موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
مدن كثيرة في فلسطين مرتبطة بالسيّد المسيح، ولن ندخل في التفاصيل. وقد زرع السيّد المسيح خطواته في أماكن كثيرة، وحفر في القلوب وفي ذاكرة التاريخ دروبًا خالدة بعد أن شفى المرضى وأقام المقعدين وفتح العيون وطهّر البرص... كلّها موثّقة في الكتاب المقدّس وفي التاريخ.
إلاّ أنّ في ذاكرة الجغرافيا والمصادر القبطية تفاصيل عن رحلة العائلة المقدّسة إلى مصر، لم يرد ذكرها في الانجيل الطاهر. وتقول تلك المصادر: كانت هناك ثلاث طرق يمكن ان يسلكها المسافر من فلسطين إلى مصر فى ذلك الزمان، على أنّ العائلة المقدسة سلكت طريقًا آخر خاص وغير معروف بها -بتدبير ربّاني- هربًا من بطش هيرودس الكبير .
تراءى ملاك الربّ ليوسف في الحلم وقال له: "قم فَخُذِ الطفل وأمّه واهرب إلى مصر وأَقِمْ هناك حتى أُعلِمَك، لأنّ هيرودس سيبحث عن الطفل ليُهلكه. فقام فأخذ الطفل وأمّه ليلاً ولجأ إلى مصر" (متّى 2 :13-14). لا يرد في الانجيل الطاهر تفاصيل عن رحلة رحلة العائلة المقدّسة إلى مصر، ولا عن الطريق التي سلكوها. ولكن تقول المصادر القبطية حسب التقليد القديم: كانت هناك ثلاث طرق يمكن ان يسلكها المسافر من فلسطين إلى مصر فى ذلك الزمان، على أنّ العائلة المقدسة سلكت طريقًا آخر خاص وغير معروف بها- بتدبير ربّاني - هربًا من بطش هيرودس الكبير .
في رحلة العائلة المقدّسة إلى أرض مصر حملت سيّدتنا مريم العذراء طفلها بين ذراعيها وامتطت الحمار، فيما سار القدّيس يوسف خطيبها العفيف مشيًا على الأقدام للجوء إلى مصر هربًا من هيرودس المرتعب من ميلاد الطفل، ظنًّا منه أنّه سينافسه على اعتلاء العرش في المستقبل.
كانت أوّل محطة لهم في "رفح" وهي المدينة الحدودية منذ قديم الزمان. وقد تمّ العثور في أطلالها على آثار لها صلة بالديانة المسيحية. ثمّ "العريش" القابعة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط. وتمّ العثور فيها على بقايا من كنائس. أمّا "الفرما" فهي آخر محطة حلّت فيها العائلة المقدّسة في سيناء وفيها مواقع أثرية هامّة.
بعد ذلك دخلت العائلة المقدّسة "تل بسطا" (أو مدينة الآلهة) وهي من المدن المصرية القديمة واستظلّوا تحت شجرة. وطلب الطفل أن يشرب لكن سكان المدينة امتنعوا عن استقبالهم... فأخذ القدّيس يوسف قطعة من الحديد وضرب بها الأرض وإذا بالماء ينفجر من ينبوع عذب ارتوى منه جميع الحضور. بعد ذلك توجّهت العائلة المقدّسة إلى "الزقازيق" واستضافهم (قلوم) واكرم ضيافتهم. وكانت زوجته طريحة الفراش منذ ثلاث سنوات، لذلك اعتذر للسيدة العذراء مريم عن عجز زوجته عن مقابلتهم. قال له المسيح الطفل: "لن تكون امرأتك سارة مريضة بعد اليوم". وفي الحال قامت سارة مرحّبة بالعائلة المقدّسة وكان وجود الطفل بركة لمنزلها. وحينما زارت مريم العذراء معبدًا للأوثان مع المسيح الطفل وسارة، تهشّمت التماثيل الضخمة للآلهة وكذلك المعبد الكبير حال دخولهم المعبد. وانتشر الحدث وعلمت السلطات بوجود الطفل الصغير، وهو في الغالب الطفل المقدّس الذي يبحث عنه هيرودس الكبير. وكان هيرودس فيما مضى قد طلب من حاكم تلك المدينة القبض على الطفل. سمع قلوم بكلّ الترتيبات التى اتخذتها السلطات للقبض على الطفل لذا نصح مريم العذراء بالهروب من المدينه في ساعات الليل .
من هناك وصلوا إلى "مسطرد" (المحمّه). وقد رجعوا إلى هذا المكان مرّة اخرى في طريق عودتهم إلى الاراضي المقدّسة. بعدها توجّهوا إلى "بلبيس" وتبعد عن مدينة القاهرة بمسافة 55كم. ويروي التقليد أنّ المسيح الطفل أقام طفلاً ميتًا محمولاً على نعش. وحسب التقليد قامت السيدة العذراء مريم بإعداد الخبز لدى سيدة طيبة من سكانها. ومرّوا إلى قرية "شجرة التين" في البرلس وقرية "المطلع"، فمدينة سخا الحالية وحينما شعرت العائلة المقدسة بالعطش هناك لم يجدوا ماء. وكان هناك قاعدة عمود أوقفت العذراء ابنها الطفل عليه فغاصت في الحجر مشطا قدميه وانطبع اثرهما عليه ونبع من الحجر ماء ارتوا منه. وسُمّيت المنطقه "بيخا ايسوس" الذي معناه كعب المسيح.
بعد ذلك رحلت العائلة المقدسة إلى "وادي النطرون" وهو يضمّ حاليًا أربعة أديرة. وحلّت العائلة في "المطرية" و"عين شمس". وفي "الفسطاط" سكنوا المغارة التي بني عليها كنيسة أبى سرجة الأثرية. هناك تحطمت الأصنام الوثنية بسبب حضور الطفل المقدّس. وتوجّهوا إلى منطقة "المعادي" وعبروا النيل بالقارب إلى مدينة "منف" (حاليًا ميت رهينة) ومنها إلى جنوب الصعيد ومنطقة "البهنسا" من قرى الصعيد القديمة. وأيضًا "جبل الطير".
وبحسب التقليد يُحكى أنه في أثناء سير العائلة المقدّسة على شاطئ النيل كادت صخرة كبيرة من الجبل أن تسقط عليهم، ولكن مدّ المسيح الطفل يده ومنع الصخرة من السقوط فانطبع كفّه على الصخرة وصار يُعرف باسم (جبل الكف). انطلقوا بعدها إلى بلدة "الأشمونيين" وقد أجرى الطفل معجزات كثيرة هناك. كذلك إلى قرية "ديروط" الشريف حيث شفى كثيرين من المرضى. أمّا سكان مدينة "القوصية" فلم يرحّبوا بهم لأنّ معبود السكان "البقرة حاتحور" قد تحطمت وصارت خرابًا لدى دخولهم المدينة. بينما أكرمهم أهل قرية "مير".
ويُحكى أنّ "دير المحرق" من اهم المحطات التى استقرت بها العائلة المقدسة ولأطول فترة زمنية (ستة شهور وعشرة أيام). وتُعَدّ الغرفة أو المغارة التي سكنتها العائلة أوّل كنيسة فى مصر بل في العالم كلّه. ويقع مذبح كنيسة العذراء الأثرية التي بُنيت هناك في وسط أرض مصر، وعليه ينطبق حرفيًا قول الله على لسان النبي أشعيا: "وفي ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر". وآخر محطة للعائلة المقدّسة كانت في"جبل درنكة" داخل مغارة قديمة منحوتة في الجبل.
خاتمة
كانت العائلة المقدّسة أوّل عائلة تلجأ –هربًا من الاضطهاد- إلى بلدة أخرى: إلى "مصر" الشقيقة والعريقة في حضارتها. وقد سطّر التاريخ والجغرافيا والآثارات تواجد المسيح الطفل في مصر وحضوره هناك، قبل عودته مرّة أخرى إلى وطنه بأمر من ملاك الربّ، الذي ظهر في "دير المحرق" ليوسف النجار فى الحلم، بعد موت هيرودس الكبير، و"أمره بالعودة الى الأرض المقدّسة" (متّى 20:2)، كي يتحقّق ما جاء على لسان النبي: "من مصر دعوت ابني".