موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
عقد منتدى الفكر العربي، لقاءً حواريًا وجاهيًا وعبر تقنية الاتصال المرئي، حاضر فيه مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام الأب د. رفعت بدر حول "مسيحيي الشرق وإسهاماتهم الحضارية ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً"، وشارك بالمداخلات، في هذا اللقاء الذي أداره الوزير الأسبق وأمين عام المنتدى د. محمد أبو حمّور، كل من: المدير التنفيذي لدائرة الخدمة للاجئين الفلسطينيين في مجلس كنائس الشرق الأوسط من القدس د. برنارد سابيلا، وقاضي بيروت الشرعي من لبنان الشيخ د. محمد النقري، وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية د. جمال الشلبي، وأستاذة الإعلام في جامعة اليرموك د. مارسيل جوينات، والصحافية والكاتبة المتخصصة في شؤون حوار الثقافات والسلام المجتمعي الأستاذة رلى سماعين، وحضر اللقاء وشارك فيه أيضًا وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأسبق د. هايل الداود، وعدد من الباحثين والمهتمين.
أوضح المحاضر الأب بدر في محاضرته أن للمسيحيين دورًا أساسيًا في نهضة ونمو المجتمعات في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى إسهاماتهم العديدة في المجالات الثقافية والعلمية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، وإلى دورهم البارز في تأسيس الأفكار القومية نهاية القرن التاسع عشر، وتفعيلها في سياق الحياة العربية، على الرغم مما تعرضوا له من تهجير قسري في بعض المناطق، ومحاولات إفراغ الشرق منهم خلال السنوات السابقة.
وأضاف أن المسيحيين في منطقة الشرق يسيرون على إيقاع البلاد التي يسكنون فيها، ويمارسون عاداتها ويحترمون تقاليدها، ويعيشون في شراكة حضارية مع إخوانهم المسلمين، مشيرًا إلى أن مستقبل الشرق وإكمال مسيرة العطاء فيه يكون من خلال التمسك بالشراكة مع المسيحيين، والنظر إلى الشرق بأنه حاضن للتعددية، والعمل على تعزيز قيم المساواة والمواطنة، ومد جسور المودة والتعاون.
وبيّن التجربة الأردنية في التعامل مع المكوّنات المختلفة للمجتمع الأردني، ودور جلالة الملك عبدالله الثاني في تعزيز وإحلال السلام على أرض الواقع، وحصول المسيحيين على حقوقهم المشروعة وفي مقدمتها الاستقرار والأمن الإنساني، مشيرًا إلى الدور الذي قامت به الكنائس في تقديم العون والمساعدة للاجئين والمهجرين في الشرق، وتعزيز الحوار السلمي، والدعوة إلى تحقيق العدل والمساواة.
وأشار الأب بدر إلى وثيقة "الحضور المسيحي في الشرق: شهادة ورسالة"، التي أطلقها عدد من بطاركة الشرق عام 1992، وإلى مؤتمر العرب المسيحيين في الأردن وفلسطين، والذي قام تحت عنوان "معًا للدفاع عن الأمة"، وإلى الإرشاد الرسولي الذي وقعه البابا بندكتس السادس عام 2012 بعنوان "المسيحيون في الشرق شراكة وشهادة".
من جهته أشار د. محمد أبو حمّور إلى أن التعددية بأشكالها كافة من أهم مقومات بناء الحضارة الإنسانية، وأن التعايش السلمي ضمن هذه التعددية هو ضمان لاستقرار المجتمع، ولقوة ومنعة الدولة، وأن المعاناة التي يواجهها المسيحيون العرب في بعض بلدان المشرق العربي التي تشهد صراعات لا تقتصر على المسيحين وحدهم، بل طالت المسلمين أيضاً، الأمر الذي يؤكد أن هذه الممارسات تمس الوجود العربي بفسيفسائيته المتنوعة.
وأشار د. هايل الداود إلى أن الدين الإسلامي يدعو إلى المودة والرحمة، وأن التجاوزات التي قامت بإسمه على مر السنوات ما هي إلا مخططات قام بها أعداء الأمة العربية، مؤكدًا ضرورة وضع خطط واستراتيجيات للحفاظ على المكون المسيحي في الشرق، والحد من المخططات الصهيونية الساعية إلى تهجير وإفراغ الشرق من المسيحية، وذلك من أجل بيان أن الصراع الصهيوني هو صراع إسلامي صهيوني وليس صراعًا عربيًا صهيونيًا.
أما د. برنارد سابيلا فأشار إلى أن حب اللغة العربية والحفاظ عليها هو أساس النهضة، وأن للمسيحيين تاريخًا حافلاً في مجالات النشر وحركة الثقافة والفنون والنهضة الأدبية في المنطقة العربية، مشيرًا إلى أنهم قاموا بدور أساسي في الحفاظ على اللغة والثقافة العربية، وفي تطور الحضارة في الشرق، وذلك من خلال استقطاب الأديرة للطباعة من أوروبا، مما كان له الأثر في زيادة الوعي بضرورة الحفاظ على اللغة العربية، والتصدي للتحديات الثقافية خلال عهد الحركة العربية ولا سيما خلال الربع الأول من القرن العشرين.
وبَيّنَ د.محمد نقري عددًا من الإسهامات المشتركة بين المسيحيين والمسلمين، وذلك لبيان صيغة العيش المشترك المسيحي الإسلامي في الشرق، ومنها: الحوار بين شيخ المتصوفين السلطان إبراهيم أدهم والراهب سمعان في جبل لبنان، ودعوة البابا يوحنا بولس الثاني للصوم كل آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، وفتح أبواب البطريركية للعزاء بوفاة مفتي الجمهورية اللبنانية حسن بن سعد الدين خالد عام 1989، والوثيقة التي تعهد فيها السلطان محمد الفاتح بعدم إكراه المسيحيين على دخول الإسلام حوالي عام 1463.
وقال د. جمال الشلبي: إن المسيحية في بلاد الشام عمومًا وفي الأردن على نحو خاص ليست نتاج تبشير، بل هي النسخة الأصلية التي انتقلت إلى الدول الغربية، وأن المسيحيين في الأردن ليسوا أقلية، بل هم جزء من الأكثرية العربية التي يُعرّف الأردن نفسه بأنه جزء منها، مبيناً أن الطبيعة الاجتماعية للمسيحيين في الأردن لا تختلف عن المسلمين، مما يؤكد قوة الدولة حينما يندمج الناس في هوية وطنية تتجاوز الأديان والطوائف وتنبذ الصراعات العرقية والدينية والسياسية.
وتحدثت د. مارسيل جوينات عن إسهامات المسيحيين في المجالات العملية والعملية، وتأسيس عدد من الصحف والمجالات، ومنها: صحيفة "الهلال" المصرية التي أسسها جورجي زيدان في مصر عام 1892، وصحيفة "الأهرام" المصرية التي أسسها سليم وبشارة تقلا عام 1875، وجامعة "القديس يوسف" في بيروت عام 1875، وتأليف المطران يوسف الدبس لكتاب "تاريخ سورية"، مؤكدة أهمية تطبيق مبدأ المواطنة والتسامح لمعالجة قضايا التفرقة وإدارة التنوع في المنطقة.
ولفتت الأستاذة رلى السماعين إلى الدور الذي قامَ به المسيحيون في ترجمة الآداب والعلوم الأجنبية إلى اللغة العربية، مشيرةً إلى أن التنوع المجتمعي والديني يعد من أهم الأدوات التي تخدم التطور الاقتصادي والثقافي والسياسي والاجتماعي، وبأن الديانة المسيحية تشمل الفرد كله عاطفياً وعقلياً، وتركز على محبة الله الحي مما ينعكس الأثر على مناحي حياته كافة، كما تؤثر المحبة على كل من حوله وعلى مجتمعه.
هذا وجرى نقاش موسع بين المتحدثين الرئيسيين والحضور حول القضايا التي طُرحت خلال اللقاء.