موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
نواصل نقل الفصل الأوَّل من الارشاد الرَّسوليّ "فرح الانجيل". عنوان هذا الفصل "تحوُّل الكنيسة الإرساليّ"، ننقل منه الموضوع التالي:
الإنطلاق من قلب الانجيل (الفقرات 34-39)
في عالم سرعة التَّواصل والانتقاء الذي تجريه وسائل الاعلام، تتعرَّض الرِّسالة التي تُعلِنها الكنيسة لخطر التَّشويه والاقتصار على بعضٍ من جوانبها الثَّانويَّة، على حساب قضايا تشكِّل جزءًا من تعليم الكنيسة الاخلاقيّ، فتبقى خارج الإطار الذي يُعطيها معناها (الفقرة 34).
إنَّ الرَّاعويّة بالخطّ الارساليّ تركِّز البشارة على ما هو جوهريّ، وما هو أجمل وأعظم وأكثر جاذبيَّة، وفي الوقت عينه أكثر ضرورة. فلا تكون هذه الرَّاعويَّة نقلاً مقطَّع الأوصال لمجموعةٍ من العقائد (الفقرة 35).
صحيحٌ أنَّ كلَّ الحقائق الموحَى بها تصدر عن الينبوع الإلهيّ الواحد، ويؤمَن بها إيمانًا واحدًا. ولكن يوجد تراتبيَّة في هذه الحقائق، بحيث تُعطى الأولويَّة لمن هي من لبّ الإنجيل، أي حُبّ الله الخلاصيّ المعلَن في يسوع المسيح الذي مات وقام من بين الأموات. هذه التَّراتبيَّة أكَّدها المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثَّاني (الحركة المسكونيَّة، 11). وهي تنطبق على حقائق الايمان، ومجموع تعاليم الكنيسة بما فيها التَّعليم الأخلاقيّ (الفقرة 36).
يؤكِّد القدّيس توما الاكوينيّ أنَّ لتعليم الكنيسة الأخلاقيّ تراتبيَّته في الفضائل والأفعال الصَّادرة عنها. وفوق الكلّ "الايمان الفاعل بالمحبَّة" (غلا 6:5). التَّعبير الخارجيّ الأكمل لنعمة الرُّوح القدس هو فعل المحبَّة تجاه القريب. ولذا الرَّحمة هي الأعظم بين كلّ الفضائل التي تدور حولها. فهي صفة الله الخاصَّة التي تَظهر من خلالها قدرته الى أرفع درجة (الفقرة 37).
ومن ناحية أخرى، يجب احترام النِّسبيَّة في المواضيع التي يتكلَّم عنها الكاهن في عظته خلال السَّنة الطَّقسيَّة. فإن تكلَّم مثلاً عشر مرَّات عن فضيلة الاعتدال، ومرَّتين أو ثلاثًا عن المحبَّة والعدالة، إنَّما يُلقي ظلالاً عليهما، فيما يجب أن تحتلاّ مكانهما الهامّ في الوعظ والتَّعليم المسيحيّ. وكذلك، عندما نتكلّم عن الشَّريعة أكثر منها على النِّعمة، وعن الكنيسة أكثر منها عن يسوع المسيح، وعن البابا أكثر منها عن كلمة الله، لا نحترم التَّراتبيَّة والنِّسبيَّة (الفقرة 38).
وبما أنّه يوجد وحدةٌ عضويَّةٌ بين الفضائل، لا يمكن إقصاء أيَّة منها عن المثال المسيحيّ، وبالتَّالي لا يمكن إنكار أيَّة حقيقة؛ ولا يمكن تشويه شموليَّة الإنجيل. وفوق ذلك كلّ حقيقة تُفهم بشكلٍ أفضل عندما ترتبط بشموليَّة الإنجيل المنسجمة. في هذا السِّياق كلُّ الحقائق مهمَّةٌ وتُنير الواحدة الأُخرى.
يدعونا الإنجيل للإجابة على محبَّة الله الذي يُخلِّصنا، ولرؤية الله في الآخرين، وللانطلاق من الذَّات للبحث عن خيرهم. كلّ الفضائل هي في خدمة هذه الإجابة على الحُبّ. إذا لم تشعّ دعوة الإنجيل هذه بقوَّة وبشكلٍ جذَّاب، يخشى أن يُصبِح تعليم الكنيسة الأخلاقيُّ بيتًا من ورق. هذا يعني أنَّنا لا نبشِّر بالإنجيل، بل ببعض نقاطٍ عقائديَّةٍ وأخلاقيَّةٍ مبنيَّةٍ على خياراتٍ إيديولوجيَّةٍ خاصّة. فتتعرّض هكذا الرِّسالة لفقدان نضارتها، فلا تكون من بعد "عطر الانجيل" (الفقرة 29).