موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
ترأس البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، مساء السبت، 18 آذار 2023 القداس الاحتفالي في كاتدرائية البشارة في مدينة الناصرة، بمناسبة عشية عيد القديس يوسف والعيد التسعين للبطريرك ميشيل صبّاح، بطريرك اللاتين السابق، حيث رفعت صلاة الشكر للرّب القدير على إرث البطريرك صبّاح من أجل كنيسة الأرض المقدّسة.
وإلى جانب البطريرك صبّاح، شارك في القداس النائب البطريركي للاتين في الناصرة المطران رفيق نهرا، والنائب البطريركي للموارنة في الأرض المقدّسة المطران موسى الحاج، والمطران بولس ماركوتسو، ونائب حارس الأراضي المقدسة الأب إبراهيم فلتس الفرنسيسكاني، ولفيف الأساقفة والكهنة من مختلف الكنائس، والرهبان والراهبات، وممثلين عن السلطات المدنيّة، وعائلة المطران صبّاح، وحشد من المؤمنين.
وبعد إعلان الإنجيل المقدّس، ألقى البطريرك بيتسابالا كلمة تطرّق فيها إلى ثلاث صفات للبطريرك صبّاح تحلّى بها خلال فترة رسالته كبطريرك للمدينة المقدسة (11 تشرين الثاني 1987 - 21 حزيران 2008)، وهي: الحفاظ على الهويّة الكهنوتيّة، والراعي، والراعي المُحب لشعبه.
وقال: إنّ البطريرك صبّاح حافظ على هويته الكهنوتيّة حتّى عندما أصبح أسقفًا وبطريركًا، فعندما كان شابًا قرّر أن يكرّس حياته إلى يسوع المسيح بالرغم من الصعوبات السياسيّة التي كانت محيطة بهذا القرار، فكان عليه الانفصال عن مسقط رأسه مدينة الناصرة والعيش في الإكليريكيّة البطريركيّة في بيت جالا. وعلى مدار حياته كلّها، بقي محافظًا على هويته الكهنوتية، والتي تعني الصلاة وممارسة الأسرار المقدسّة وخدمة الناس، وباتصالٍ دائم مع كلمة الرّب الحيّة والإيمان.
وفي النقطة الثانيّة، أشار البطريرك بيتسابالا إلى أنّ سلفه البطريرك صبّاح قد أصبح بطريركًا في فترة هامة ومفصليّة في تاريخ البطريركيّة اللاتينيّة والكنيسة المحليّة في الأرض المقدّسة، فكان أول بطريرك عربي فلسطيني، وكان على عاتقه أن يُهيء الكنيسة لمرور الألفيّة الجديدة (يوبيل العام 2000) من خلال الاهتمام بسير العديد من الشؤون الراعويّة كالمدارس وافتتاح رعايا جديدة خاصة في الأردن. أمّا الأمر الأساسي فكان تنظيم السينودس الأبرشيّ (1995-2000) الذي كان نقطة تحوّل في تاريخ الكنيسة المحليّة وعلاقة الكنائس فيما بينها، وهذا دليل على وجود راعٍ في الكنيسة.
وأوضح بأنّ هذا الراعي كان راعيًا مُحبًّا لشعبه، وأصبح صوتًا للشعب. فخلال سنوات الانتفاضة الأولى والانتفاضة الثانيّة، ناهيك عن الصعوبات السياسيّة والاجتماعيّة المضطربة، كان البطريرك صبّاح صوتًا ليس فقط للمسيحيين الفلسطينيين، إنما لكلّ الشعب الفلسطيني. وهذا لم يكن بالأمر السهل، إنما يتطلب أن يكون هنالك اتصال مع الناس شجاعة كبيرة لكي يبقى أمينًا لصوت الشعب. واستذكر البطريرك بيتسابالا العظات ليلة الميلاد في بيت لحم، فقبل البطريرك صبّاح لم يكن هنالك عظة، ومعه أصبحت العظة نقطة ارتكاز تستقطب آذان العالم كلّه لمعرفة أوضاع الأرض المقدّسة.
وخلص البطريرك بيتسابالا في كلمته، مخاطبًا البطريرك صبّاح، إلى القول: نستطيع أن نقول أنّك كنت راعيًا صالحًا لهذا الشعب، فرغم أنّ المشاكل السياسيّة لم تحلّ، وهذا بالطبع ليس وظيفة الكنيسة، إلا أنّ الكنيسة كان لها صوت يعبّر عن الحقيقة ويبث الرجاء والوحدة في القلوب. شكرًا لك أيها البطريرك صبّاح على قيادتك ورعايتك لكنيسة القدس، وستبقى مرجعيّة للكنيسة ولكثير من الناس هنا في الأرض المقدّسة. فباسم البطريركيّة اللاتينيّة والكنائس الكاثوليكيّة نهديك صلاتنا، وحتّى لو لم يعد بصرك قويًا، أو حركتك لم تعد كافية، فإن بصيرتك باقيّة، مرشدة وموجهة كنيسة القدس كلّها.
وقبل منح البركة الختاميّة، ألقى البطريرك صبّاح كلمة شكر في بدايتها جميع المشاركين في هذا القداس، من غبطة البطريرك بيتسابالا، إلى الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات، والشخصيات المدنيّة والمؤمنين، على حضورهم وصلاتهم في هذا المساء.
وقال: "إنّ صلاتي وكلمتي لكم هي: كونوا مسيحيين. ماذا يعني؟ يعني أن تعرفوا يسوع المسيح فتقرؤوا وتتأملوا في إنجيله المقدّس، وثانيًا أن تحبوا كما أحبّ هو. في الرعيّة، كونوا رعيّة متحابة، عائلة واحدة، قلبًا واحدًا، ونفسًا واحدة. لا أحد بينكم محتاج، لا في الروح، ولا في الجسد. رعيّة وعائلة واحدة، عائلة الله".
أضاف: "وفي المدينة كونوا مسيحيين. أعني أحبوا كما يحبّ يسوع المسيح. المحبّة المسيحيّة محبّة لكل الناس. هي إرادة الخير لكلّ الناس، وأيضًا منع الشرّ عن كلّ الناس، حتّى في بعض الظروف الدقيقة أو السياسيّة. محبّة المسيحي شاملة مثل محبّة الله لكلّ خلقه، هي محبّة كل مسيحيّ في كل كنائسه، هي محبّة المسلم واليهودي والدرزي، وكلّ من وضعه الله في حياتنا. نحن المسيحيين في مختلف كنائسنا بحاجة إلى مزيد من المحبّة فيما بيننا. والناصرة بحاجة إلى مزيد من المحبّة حتى تخلّص نفسها من الفتن ومن الشرور التي تحوم في أجوائها.
تابع: "والبلد كلّه بحاجة إلى المحبّة. لو عرف حُكّام هذا البلد ما هي المحبّة؟ أحبوا، للمسيحي أقول ذلك، وللمسلم ولليهودي والدرزي، ولحُكّام هذا البلد. وأسأل الله أن يُرسل في هذا البلد، ولاسيّما في حُكّامه، قلوبًا جديدة وعقولاً جديدة ورؤىً جديدة ترى الله والإنسان، فترى السلام الضائع، فيعرفون أن الأمان لا يوجد إلا في قلوب الناس، لا في مقاتلتهم".
وخلص البطريرك صبّاح كلمته إلى القول: "لنصلِّ من أجل أن نكون مسيحيين مئة بالمئة، نعرف أن نحبّ أنفسنا ونحبّ جميع الناس. ولنصلّ من أجل السلام. أسأل الله أن يمنحنا ذلك بشفاعة القديس يوسف، وأن يبارككم جميعًا ويثبتكم في محبته. آمين".
وألقى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينيّة، رئيس اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين الدكتور رمزي خوري، رسالة التهنئة التي وجهها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى البطريرك صبّاح بمناسبة عيد ميلاده التسعين.
وقال الرئيس محمود عباس في رسالته المؤرخة في 15 آذار 2023: "يطيب لي وأنتم تحتفلون بعيد ميلادكم الميمون، الذي يوافق التاسع عشر من الشهر الحالي، أن أتقدّم لكم باسمى عبارات التهاني القلبيّة، متمنيًا لكم الصحة والسعادة".
تابع: "أغتنم هذه المناسبة الطيبة، لأشيد بمسيرة عطائكم الوطنيّة التي لا تنضب، طيلة عقود حياتكم دفاعًا عن الوطن والشعب، من منطلق إيمانكم ورسالتكم الروحيّة، وحبكم لفلسطين، وكنتم أول بطريرك عربي وفلسطيني للقدس، وسيبقى عملكم إرثًا تتوارثه الأجيال، بل وكل أبناء شعبنا الفلسطيني، بمسلميه ومسيحيه، الذين يفتخرون بكم، ويتمنون لكم العمر المديد".
وخلص إلى القول: "أسأل الله تعالى أن ينعم عليكم بالعافية والتوفيق، وكل عام وأنتم بخير".
وقدّم الدكتور رمزي خوري إلى البطريرك صبّاح هدية تذكارية باسم اللجنة الرئاسيّة العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين. كما قدّم الأب إبراهيم فلتس درعًا صدفيًا باسم حراسة الأراضي المقدّسة والرهبان الفرنسيسكان.