موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
المطران غالاغر مترئسًا القداس الإلهي في عمّان، 11 آذار 2024 (تصوير: أسامة طوباسي / أبونا)
إنّ دبلوماسية الكرسي الرسولي هي دبلوماسية في خدمة السلام، والشخص البشري، ودبلوماسية الرحمة.
هذا ما أكده رئيس الأساقفة بول ريتشارد غالاغر، أمين سر الدولة للعلاقات مع الدول والمنظمات الدولية، بمناسبة رحلة الحج العسكرية الدولية الرابعة والستين التي جرت في لورد من 24 وحتى 26 أيار. فبعد ظهر اليوم الافتتاحي، ألقى سيادته كلمة في المؤتمر الدولي للسلطات بعنوان "طيران الحمامة"، أمام السلطات العسكرية والمدنية والدينية من جميع أنحاء العالم.
ذكّر المطران غالاغر أنّه على الساحة الدولية، عزز الكرسي الرسولي دائمًا فضيلة "شجاعة السلام"، موضحًا الجانب الأول من الدبلوماسية البابوية؛ إنّ صنع السلام يتطلب شجاعة أكبر من شن الحرب، لأن الحرب هي "هزيمة على الدوام". شجاعة اختيار اللقاء بدلاً من الصراع، والحوار بدلاً من العنف، والتفاوض بدلاً من العداء، والصدق بدلاً من النفاق". ولكنه أعرب في بعض الأحيان يكون "الوضع الجيوسياسي متوتر جدًّا ومستقطب لدرجة أنه يصبح من الصعب تعزيز وزرع السلام في العقول والقلوب. لاسيما وأن مصنعي الأسلحة يدعمون الصراعات ويؤججونها، كما أن التقدم التكنولوجي يساهم في اتباع نهج بارد ومنفصل إزاء مأساة الحرب الهائلة.
وبالإشارة إلى الرسول بولس، لفت المطران غالاغر إلى أنّ البابا فرنسيس يطلب منا أن نتصرف بتواضع ووداعة وشهامة؛ وهذا درس جيد لكل الذين، مثلكم، يلتزمون كل يوم على مسرح العلاقات الإقليمية والوطنية والدولية". وفيما يتعلق بالدبلوماسية المتعددة الأطراف، أعرب المطران غالاغر عن أمله في تجديد في الأمم المتحدة وقال كم هو ضروري أن يصار إلى إصلاح في عمل الأمم المتحدة (وبشكل خاص في مجلس الأمن)، بطريقة أكثر تمثيلية ومع الأخذ في عين الاعتبار لاحتياجات جميع الشعوب؛ وهذا الأمر يتطلب دعم المجتمع الدولي بأكمله واستعادة روح هلسنكي".
وفي إشارة إلى الجانب الثاني من دبلوماسية الكرسي الرسولي، الذي هو خدمة الشخص البشري، أشار إلى أنه "خلف كل هذه الصراعات، وكل هذه التوترات، وكل هذه الأوضاع الإنسانية المأساوية، هناك أشخاص، ولهم أسماء"، مشددًا على أن "الدبلوماسية البابوية، إذ تضع الشخص البشري في محور نشاطاتها، تسعى إلى متابعة دعوتها والارتقاء فوق كل خصوصية، وتخاطب كل من يسعى إلى السلام والتنمية واحترام حقوق الإنسان". وهذا الدور "ليس مستوحى من هموم زمنية، وإنما من مقاربة لاهوتية حقيقية للدبلوماسية، كوسيلة لتحقيق السلام والمحبة والأخوَّة".
وقال المطران غالاغر: بفضل رسالته السامية المتمثلة في إعلان الإنجيل وتعزيز قيم العدل والحقيقة والخير، يرافق الكرسي الرسولي الأمم في بناء السلام والأخوة بين الأفراد، وإنما بين الشعوب أيضًا. وبالتالي يمكن للكرسي الرسولي، لكونه محايدًا وخاليًا من أي مصلحة شخصية، أن يصبح وسيطًا ومحاورًا بسهولة أكبر. ولكونه حرًّا من أي طموح سياسي أو اقتصادي أو عسكري، استطاع أن يحوِّل تفرده إلى قوة، وصوته إلى بوصلة ترشد الضمائر عبر مآسي هذا العالم.
"في تاريخ الكنيسة، بالأمس كما اليوم، هناك عدد لا يحصى من الأشخاص -مؤمنون، مكرسون أو سياسيّون- الذين مارسوا عملهم السياسي أو الدبلوماسي باسم الرحمة"، قال غالاغر متعمِّقًا في الجانب الثالث من تحليله، وأضاف وهكذا أصبحت الرحمة بالنسبة للكنيسة أيضًا فئة سياسية ودبلوماسية، والبابا فرنسيس هو الذي دعم بشكل خاص هذا المسار، الذي يسمح ببلوغ أسمى أشكال العدالة من خلال الدفاع عن ما هو حق وإدانة الظلم. وسيكون من الممكن عندها بناء روابط شخصية واجتماعية عميقة من أجل بناء حضارة المحبة وتعزيز "ثقافة اللقاء".
لذلك، فإن الدبلوماسية البابوية "كما تطورت وكما سار بها البابا فرنسيس قدمًا بشكل خلاق" يمكنها أن تسمى "دبلوماسية الرحمة". وخلص أمين سر الدولة للعلاقات مع الدول والمنظمات الدولية إلى القول "من خلال ربط الرحمة بالدبلوماسية، يعيد البابا فرنسيس التأكيد مجددًا على مبدأ الحياد ورفض إضفاء الشرعية على أحد الطرفين المتحاربين. إن الحياد، الذي أسسه أسلافه منذ قرون، قد أغناه البابا فرنسيس بهذا البعد الجديد وبرفض تبني موقف سياسي بحت للسلطة البابوية.