرض للسماء لدى ولادة المسيح عندما تمّ الزمان... وما أحلى ابتسامة المسيح الطفل والعذراء أمّه في هذا العيد، رغم الحروب التي نعاني منها.
خاتمة
وإن شاء الله يكون عيد المهد عند أهل المهد وعندنا عيد انطلاقة روحانيّة جديدة، وميلاداً للطفل يسوع في قلوبنا وعائلاتنا وفي تفاصيل حياتنا ومعاناتنا، نقيهِ برودة المذود والقش، ونُهيّيء له قلوبنا مهما كانت دامية مجروحة بالأحداث الصعبة، ونبادر في حمل سلام المسيح أوّلاً، من خلال علاقة حميميّة مع الله تعالى بالابتعاد عن الخطيئة، وهذا بدوره يودّي الى سلام داخلي نُسالم به الآخرين من حولنا بكلّ أمانة وصدق.
سلامًا ينير القلوب وينعكس ضوءه الباهر على الوجوه، فيزيدها نضارة وحسنًا، ويعمّ فرحه على الناس من حولنا، فنعيش زمن ميلاد السيّد المسيح باستمرار، ميلاد الإنسان الجديد في داخلنا، نحمله للقاصي والداني بالقدوة الحسنة الصالحة لا بالكلام، نهدي به الضالّين الى الصواب، ونُنير السالكين في الظلمة، "أنت السالك ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رومية 8: 3-4).