موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
رغم أن صيف 2023 كان تاريخيًا، حيث تعاقبت خلاله ثلاثة أشهر هي الأكثر سخونة في التاريخ المسجّل، إلا أن فإن أحداثه لم تخرج بعيداً عن دائرة التوقعات.
فمنذ أمد طويل، أطلق علماء المناخ تحذيراتهم من فصول صيف قاسية تشهد موجات حرّ قاتلة وعواصف مفاجئة ومحيطات شديدة الحرارة.إن تحطيم هذا الصيف للعديد من الأرقام القياسية هو نتيجة واضحة لارتفاع حرارة النظام المناخي.
أما النتيجة الأخرى فهي الطقس المتطرّف الذي أصاب مناطق كثيرة بالجفاف والفيضانات وحرائق الغابات. وفي أكثر من مكان، كما في الهند واليونان وأغلب بلدان شرق المتوسط، تَبِع ارتفاع درجات الحرارة حصول هطولات مطرية غزيرة أو ومضية. فمع كل درجة مئوية ترتفع فيها حرارة الغلاف الجوي للأرض تزداد كمية بخار الماء في الجو بنحو 1 إلى 7 في المائة.
شهد النصف الأول من سنة 2023 مجموعة كبيرة من الكوارث المناخية، التي طالت بلدانًا كثيرة في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي. وفي أكثر من مكان، سجّلت درجات الحرارة والعواصف المطرية أرقامًا قياسية، ونتجت عنها حرائق واسعة وفيضانات عنيفة وذوبانا للجليد. وكأن الصيف يسدل الستار على تسابق في عدد الضحايا بين كارثة الزلزال في المغرب والفيضانات في ليبيا، حيث يستمر العدُّ بالآلاف.
ولا يمكن أن تُعزى جميع أحداث هطول الأمطار الغزيرة إلى تغيُّر المناخ، إذ إن عوامل أخرى، كالتقلُّبات الطبيعية والتغيُّرات في استخدام الأراضي، قد تلعب دورًا كبيرًا. لكن تقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ يخلص إلى أن زيادة تواتر وشدّة هطول الأمطار الغزيرة في معظم مناطق اليابسة ترتبط بالنشاط البشري المسبب لتغيُّر المناخ. ويتوقّع التقرير أن يصبح هطول الأمطار الغزيرة أكثر تواتراً وشدّة مع زيادة الاحترار.
ففي المغرب أودى الزلزال، الذي بلغت قوته سبع درجات وضرب منطقة جبال الأطلس الكبير، بحياة ما يقرب من ثلاثة آلاف وأوقع أكثر من 5500 مصاب، وفقا لأحدث الأرقام الرسمية. وأطاح الزلزال، الأقوى من حيث عدد القتلى في المغرب منذ عام 1960، بالبنية التحتية للقرى النائية في المنطقة الجبلية الوعرة، ودمر المنازل وتسبب في انقطاع الكهرباء، تاركاً سكان هذه القرى في معاناة مع اقتراب الأجواء الباردة في الأشهر القليلة القادمة، وتسبب في انهيار جزئي أو كلي لنحو 50 ألف منزل. وكان شباط الماضي شهد زلزالاً من أسوأ الزلازل ضرب تركيا وسوريا وخلف أكثر من 50 ألف ضحية ودماراً واسعاً وأكثر من 25 مليون متضرر.
أما في ليبيا، فكانت كارثة مماثلة إذ وصلت العاصفة «دانيال» بعد ظهر الأحد إلى الساحل الشرقي لليبيا وضربت مدينة بنغازي قبل أن تتجه شرقا نحو مدن في الجبل الأخضر (شمال شرق)، مثل شحات (قورينا) والمرج والبيضاء وسوسة (أبولونيا) ودرنة وهي المدينة الأكثر تضررا. وليل الأحد الاثنين، انهار السدان الرئيسيان على نهر وادي درنة الصغير ما تسبب في انزلاقات طينية ضخمة دمّرت جسورا وجرفت العديد من المباني مع سكانها.
وفي أيلول، شهِدت بلدان شمال أفريقيا هطولات مطرية مبكرة، كان أخطرها في ليبيا، حيث يُخشى وفاة ما يصل إلى عشرين ألف شخص نتيجة الفيضانات والسيول التي خلّفها إعصار «دانيال» في شرق البلاد. وكانت العاصفة المتوسطية العنيفة التي طالت مدناً ساحلية عدّة أدّت إلى انهيار سدود وجرف أحياء بأكملها، لا سيما في مدينة درنة التي أُعلنت منطقةً منكوبةً.
فيضانات واسعة في القارة الآسيوية
في 7 آب، شهِدت العاصمة الصينية هطولات مطرية غزيرة قاربت 745 ملم، وهي الأعلى في يوم واحد منذ بدء رصد أحوال الطقس في 1883. ونتج عن هذه الهطولات فيضانات تسببت في مقتل 33 شخصاً و18 مفقوداً، وانهيار وتضرر أكثر من 200 ألف منزل. وفي الأسبوع التالي، وصلت الحرارة في مقاطعة شينجيانغ إلى 52.2 درجة مئوية، وهو رقم قياسي جديد في الصين.
وخلال النصف الأول من 2023، شهِدت القارة الآسيوية مجموعة من الأحوال المناخية التي أودت بحياة الكثيرين، أبرزها موجة البرد التي أصابت أفغانستان في 10 كانون الثاني حيث وصلت الحرارة إلى 33 درجة تحت الصفر وأودت بحياة أكثر من 160 شخصاً، وكذلك إعصار موكا الذي اجتاح ميانمار في أيار وتسبب في وفاة نحو 500 شخص وأضرار تقارب 1.5 مليار دولار.
كما أسفر إعصار «بيبارجوي» عن مقتل أكثر من 12 شخصاً في الهند خلال شهر حزيران. وفي الشهر ذاته، عانت البلاد من موجة حرّ شديدة أدّت إلى انقطاع التيار الكهربائي عدة مرات ووفاة ما يقرب من 170 شخصاً. ومنذ تموز، تستمر الفيضانات غير المسبوقة في الهند في حصد الأرواح، حيث تسببت حتى الآن في وفاة أكثر من 100 شخص.
أعاصير مدمّرة في نصف الكرة الجنوبي
لم يكن النصف الشمالي من الكرة الأرضية هو الوحيد الذي عانى من ارتفاع الحرارة. ففي آب، شهِدت البرازيل ارتفاعاً قياسياً في الحرارة بلغ 41.8 درجة مئوية في مدينة كويابا في منتصف الشتاء. وطالت موجة الحرّ جزءاً كبيراً من البلاد، مما دفع الآلاف من سكان ريو إلى الشواطئ.
وفي جنوب البلاد، شهِدت ولاية ريو غراندي في 6 أيلول أسوأ كوارثها المناخية، حيث تسبب إعصار في أمطار ورياح غزيرة أودت بحياة 27 شخصاً على الأقل. وكان ما لا يقل عن 40 شخصاً فقدوا حياتهم نتيجة فيضانات وانهيارات أرضية في ولاية ساو باولو خلال شباط الماضي. كما أدّت حرائق الغابات في جنوب وسط تشيلي خلال الشهر ذاته إلى مقتل 24 شخصاً وإصابة نحو ألفي شخص، وإحراق أكثر من 800 ألف فدان من الأراضي.