موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
المونسنيور خالد عكشة، أمين سرّ لجنة العلاقات الدينية مع المسلمين، في المجلس البابويّ للحوار بين الأديان في الفاتيكان
للمجلس البابوي للحوار بين الأديان، الذي اتشرّف بالعمل فيه منذ الأوّل من شهر كانون الأول من عام 1994، من العمر سبعة وخمسون عامًا. وأمّا الرسالة التي يوجهّها هذا المجلس للمسلمين لمناسبة شهر رمضان وعيد الفطر السّعيد، فأصغر منه بثلاث سنوات فقط، اذ أُرسلت الأولى عام 1967.
ما أنوي أن أعرض له في هذه المداخلة هو اهدافُ هذه المبادرة وتطوّرُها وبعضُ موضوعاتها.
الإخوة والأخوات الأحبّاء المشاركين في هذا اللقاء الخيّر، والمتابعين له: لكم سلام الله وبركات؛ وللأب رفعت بدر والمركز المركز الكاثوليكي للدّراسات والإعلام الذي يُديره، تقديري وشكري على تنظيم هذه الندوة.
وُلد المجلس البابويّ للحوار بين الأديان باسم آخر: "أمانة السرّ لغير المسيحيين" الذي تمّ تغييره الى الاسم الحاليّ عام 1986 بقرار من البابا يوحنّا بولس الثاني، ضمن اصلاحاته وتجديده للدّوائر الرومانيّة.
كان توجيهُ رسالةِ تهنئةٍ للمسلمين لمناسبةِ أكثرِ أعيادهم شعبيةً مبادرةً مُلهَمة. فالسيّد المسيح يدعو أتباعه الى أن يفرحوا مع الفرحين ويبكوا مع الباكين. وغنيّ عن القول إننّا عندما نتبادل التّهاني في أعيادنا، مسلمة كانت أم مسيحيّة، فنحن نركّز على بُعدها الاجتماعيّ لا على محتواها الدينيّ، الّذي قد يجدنا متّفقين أو مختلفين حوله. ومن ذكريات الطفولة أن المسحّر في مدينتي الكرك في جنوب الأردن، كان يطوف على بيوت المسلمين والمسيحيين في نهاية رمضان مُنتظرا "البقشيش". حينها لم أكن أفهم لماذا كان الوالد -رحمه الله- ينفحه ببعض النقود؛ وأما الآن، فأدرك الحكمة والطّيبة من وراء هذا التصرّف، الذي أحمد الله عليه.
التّهاني بالأعياد تبني جسور الصّداقة والمودّة أو تقوّيها، وتتيح فرصة اللّقاء حيث أمكن. أتكلّم بالطبع عمّا قبل جائحة كورونا، على أمل أن نتركها وراءنا في رمضان القادم، بل قبله، بمشيئة الله.
كان موضوع الرّسالة الأولى: "دعونا نبني عالمًا جديدًا"، والثانية: "نحو صداقة حقيقيّة"، والثالثة: "نكوّن جميعنا مجتمعًا واحدًا". ولأسباب لا أعلمها لم تصدر الرسالة عام 1970.
بدأ اشتغالي برسالة رمضان قبل أن أبدأ العمل في دائرة الحوار الفاتيكانيّة، إذ طُلب إليّ، وكنت حينها في روما للدّراسة، بأن أترجم الرسالة الى اللغة العربيّة، واستمرّ اهتمامي بالرسالة إلى اليوم. وإذا تساءلتم عن غياب اسمي عن الرسالة، فالأعراف الفاتيكانيّة تقضي بأن توقَّع هذه الرسائل من قِبَل رئيس الدّائرة وأمين سرّها. كان موضوعُ الرسالة الأولى بعد دخولي المجلس "الايمان بالله الخالق والعناية بخيرات الأرض".
لكن علينا العودة الى الوراء قليلا، وبالتّحديد إلى عام 1991، عندما قرّر البابا يوحنا بولس الثاني أن يوقّع الرسالة بنفسه، ولا بُدّ أنّكم تذكرون أنّ تلك السّنة شهدت الحرب على العراق، التي حاول البابا القدّيس أن يمنع اندلاعها، دون أن يُوفَّق في قصده النّبيل.
وأمّا الرسالة الثانية التي تجدر الإشارة إليها، فهي الّتي وقّعها البابا فرنسيس في السّنة الأولى لحبريته، بعنوان: "تعزيز الاحترام المتبادَل من خلال التربية".
وأمّا عن موضوع رسالة هذا العام، فقد استلهمناه من ذاك الذي تناولته "لجنة العلاقات الدينيّة مع المسلمين" في المجلس عينه بالدراسة، والّذي كان عن الرّجاء. وكان الخيار موفَّقا دون شكّ، لحاجتنا الماسّة الى الرجاء في مثل هذه الظروف الاستثنائيّة والمأساويّة.
يقوم المجلس بجهودٍ كبيرةٍ من أجل توزيع الرّسالة على مستوى العالم، مستعينًا بالسّفارات البابويّة والمجالس الأسقفيّة ولجان الحوار التّابعة لها. ولنا، كما هو معلوم، شركاءٌ مسلمون من منظّماتٍ وهيئات، وكذلك أصدقاءٌ في مختلّف بلدان العالم، نرسل إليهم النّسخة الورقيّة حيث أمكن، وإلا فالنّسخة الإلكترونيّة. سَعيُنا هو أن تصل الرّسالة إلى أكبر عددٍ ممكنٍ من الأفراد والمؤسّسات والهيئات الإسلاميّة، كما إلى رجال الدّين والسّياسة والثقافة.
الرسّالة علامة رجاءٍ لأنّها تسعى الى بناء عُرى الصّداقة والمودّة أو توثيقها بين الإخوة والأخوات في الإنسانيّة وفي الايمان بالله.
وأختم بكلمات الرسّالة، ولكن بالمُفرد: "وعلامةً على أخوّتي الروحيّة، أؤكّد لكم أني أصلّي من أجلكم، وأُرسل إليكم أفضل الأماني من أجل صومٍ مثمرٍ في شهر رمضان تسوده السّكينة، ومن أجل عيد فطرٍ سعيد".