موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٨ فبراير / شباط ٢٠٢١
مجلس كنائس الشرق الأوسط ينشر الدراسة المعدّة في المركز الكاثوليكي حول الإعلام في خدمة الإيمان
بحسب الدراسة شكّلت مواقع التواصل الإجتماعي الوسيلة الأكثر استخدامًا في متابعة الطقوس الدينيّة 67%
موقع "أبونا" يواكب احتفالات الأسبوع المقدس 2020، من كنيسة العذراء الناصرية - عمّان

موقع "أبونا" يواكب احتفالات الأسبوع المقدس 2020، من كنيسة العذراء الناصرية - عمّان

تقرير ومقابلة: ايليا نصراللّه :

 

حين أقفلت الكنائس أبوابها أمام المؤمنين وهمّ بأشدّ الحاجة إلى من يروي عطشهم الروحي خلال مواجهتهم خطر جائحة فيروس كورونا وفَرْض الحجر الصحيّ عليهم، طرحت إشكاليّة إيمانية وسؤال: هل علاقتنا مع اللّه باتت مهدّدة؟

 

في ظلّ حال الطوارئ التي يعيشها العالم منذ أكثر من عام محاولًا كبح جماح الفيروس الفتّاك، جاءت الإجابة المباشرة عبر وسائل الإعلام الحديثة الّتي سعت إلى تقديم مضامين الفكر المسيحي خصوصًا في الأعياد وطقوسها، ومرافقة المؤمنين خلال هذه الظّروف العصيبة.

 

كيف قرّب الإعلام الجديد المسافة بين الأرض والسماء؟ كيف فتح أبواب الكنائس افتراضيًا لحماية المؤمنين من تفشّي الفيروس؟ مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام الأب رفعت بدر يجيب عن هذه الأسئلة في لقاء افتراضيّ، كما يعرض نتائج دراسات قام بها المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام و"موقع أبونا" حول الموضوع.
 

ما هو إذًا الدور الّذي لعبه الإعلام خصوصًا الإعلام الديني خلال هذه المرحلة؟ وكيف ساند المؤمنين للحفاظ على علاقتهم مع اللّه؟

 

الإعلام ساند الكنيسة في البقاء على تواصل مع مؤمنيها، وبالتّالي لم يحلّ مكانها. صحيح أنّ أبواب الكنائس قد أغلقت لكن الصّلوات لم تتوقّف. ففي الأردنّ مثلًا أطلق المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام و"موقع أبونا" حملة "بيتي كنيستي" على موقعه الرئيس ومواقع التواصل الإجتماعي الخاصّة به. ومذاك ترسّخ هذا المفهوم لدى المؤمنين. فإقفال الكنائس لا يعني منع الصّلوات، بل منع الوصول إلى الكنيسة كمكان جغرافي. لم تكن إذًا الصّلاة ممنوعة بل كان وما زال بإمكاننا القيام بها في المنزل بواسطة الصّلوات البيتيّة ووسائل الإعلام المتاحة خصوصًا مواقع التواصل الإجتماعي الّتي تبثّ كلّ الإحتفالات اللّيتورجيّة بطريقة مباشرة.

 

كان التحدّي كبيرًا خصوصًا أنّ بداية تفشّي فيروس كورونا تجلّت في غمرة زمن الصّوم الأربعيني والتحضير لزمن الفصح. فهذه أزمنة ليتورجيّة غنيّة بالطقوس الرّائعة الّتي يتوق إليها المؤمنون وينتظرونها سنويًا. لذلك وجب علينا مضاعفة جهودنا وتأمين بثّ مباشرعالي الجودة عبر الأجهزة الإلكترونيّة، وذلك كي يتمكّن المؤمنون المحجورون من الشّعور بقربهم من الكنيسة.

 

إذًا، قام الإعلام بدور أساس في إبقاء المؤمن على تواصل مع كنيسته ومشاركته في الطقوس الدينيّة خصوصًا الّتي تختصّ بهذا الزمن اللّيتورجي الّذي ينتظره النّاس بشوق. لم نترك الإحباط يحيط بالمؤمن بل واصلنا العمل للمحافظة على هذا التواصل حيث بات المؤمنون يسألون عن مواعيد بثّ القداديس والصّلوات ورتبة درب الصّليب والمسبحة الورديّة اليوميّة كي يحضّروا أنفسهم أيضًا في المنازل.

 

خلال الاحتفالات الدينيّة طلبنا من العائلات أن يرسلوا لنا صورهم أثناء تحضيراتهم لها في المنزل، فالتفاعل كان إيجابيًا حيث تلاءمت الصّور مع الزمن اللّيتورجي. على سبيل المثال، وضعت بعض العائلات في بيوتها خلال الأسبوع العظيم مجسّم لجثمان المسيح وصورة له على الصّليب. وفي أحد الشعانين قاموا بتحضير الأغصان لمباركتها بدورهم حين يباركها الأسقف أو الكاهن عبر الإنترنت. كما تلقّينا صور لعائلات كانت قد وضعت الكراسي في المنزل بطريقة تشبه الكنيسة. إذْ، كانوا يرتدون ملابسهم ويصفّفون شعرهم... ويشاركون في القدّاس كما لو كانوا في الكنيسة. وفي سبت النّور مثلًا يطفئون الأضواء في منازلهم ويشعلون الشّموع. وهكذا تطوّر التفاعل وكثرة المشاركة، وتحقّقت المقولة الّتي أطلقناها "بيتي كنيستي"، وتحوّلت المنازل إلى كنائس. كنّا دائمًا نشدّد على أنّ حضور القدّاس لا يكون كمشاهد وإنّما كمشارك.

 

 

ما هي الموادّ الّتي عمل عليها "موقع أبونا" وقدّمها إلى المؤمنين والمتابعين خلال الحجر الصحيّ؟

 

بدايةً قام "موقع أبونا" ببثّ الإحتفالات الدينيّة الرئيسة كالقداديس اليوميّة وقدّاس الأحد وصلوات درب الصّليب في الزمن الأربعيني. إضافةً إلى احتفالات أيّام الأسبوع المقدّس، إنطلاقًا من أحد الشعانين وصولًا إلى أحد الفصح المجيد. كما قمنا بالتّعاون والتنظيم مع مطرانيّة اللّاتين حيث ترأّس النائب البطريركي للّاتين في الأردن سيادة المطران وليم شوملي الرتب الإلهيّة بمعاونة مجموعة من الكهنة.

 

وتجدر الإشارة أنّه بسبب الإجراءات الوقائيّة الصّارمة لم نتمكّن من التنقّل لنقل هذه الرتب الّا من خلال تراخيص معيّنة تسمح لنا بذلك. علمًا أنّه كان من الصّعب الحصول عليها بسبب الإغلاق الكامل الّذي فرض على البلاد. لكن استطعنا أن ننال تصاريح عدّة كالّتي تتعلّق بالإعلام، مُنحت من قبل إدارة الأزمات في الأردن.

 

علاوةً على ذلك، شهدنا تعاونًا بين الكنيسة وأجهزة الدولة كي نؤمّن بثّ قدّاس موحّد للجميع، فطلبنا مثلًا في أحد الشعانين من إخوتنا الكهنة في الرعايا توحيد القدّاس من أحد الشعانين حتى الفصح المجيد. ولمسنا التزامًا ملحوظًا من قبل الكهنة بحيث إكتفوا بما يبثّه "موقع أبونا" وتوزيع هذا البثّ على المواقع الخاصّة برعاياهم. هنا يكمن هذا التشارك بين "موقع أبونا" والمركز الكاثوليكي والمواقع الإلكترونيّة للرعايا لتوحيد القداديس.

 

من جهّة ثانية، قمنا بتقديم مواد مساندة للقداديس وهي بثّ المسبحة الورديّة يوميًّا. إضافةً إلى بثّ العِظات الّتي يوجّهها الرعاة من بطاركة وأساقفة وكهنة... في زمن تفشّي الوباء لسنا بحاجة فقط إلى الطقوس الدينيّة وإنّما أيضًا  إلى الإستماع لكلمة روحيّة. وهنا يتوجّب على وسائل الإعلام تهيئة المؤمن لتقبّل إرادة الله سواء أكان في الإصابة بالمرض أو في حال فقدان عزيز لا سمح الله. بالتّالي دخلت روحانيّة مسيحيّة إلى البيوت كي نعيش زمن الوباء بطريقة إيمانيّة، وبهذا يكمن دور وسائل الإعلام بمساندة المؤمنين في ترسيخ إيمانهم.

 

 

كيف تصف تجربة الإعلام هذه في زمن تفشّي الوباء؟ وهل برأيك يصبح لوسائل الإعلام دور ثابت في بثّ الرسالة الدينيّة والروحيّة على مدار السنة في المراحل المقبلة؟

 

لا شكّ أنّ الإعلام اليوم يمرّ بمرحلة مهمّة ونادرة بسبب تطوّره وتقدّمه. إنّها المرّة الأولى في التاريخ التي يقوم الإعلام بهذا الدور، ولم يقف متفرّجًا. فالمؤسّسات الرسميّة قدّمت آخر أخبار الجائحة ونشرت حملات التوعية. فيما الإعلام الديني والمسيحي قام بمهام كبيرة في تهيئة المؤمن على تقبّل إرادة الله، وكيفيّة عيش الإيمان في خضمّ المصاعب والمحن.

 

في الواقع، لا نعيش أزمنة سلاميّة ومطمئنّة دائمة، لكن المهمّ أن يبقى القلب مطمئنًّا رغم كلّ ما يحصل في الخارج. إذْ، ضمّت صفوف المتابعين عددًا كبيرًا من المصابين بفيروس كورونا والمخالطين بهم. وبالتّالي وجّه الإعلام رسالة تعزيّة لهم وإلى كلّ الّذين يعيشون هذه المأساة، منذ بداية تفشّي الفيروس حتّى اليوم، لا سيّما وأنّ مصيرنا يبقى مجهولًا على وقع تفاقم تداعياته. على سبيل المثال، وصلني في الأشهر الأولى من تفشّي الفيروس، رسالة من صحافيّة قالت فيها أنّها أرادت زيارة إبنها في لندن وأصيبت بالفيروس لكنّها استطاعت أن تستمدّ التعزية من البثّ المباشر والمواد الّتي كنّا نقدّمها؛ فبالنّسبة لي هذا يشكّل تعزية لنا أيضًا خصوصًا أنّ رسالتنا قد وصلت من خلال نشر الرجاء والشفاء. وفي الإطار نفسه أعلمني أحد الآباء أنّ ابنه البالغ من العمر 18 عامًا مصاب بمرض السرطان، وهما يتابعان معًا من المستشفى كلّ ما نبثّه على مواقعنا.

 

من هنا تتجسّد رسالة الإعلام ودعوة كلّ المؤسّسات الإعلاميّة لأن تكون أكثر إنسانيّة. في لبنان مثلًا تجتاح التصريحات والحوارات والمشاحنات الكلاميّة السياسيّة الوسائل الإعلاميّة كافّة. إذْ، مهام الإعلام ليس فقط نشر أخبار القادة السياسيّين، وإنّما من المهمّ أيضًا أن يقوم بهذا الدور الإنساني ونشر تعزية سماويّة في بيوت تتألّم وتحمل صليبها وأحيانًا كثيرة بصمت. ومن خلال بثّ روح الأمل والرجاء والشفاء بين المصابين أو من يعالجهم ننشر صورة جديدة لوسائل الإعلام في مجتمعنا المعاصر بعيدًا عن الأحاديث السياسيّة والجدليّات الّتي لا تقدّم أي إفادة. على وسائل الإعلام إذًا أن تتّخذ هذه الرؤية الإنسانيّة لخدمة الإنسان.

 

 

ماذا عن هذه التجربة في الأردن والأراضي المقدّسة؟

 

لا شكّ أنّ الإعتماد على وسائل الإعلام كان مهمًّا خصوصًا أنّ بدايات تفشّي فيروس كورونا جاءت خلال أسبوعين مقدّسين، ففي القدس كنّا نحتفل بالعيد بحسب التوقيت الغربي وفي الأردن بحسب التوقيت الشرقي. وبالتّالي تجسّدت مهامنا في بثّ الصلوات والإحتفالات الدينيّة في الأراضي المقدّسة وتحديدًا في القدس، وذلك بالتّعاون مع مركز الإعلام المسيحي في القدس التابع لرهبان الفرنسيسكان حيث تمّ تقديم هذه الخدمة للمؤمنين. أمّا نحن كموقع أبونا والمركز الكاثوليكي فكنّا نشاركهم البثّ أيضًا.

 

إذًا، هذا ما يشكّل رؤية جديدة تتجلّى في تعاون وسائل الإعلام في ما بينها، على الّا تكون الصّلة بينها قائمة فقط على التنافس. من المهمّ أن تتعاون قنواتنا ومواقعنا الإلكترونيّة لأنّ الهدف واحد، ففي الكثير من الأحيان نشهد تنافسًا كبيرًا بين المحطّات التلفزيونيّة المسيحيّة. بالنّسبة لي، يجب الّا يكون التنافس موجودًا لأنّ الهدف هو خدمة الإنسان في بيته وفي مكان عمله. وبالتّالي علّمتنا هذه الظّروف الّتي نمرّ بها أن نتعاون كمؤسّسات إعلاميّة في ما بيننا لخدمة الإنسان المتألّم.

 

 

أرقام وحقائق - الإعلام والكنيسة خلال زمن تفشّي فيروس كورونا

 

في هذا الإطار، عرض الأب رفعت بدر دراسة قام بها المركز الكاثوليكي للإعلام و"موقع أبونا" في شهري أيّار وحزيران 2020، تحت عنوان "الإعلام المسيحي في خدمة الإيمان أثناء أزمة كورونا"، من خلال استبيان وُجّه إلى المتابعين على مواقع التواصل الإجتماعي. إذْ، شارك فيه حوالي 5 آلاف شخص، من بينهم 65% سيّدات و35% رجال من كلّ الفئات العمريّة. ووفق نتائج الدراسة نستنتج وجود عدد ملحوظ من الشباب الّذين يتابعون المواد الدينيّة؛ وهذا يشكّل، بحسب الأب بدر، مؤشّرًا إيجابيًا أن الرسالة تصل إلى الشباب الذين لا يرضيهم شيء في غالبيّة الأوقات.

 

من نتائج الدراسة

بحسب الدراسة شكّلت مواقع التواصل الإجتماعي الوسيلة الأكثر استخدامًا في متابعة الطقوس الدينيّة (67%). علمًا أنّه، بحسب الأب رفعت بدر، فإنّ القنوات التلفزيونيّة المخصّصة بالشأن الديني غائبة في الأردن، لذا لجأ عدد كبير من المتابعين إلى مواقع التواصل الإجتماعي.

بسبب ملازمة المنازل لم يتمكّن النّاس من زيارة الأقارب ومتابعة البرامج الدينيّة معهم. لذا كانت المتابعة جماعيّة بين أفراد العائلة (68%)، لاسيّما وأنّ خدمة اليوتيوب الّتي كانت تبثّ عبرها الصّلوات متوفّرة، وفق الأب بدر، على شاشات التلفزة في الكثير من المنازل. وبالتّالي أزمة كورونا وبثّ الصّلوات عبر وسائل الإعلام قد وحّدت أيضًا العائلة. كما أشار بدر إلى إحدى المقولات "الأسرة الّتي تصلّي متّحدة تعيش متّحدة"، وأضاف "تنعكس الصّلوات المشتركة في هذا الزمن على حياة الناس بمزيد من المحبّة والألفة داخل البيوت".

بحسب الأب رفعت بدر كان من المهمّ جدًّا ترسيخ الإيمان المسيحي، فالمشاركة في الصّلوات والرتب الإلهيّة عبر وسائل الإعلام لم تكن بمثابة مشاهدة فيلم ما. كما أفاد أنّهم قاموا بنشر نصوص هذه الطقوس كي يحصل عليها المؤمنين خلال متابعتهم الرتب الإلهيّة.

نلاحظ أنّ الوسائل الإعلاميّة كانت وما زالت تقدّم موادّ مختلفة كي يحافظ المؤمن على علاقته مع الله، كبثّ الصّلوات والقداديس، والأفلام الوثائقيّة، والترانيم...

قدّم المركز الكاثوليكي للإعلام و"موقع أبونا" برامج تثقيفيّة عدّة، لاسيّما قبل بداية الأسبوع المقدّس، كي يتمكّن المؤمنون من التحضير لهذه المرحلة المهمّة وعيش عمقها الروحي.