موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ١ أغسطس / آب ٢٠٢١
مواقع تواصل أم انفصال اجتماعي؟

أشخين ديمرجيان :

 

راغبو الانتماء بالشبكات الاجتماعية هم أولئك الذين يشعرون بالعزلة الاجتماعيّة، عادة بسبب عدم ثقتهم بأنفسهم. وأحيانًا وببساطة لا يريدون الانضمام إلى مجموعات لا تعطيهم الاحساس بالانتماء الفعليّ. نتيجة لذلك تطفو لديهم على السطح عواطف سلبيّة تجاههم، في ضوء كلّ هذه المجموعات التي تنشأ، والتي لا مكان لديها لأنواع معيّنة من الناس.

 

وحاجة المرء للانتماء إلى مجموعة قائمة منذ زمن بعيد، ولكن مع تطوّر التكنولوجيا تحوّل ذلك إلى أسلوب من أساليب الحياة. معظم المنصّات التكنولوجيّة تهدف إلى سدّ الفجوات المعنويّة والنّفسيّة الموجودة ما بين الناس، ممّا يسمح لنا بالتعرّف على أصدقاء جدد تجمع بينهم مصالح مشتركة. ولكن ماذا يحدث للمنطوين على أنفسهم، الذين يصعب عليهم إنشاء صداقات حتّى على شبكات التواصل الاجتماعيّ؟ أو لأولئك الذين هم بحاجة إلى إقامة علاقات شخصيّة وحقيقيّة مع أناس يُعَدّونهم بمثابة أصدقائهم؟

 

ينبغي ألاّ ندع مشاعرنا الداخليّة تتأثّر بعدد معارفنا على المواقع. العلاقة الجوهريّة هي علاقتنا مع أنفسنا، ولن نستطيع تقوية هذه العلاقة إذا حاولنا أن نفسح المجال لمستخدمي شبكات التواصل أن يكوّنوا عنّا أفكارًا زائفة أو غير صحيحة بالكامل، أو إذا كنّا تتعرّف على مئات الناس من غير أن يكون ذلك أساسيًا في حياتك.

 

وكذلك ألاّ نجعل الأرقام الضئيلة التي حصلنا عليها في المنصّات الاجتماعيّة تسبّب لنا القلق أو تعرّضنا لضغوطات نفسيّة للحصول على أرقام أعلى. الأشياء التي تحدّد شخصيّتنا هي أعمالنا وإنجازاتنا في الحياة العمليّة، وليس كمّيّة المشاركاتshares  أو الـ likesالتي ننالها.  تهتمّ الشبكات الاجتماعيّة بالكمّيّة وليس بالنوعيّة، وغالبيّة الناس تسعى إلى تكوين صداقات مع عدد كبير من الناس، إلى جانب الفوز بكمّيّة كبيرة من الـlikes والمشاركات لكلّ ما تنشره. الأرقام التي نحصل عليها تولّد لدينا الخوف إذا كانت أدنى من التوقّعات، ولكلّ منّا عدد مختلف من الأصدقاء، وبناءً عليه تتباين عدد المشاركات والـlikes.

 

مع ذلك، عوامل مثل الحرج الاجتماعي وانعدام الثقة بالنفس تُولّد مشاكل في الشبكات الاجتماعية التي تكثّف وتُعمّق مثل هذه الأحاسيس. إنّها تجلب علينا أيضًا المشاعرالسيئة تجاه أنفسنا، والغرق في حالة من الشفقة على الذات لأنّنا نخفق في  تلبية طموحاتنا في تحقيق كمّيّات عالية من الأسهم الـlikes والمشاركات. ولكن هل هذه الأرقام حقًا تعرّف الناس على شخصيّتنا؟ والجواب بين يدينا، وكلّ شيء يعتمد على مدى اهتمامنا بتلك الأرقام الزائفة وتأثّرنا بها لدرجة تحويلها إلى كابوس أرقام في حياتنا.

 

التنمّر في الشبكات لم ينل من أوساط الأطفال فقط، بل تعدّى ذلك إلى مواقع البالغين، وهو موضوع يتداوله الرأي العام بكثرة في الوقت الحاضر، وكم أدّى إلى خراب بيوت وطلاق وغيره. السبب أن معظم الناس يصدّقون الأخبار السيئة أكثر بكثير من تصديقهم للأخبار الإيجابيّة الطيبة. ومن الأسهل لأغلبيّة الناس الكذب وجرح مشاعر إنسان آخرمن وراء الكواليس، والتخفّي خلف شاشة الحاسوب أومن خلال انتحال هويّة كاذبة. ولكن التعليقات والانتقادات والتهديدات التي يكتبها القرّاء بعد ذلك، يتلقّاها الإنسان المتّهم لدى قراءتها وكأنّها قيلت له بالفعل وجهًا لوجه. وفي نهاية المطاف هذه الكلمات القاسية تؤدّي إلى الشعور بالقلق والخوف والاكتئاب. اذا شعرنا بالدونية والوحدة لدى استخدام الشبكات  الالكترونيّة، فهي بداية مرحلة جديدة لظهورأعراض القلق التكنولوجيّ الذي يؤثّر سلبًا على حياتنا.

 

المناقشات التي تحظى بالاهتمام على الشبكات الاجتماعيّة هي التعليقات المشحونة بالغضب. وعادة لا أحد يغيّر رأيه في أثناء المناقشة استجابة لأمر تمّ نشره،ولكن بدلاً من ذلك يُعبّر عن موقفه بشراسة، بغضّ النظر عن مشاعر الآخرين. يُستحسن تجنُّب  مثل هذه النقاشات الحادّة وما نلقاه من الآخرين عبر المواقع الاجتماعيّة، اذا كان ذلك يُفقدنا راحة البال ويجرح مشاعرنا.

 

تطوّرت التكنولوجيا الحديثة كثيرًا، وتطوّرت معها الأجهزة الإلكترونيّة، وكلّ منها سلاح ذو حدّين سلبيّ وإيجابيّ، وعلينا يتوقّف الاستفادة منها أو سوء استخدامها. فلنستخدم الفوائد التي أفرزتها التكنولوجيا من غير أن يُضعف ذلك علاقاتنا الاجتماعيّة وروابطنا الأسريّة التي تزيد في صحّتنا وتقلّل من الأمراض النفسيّة والموت المبكّر. باختصار مواقع التواصل الإجتماعي ينبغي أن تسمّى مواقع الانفصال الإجتماعي فهي تفصل الأبناء عن الوالدَين والصديق عن صديقه ... ومن هنا تكمن خطورتها والمآسي التي تجلبها على الأفراد والمجتمعات.

 

وفي عالمنا اليوم، من الصعب أن نصنع "مساحتنا الخاصّة" أو "مكانًا يخصّنا وحدنا" ويكون "مُلكنا الخاص بنا" في منصّات التواصل الاجتماعيّ، وعليه، بدل الامتناع عن الشبكات بشكل كلّيّ، ينبغي أن نتذكّر بعض القواعد الأساسية والتي سوف تساعدنا في الحفاظ على راحة البال: التكنولوجيا جزء أساسيّ من حياتنا اليوم، ولكنّها لا تشكّل كلّ حياتنا. منصّات التواصل الاجتماعيّ زائفة لا تُملي علينا معايير مشروعة قانونيًّا. حياتنا الشخصيّة وخصوصيّاتنا ليست صالة عرض للآخرين - لنحتفظ بها لأنفسنا. لنعش حياتنا من أجل إرضاء ربّنا، لا من أجل إرضاء الآخرين على حساب الضمير.

 

خاتمة

 

اذا أحسسنا بالانزعاج والمضض لسبب أو لآخر لدى مشاركتنا في إحدى المواقع، علينا الابتعاد عنها فورًا، مع تجنّب كلّ بيئة إلكترونيّة غير ناجعة تضايقنا وتضغط على أعصابنا، وكذلك عن كلّ ما هو غير مريح في كلّ مكان وزمان.