موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٦ مايو / أيار ٢٠٢٥
البابا لاون لأبناء أبرشيته روما: أُقدّم لكم القليل الذي أملكه وكلّ كياني
خلال قداس تنصيبه أسقفًا على كرسي روما

أبونا :

 

ترأس البابا لاون الرابع عشر، الأحد، قداسًا إلهيًا في بازيليك القديس يوحنا اللاتران، كعلامة رسميّة على تنصيبه أسقفًا على كرسي روما. هذا الكرسي الذي يحمل إرثًا رسوليًا فريدًا، ويتجذّر في شهادة الرسولين بطرس وبولس، وفي دماء الشهداء الذين خطّوا تاريخ الإيمان بحياتهم.

 

وقبل توجه إلى البازيليك، توقف البابا لاون الرابع عشر عند تلة كابيتولين في روما، المقرّ التاريخي للإدارة المدنيّة والديمقراطيّة في روما، حيث استقبله رئيس بلدية العاصمة روبرتو غوالتيري، في احتفال رسميّ، بحضور شخصيات مدنيّة وعسكريّة وروحيّة. وأعرب عن أمله في أن تتميّز مدينة روما بـ"القيم الإنسانيّة والحضاريّة التي تستمدّ حيويّتها من الإنجيل".

 

وفي بازيليك اللاتران، ألقى الحبر الأعظم عظة، توجّه فيها بالتحيّة إلى الكرادلة والأساقفة والكهنة والشمامسة والمكرّسين والمؤمنين، مؤكدًا من جديد على هوية كنيسة روما كـ"أمّ جميع الكنائس"، وداعيًا إلى عيش أبوتها الروحيّة من خلال الحنان والتضحية والإصغاء.

 

واستشهد بالبابا فرنسيس الذي دعانا مرارًا إلى "التأمل في وجه الكنيسة الوالدي وميزاتها: الحنان، والاستعداد للتضحيّة، والقدرة على الإصغاء، والتي لا تقدِّم المساعدة فقط، بل تستبق مرارًا الاحتياجات والتّطلعات حتّى قبل التّعبير عنها"، مؤكدًا أنّ "هذه ميزاتٌ نرجو أن تنمو في كل مكان بين شعب الله، هنا أيضًا، في عائلتنا، عائلة الأبرشيّة الكبيرة: في المؤمنين، والرّعاة، وفيَّ أنا أوّلًا".

الإصغاء إلى صوت الله

 

وانطلاقًا من قراءات اليوم، التي تروي كيف واجهت الجماعة المسيحيّة الأولى تحدّي الانفتاح على العالم الوثني في إعلان الإنجيل، أكد البابا بأنّه طوال هذه المسيرة كان "الإصغاء هو الأهمّ، والذي جعل كلّ ما حدث ممكنًا، هو الإصغاء إلى صوت الله".

 

وبهذه الطريقة، تابع البابا، نتذكّر بأنّ "الوحدة والشّركة تبنى أولًا ”ونحن جاثون“ في الصّلاة وفي التزام دائم بالتوبة"، موضحًا "لأنّه وفي هذا السّعي فقط، يمكن لكلّ واحد أن يسمع في داخله صوت الروح الذي ينادي: "يا أَبَتِ" (غلاطية 4، 6)، ونتيجة لذلك، يستطيع أن يُصغي إلى الآخرين ويفهمهم كإخوة".

الروح يساندنا ويرشدنا

 

وأشار إلى أنّ الإنجيل يؤكّد لنا أيضًا هذه الرسالة (راجع يوحنّا 14، 23-29)، ويقول لنا إنّنا لسنا وحدنا في خيارات الحياة. فالرّوح يُساندنا، ويُرشدنا إلى الطّريق الواجب اتّباعها، ”فيعلّمنا“ و”يُذكّرنا“ بكلّ ما قاله يسوع لنا (راجع يوحنّا 14، 26).

 

أولًا، أوضح البابا، أنّ الرّوح القدس يُعلّمنا كلام الرّبّ يسوع ويطبعه فينا بعمق، بحسب صورة الشريعة في الكتاب المقدّس التي كُتبت لا على ألواح من حجر، بل في قلوبنا، وهو عطيّة تساعدنا على النّمو حتّى نصير بعضنا لبعض ”رسالة المسيح“.

 

وقال: إنّ قدرتنا على إعلان الإنجيل تزداد كلّما سمحنا له بأن يدخل في حياتنا ويبدّلنا، وكلّما سمحنا لقوّة الرّوح القدس بأن تُطهّر أعماقنا، وتجعل كلامنا بسيطًا، ورغباتنا صادقة وواضحة، وأعمالنا سخيّة. وهنا، تابع البابا لاون الرابع عشر في عظته، يأتي الفعل الآخر: ”يذكِّر“، أي أن نعيد انتباه القلب إلى ما عشناه وتعلّمناه، لكي نفهم معناه فهمًا أعمق ونتذوّق جماله.

لأتعلّم وأفهم ونتّخذ القرارات معًا

 

وأمام المسيرة التي تقوم بها أبرشيّة روما "لكي تُدرك الاحتياجات وتعزّز المبادرات الحكيمة والنّبويّة لإعلان البشارة والمحبّة"، عبّر البابا عن "رغبته والتزامه بأن أدخل في هذا المجهود الكبير جدًّا، وأن أُصغي إلى الجميع، على قدر استطاعتي، لأتعلّم وأفهم ونتّخذ القرارات معًا"، مستشهدًا بما قاله القدّيس أغسطينس: ”معكم أنا مسيحيّ، ومن أجلكم أنا أسقف“.

 

وقال: "أطلب منكم أن تساعدوني لعمل ذلك، بجُهدٍ مُشترك في الصّلاة والمحبّة. وفي الوقت نفسه نتذكّر كلام القدّيس لاون الكبير: "كلّ الخير الذي نقوم به في ممارسة خدمتنا هو عمل المسيح، وليس عملنا نحن، إذ لا نقدر شيئًا بدونه، بل به نتمجّد، هو الذي تأتي منه كلّ فعّاليّة أعمالنا".

أُقدّم لكم القليل الذي أملكه وكلّ كياني

 

واختتم البابا عظته بكلمات يوحنا بولس الأول؛ "ففي 23 أيلول 1978، وبوجهه المشِرق الهادئ، الذي أكسبه لقب ”بابا الابتسامة“، ألقى التحيّة على عائلته، عائلة الأبرشيّة الجديدة وقال: "لما دخل القدّيس بيوس العاشر بطريركًا إلى البندقيّة، هتف في بازيليكا القدّيس مرقس: ”ما هو مصيري، يا أهل البندقيّة، إن لم أُحبّكم؟“. وأنا أقول لأهل روما مثل هذا الكلام: يمكنّني أن أؤكّد لكم أنّني أحبّكم، وأنّني أرغب فقط في أن أخدمكم وأن أضع في متناول الجميع قوايَ المحدودة، القليل الذي أملكه وكلّ كياني".

 

وخلص إلى القول: "أنا أيضًا أُعبّر لكم عن مودّتي كلّها، وعن رغبتي في أن أشارككم، في المسيرة المشتركة، المليئة بالأفراح والآلام، والتّعب والرّجاء. أنا أيضًا أُقدّم لكم ”القليل الذي أملكه وكلّ كياني“، وأُوكله إلى شفاعة القدّيسَين بطرس وبولس، وإلى الإخوة والأخوات الكثيرين الآخرين الذين أضاءت قداستهم تاريخ هذه الكنيسة وطُرق هذه المدينة. لترافقنا سيّدتنا مريم العذراء ولتشفع لنا".