موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
نواصل نقل الفصل الأوَّل "تحوُّل الكنيسة الإرساليّ" من الارشاد الرّسوليّ لقداسة البابا فرنسيس "فرح الانجيل".
1. النَّشاط الرَّاعويّ والتَّحوُّل (الفقرات 25-33)
مطلوب اليوم من الجماعات أن تبدّل الوسائل الضرورية للتقدّم على طريق تحوّل راعوي وإرساليّ، بحيث لا تبقى الأمور على ما هي. فلسنا بحاجة إلى مجرد إدارة، بل إلى حالة إرسال دائم، للوصول إلى كل أصقاع الارض (الفقرة 25).
في رسالته العامّة الأولى "كنيسة المسيح" (16 آب 1964) دعا القديس البابا بولس السادس إلى تجدّد كلّ الافراد، بل الكنيسة جمعاء. ودعاها للتعمّق بضمير مستنير في وعي حالتها وسرّها، بحيث تقارن مع صورة الكنيسة المثاليَّة، مثلما عاشها المسيح وأرادها وأحبَّها كعروس له مقدَّسة لا عيب فيها (أفسس 27:5)، الوجه الحقيقيّ الذي تقدمه اليوم عن نفسها. فترى من الواجب تصحيح العيوب التي تندّد بها ويرفضها الضمير الفاحص ذاته على ضوء المثال الذي تركه لنا يسوع المسيح (كنيسة المسيح، 10-12).
يعتبر المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني أن التحوّل الكنسي انفتاح مستمرّ على إصلاح الذات أمانة للمسيح. فكل تجدد في الكنيسة يقوم جوهريًّا على امانتها المتزايدة لدعوتها. المسيح نفسه يدعوها للاستمرار في الاصلاح، عبر مسيرتها، لأنَّها على الدوام بحاجة اليه، كمؤسسة بشرية وأرضية (قرار في الحركة المسكونية، 6).
كلّ البُنى الكنسيّة، من دون حياة جديدة وروح إنجيلية أصيلة، ومن دون أمانة الكنيسة لدعوتها الخاصة سرعان ما تفقد فاعليتها (الفقرة 26).
2. تجدّد كنسيّ لا يمكن تأجيله
إصلاح البنى في الكنيسة يقتضي تحوّلاً راعويًّا، بحيث تصبح هذه البنى كلها أكثر إرسالية، والراعوية العادية أكثر إشعاعًا وانفتاحًا، والفعلة الرعائيون يكونون في وضع "انطلاق" دائم. :فكلّ تجدّد في الكنيسة يجب أن يضع الرسالة كهدف له" (البابا يوحنا بولس الثاني: الكنيسة في أوقيانيا، 19). وتشمل البنى الكنسية: عادات الكنيسة، وطرق عملها، وأوقاتها ومواعيدها ولغتها وهيكليَّاتها (الفقرة 27).
في طليعة هذه البنى، الرعية التي، إذا أصلحت ذاتها وتكيَّفت على الدوام تكون "الكنيسة ذاتها وسط منازل أبنائها وبناتها" (راجع العلمانيون المؤمنون بالمسيح، 26). الرعية حضور كنسي في منطقتها، ومكان إصغاء للكلمة، ولنموّ الحياة المسيحية، وللحوار، ولنقل بشرى الانجيل، وللمحبة السخية، وللعبادة والاحتفال. بهذا النشاط تنشِّئ أعضاءها كي يكونوا فعلة تبشير بالانجيل.
والرعية هي جماعة الجماعات، ومعبد يقصده العطاش ليرووا ظمأهم، ويتابعوا مسيرتهم. وهي مركز إرسال دائم لمرسلين.
تحتاج الرعية إلى تجدد وافٍ ودائم، لكي تؤتي ثمارًا وافية، فتكون أقرب إلى الناس، وتكون أمكنة شركة ومشاركة، موجَّهة نحو الرسالة (الفقرة 28).
ثمّة مؤسّسات أخرى في هيكلية الكنيسة: كجماعات الأساس أو الجماعات الصغيرة، والحركات، والجمعيات. وهي تشكل ثروة للكنيسة يثيرها الروح القدس، لكي تشارك جميع الأوساط والقطاعات بالتبشير بالانجيل. ولكن من النافع جدًا لها ان تتواصل دائمًا مع رعية المنطقة، وأن تنخرط في النشاط الراعوي للكنيسة الخاصة، ما يجنّبها أن تركّز فقط على جزء من الانجيل أو الكنيسة، فلا تصبح مثل رُحَّل من دون جذور (الفقرة 29).
كلّ كنيسة خاصّة، وهي جزء من كنيسة المسيح، بقيادة أسقفها، مدعوة للتحول الارساليّ. إنها الفاعل الأول للتبشير بالانجيل. ففيها حاضرة كنيسة المسيح الواحدة، المقدَّسة الجامعة الرسولية (قرار مهمة الاساقفة الراعوية، 11).
الكنيسة الخاصَّة هي الكنيسة الواحدة الجامعة، المتجسّدة في محيط محدّد، مزوّدة بكل وسائل الخلاص المعطات من المسيح مؤسّسها، فرحها هو في نقل سرّ المسيح المعبَّر عنه سواء في اهتمامها بإعلانه في اماكن اخرى هي بأمسّ الحاجة إليه، أم بانطلاقها الدائم نحو المناطق المجاورة أو نحو أوساط جديدة اجتماعيَّة- ثقافيَّة. إنَّها تسعى لأن تكون دومًا حيث ينقص بالأكثر نور المسيح القائم من الموت وحياته. ولذلك تحتاج إلى مسيرة دائمة من التَّمييز والتَّنقية والإصلاح (الفقرة 30).
واجب الأسقف أن يجعل أبرشيَّته على مثال الجماعة المسيحية الأولى حيث كان المؤمنون قلبًا واحدًا ونفسًا واحدة (أع 32:4). من أجل هذه الغاية عليه أن يمشي أحيانًا في الأمام ليدلَّ على الطريق ويساند رجاء الشعب؛ وأحيانًا في الوسط لتقارب بسيط رحيم؛ وأحيانًا وراء الشعب ليساعد المتخلّفين. همّه أن يشرك الجميع في الشركة الرسالية المنفتحة ويعزز الحوار الراعوي عملاً بمضمون القوانين الكنسية (مجموعة قوانين الكنائس الشرقية: ق. 237 بند 1-242؛ 263 بند 2- 271 بند5؛ 272-273 بند 1 و 275؛ 295) (الفقرة 31).
يتطرّق البابا فرنسيس إلى ضرورة القيام بعملية تجدد في نمط الخدمة الراعوية في الكرسي الرسوليّ والخدمة البابويّة لتتلاءم مع ما يريده المسيح. ويعتبر أنّ المركزية المفرطة تعرقل حياة الكنيسة، وديناميّتها الارساليّة (الفقرة 32).
الخدمة الراعوية بالمعنى الارسالي تتطلّب التخلّي عن المعيار المريح: "لقد عملنا دائمًا بهذه الطريقة". يدعو قداسة البابا كلَّ واحد ليكون جريئًا وخلاَّقًا في إعادة التفكير في اهداف الأنجلة وهيكليّاتها وأسلوبها وطرقها، داخل جماعته الخاصّة، وفقًا لتوجيهات هذا الارشاد الرسوليّ. المهمّ عدم السير بانفراد، بل بالاتّحاد، الواحد مع الآخر، كأخوة وأخوات، بقيادة الأساقفة، في تمييز راعويّ فطن وواقعيّ (الفقرة 33).