موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
استراحة من العمل لاستعادة قوتك البدنيّة، وفرصة للسفر والتأمل في جمال الطبيعة، ووقت للقراءة وبناء صداقات جديدة أو للتأمل والصلاة. هذه بعض الجوانب التي شدّد عليها البابوات السابقون عند التفكير في أهميّة فترات العطلة.
هذا الصيف، وهو الأوّل بعد انتخابه، سيأخذ البابا لاون الرابع عشر أيضًا بعض الوقت للراحة، حيث يزور من 6 إلى 20 تموز، ثم لبضعة أيام أخرى في آب، الفيلات البابويّة في كاستل غاندولفو، وهي بلدة تبعد حوالي 25 كيلومترًا عن العاصمة الإيطاليّة روما.
يُطرح سؤالٌ هامٌّ في العديد من التأملات البابويّة حول كيفية استغلال أوقات فراغنا على النحو الأمثل، لما للعطلات من دورٍ بالغ الأهميّة في حياة الإنسان. ويُشدّد البابوات على أنه لا ينبغي اعتبار هذه الفترة مجرد وقتٍ للكسل. على سبيل المثال، يُمكن أن تكون العطلات فرصةً للتوقف والتأمل في جمال الطبيعة أو "كتاب الله"، كما وصفه البابا بولس السادس.
وأشار إلى أنه خلال العطلات، يُمكننا إعادة اكتشاف الخليقة "المفتوحة دائمًا، والمتجدّدة دائمًا، والجميلة دائمًا". فالطبيعة، بفضائها وغلافها الجوي وحيواناتها وأشياءها؛ بحرها وجبالها وسهولها، وسماءها بفجرها وظهرها وغروبها، وخاصةً لياليها المرصعة بالنجوم، "عميقةٌ وساحرةٌ دائمًا".
بالنسبة للبابوات، تُعدّ العطلات وقتًا للراحة والاسترخاء، ولكنها أيضًا للتأمل والتوجّه إلى الله.
العطلات أيضًا وقتٌ مُثمر، إذ يُمكن لوقف روتين العمل المُعتاد أن يُعزّز الصمت الداخلي والتأمل. خلال صلاة التبشير الملائكي في 5 آب 1973، أوضح البابا بولس السادس كيف ينبغي أن تكون فترة الراحة هذه: "فلنحرص على ألا يُقضى هذا الوقت الحر، الذي نُسميه عطلة، بالكامل في التبذير أو الأنانية. الاسترخاء، والتجدّد، والترفيه، نعم، ولكن بذكاء ويقظة."
اقترح البابا، على سبيل المثال، مُتابعة "القراءات الجادة" التي ربما تكون قد أُجّلت خلال العام، أو المشاركة في "رحلات" لاكتشاف "الكنوز الجميلة" للتاريخ والفن. كما أكد على أن "العطلات وقتٌ مُميزٌ لتكوين الصداقات الجيّدة، وللتعرّف على الأماكن والعادات واحتياجات الأشخاص الذين لا نلتقي بهم عادةً، وللتعرّف على أشخاص جدد جديرين بمحادثتنا".
العطلات فرصة لعيش لحظات من الهدوء. وقد شدّد البابا يوحنا بولس الثاني، الذي كان يعشق قضاء فترات الراحة في الجبال، على أن تجديد الذات يتطلّب من الإنسان الانسجام ومتعة اللقاء بالآخرين.
قال القديس يوحنا بولس الثاني خلال صلاة التبشير الملائكي في 6 تموز 1997: "لكي تكون العطلة كذلك حقًا وتجلب الترفيه الحقيقي، يجب على الإنسان فيها استعادة توازنه مع نفسه ومع الآخرين ومع الطبيعة". وأضاف أن "هذا الانسجام الداخلي والخارجي هو ما ينعش العقل وينعش الجسد والروح".
وبالنسبة للبابا يوحنا بولس الثاني، فإن "إحدى قيم العطلة" هي لقاء الآخرين وقضاء الوقت "بطريقة غير أنانيّة، من أجل متعة الصداقة ومشاركة لحظات هادئة معًا".
ومحذرًا من "العقل البشري وتأثيرات المجتمع الاستهلاكي"، فقد اقترح قضاء "عطلات صحيّة"، وخاصة للشباب. عطلات "توفر ملاذًا صحيًّا، وتتجنب الإساءة الضارة بصحتك وصحة الآخرين"، لتجنب "إهدار" الوقت والموارد. وشدّد على أن "الابتعاد يمكن أن يكون مفيدًا، طالما لا يتجنب المرء المعايير الأخلاقيّة السليمة، بل يتجنب ببساطة الاحترام الضروري لصحته".
يرى البابا بندكتس السادس عشر أن الانغماس في الطبيعة أمرٌ بالغ الأهميّة، لا سيما "لسكان المدن حيث لا يترك إيقاع الحياة المُتسارع في كثير من الأحيان مجالًا للصمت والتأمل".
وخلال صلاة التبشير الملائكي في 17 تموز 2005، في ليه كومب، بجبال وادي أوستا شمال إيطاليا، شدّد على ضرورة "الحاجة إلى التجديد الجسدي والنفسي" من خلال "التواصل المُريح مع الطبيعة". وأضاف: "علاوة على ذلك، تُعدّ العطلات أيامًا تُتيح لنا مزيدًا من الوقت للصلاة والقراءة والتأمل في المعنى العميق للحياة في جوٍ من السلام مع عائلاتنا وأحبائنا".
فبالنظر إلى "مناظر الطبيعة الآسرة، ذلك الكتاب البديع في متناول الجميع، كبارًا وصغارًا"، يستطيع الناس "إعادة اكتشاف بُعدهم الحقيقي"، و"يدركون أنهم مخلوقات، لكنهم في الوقت نفسه فريدون، "قادرون بالله"، لأنّهم منفتحون داخليًا على اللانهائي"، أوضح البابا بندكتوس السادس عشر.
في صلاة التبشير الملائكي في 6 آب 2017، أكد البابا فرنسيس أن العطلات يمكن أن تكون أيضًا وقتًا مناسبًا لتعميق المسيرة الروحيّة، حتى أثناء السفر بين الوجهات السياحيّة. وأكد أن "عطلة الصيف تشكّل فرصة إلهيّة لتنمية التزامنا بالبحث عن الرّب واللقاء به"، ففي "فترة الراحة والبُعد عن الانشغالات اليوميّة، يُمكننا تعزيز طاقات الجسد والروح".
وشجّع المؤمنين على أن يعهدوا بعطلاتهم إلى العذراء مريم، لتساعدهم على "التناغم مع كلمة الله، لدرجة أن يصبح المسيح نور حياتنا كلّها ومرشدها". وحثّ الجميع بشكل خاص على أن يعهدوا إليها "بصيف الذين لا يستطيعون الذهاب في عطلة لأنّ عمرهم لا يسمح لهم، أو لأسباب صحيّة أو مهنيّة، أو لعقبات ماديّة أو مشاكل أخرى، كي يكون وقتًا للاسترخاء، يفرحه حضور الأصدقاء ولحظات سعيدة".