موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٣ مارس / آذار ٢٠٢٣
كاثوليك يجاهرون بإيمانهم في كوسوفو

أ ف ب :

 

في كنيسة براقة تطل على وادٍ خلاب على مد البصر، يروي ألباني من كوسوفو كيف جاهرت عائلته بإيمانها الكاثوليكي، بعدما حافظ عليه لقرون سرّا أسلافها الذين أسلموا في عهد العثمانيّين.

 

خرج عصمت سوبي من الظل ليعلن إيمانه في 2008، سنة إعلان كوسوفو استقلالها عن بلغراد، بعد عقد على حرب دامية بين المتمردين الألبان والقوات الصربية.

 

يقول الصحافي المتقاعد البالغ اليوم 65 عاما لوكالة فرانس برس "إننا سعداء جدا، كأنّنا سددنا دينا متوجبا علينا تجاه أجدادنا الذين لم يحالفهم الحظ مثلنا باختيار إيمانهم بحرية".

 

يروي أنّه تعمّد في كانون الأول 2008 وكان ضمن مجموعة من 36 شخصا من أفراد عائلته. ويقول "كنا نعيش حتى ذلك الحين مثل كاثوليك سريّين، كنّا مسلمين في النهار ومسيحيين في الليل".

 

وتم تدشين كنيسة القديس ابراهيم في 2016 في لابوشنيك بوسط كوسوفو، وشيّدت على أرض منحتها السلطات المحلية بفضل تمويل من مجموعة الكاثوليك ولا سيما في المهجر.

 

وتشرف الكنيسة على وادي درينيكا، وهي منطقة تشهد فيها قبور الكثير من المقاتلين الانفصاليين على ضراوة المعارك ضد القوات الصربيّة التي أرسلتها بلغراد في أواخر تسعينات القرن الفائت.

 

وتسبب النزاع بسقوط 13 ألف قتيل معظمهم من ألبان كوسوفو، ولم ينته إلا بحملة قصف جوي نفذها الحلف الأطلسي.

 

 

"متعددو الألوان"

 

في السنوات الأخيرة، جاهر العديد من "المتعددي الألوان" بحسب التسمية الألبانيّة لهم (لارامان) بإيمانهم الكاثوليكي. وبحسب عصمت سوبي، تعمّد 120 من سكان المنطقة في كنيسة القديس إبراهيم في 2021 و2022.

 

ومن المستحيل معرفة عدد الذين أعلنوا إيمانهم الكاثوليكي بصورة دقيقة، لكن شان زيفي النائب العام لأبرشيّة بريزرن بريشتينا قدر أن الكاثوليك يمثلون ما بين 2 و3% من سكان كوسوفو البالغ عددهم 1,8 مليون نسمة بينهم 90% من المسلمين الذين يعتنقون عقيدة ليبراليّة.

 

بعدما احتل العثمانيون البلقان في القرن الرابع عشر، أسلموا سكان المنطقة مدى خمسة قرون. يروي شان زيفي (63 عاما) الذي ألف كتبا حول "اللارامان"، أن العديد من المسيحيين الذين لم يفروا اعتنقوا الإسلام لتفادي الضغوط. فكان العثمانيون يفرضون ضريبة باهظة على المسيحيين فيما كان الذين يعتنقون الإسلامي يحصلون على مكاسب اجتماعية. وتم تحويل العديد من الأديرة والكنائس إلى مساجد.

 

وفيما عمد عدد من معتنقي الإسلام إلى تبديل أسمائهم واتّباع شعائر دينهم الجديد، بقيت بعض العائلات وفية سرا لإيمانها الكاثوليكي الذي تناقلته من جيل إلى جيل، وكانت تصلّي سرّا في منازلها.

 

وفي كاتدرائية سيدة المعونات في بريزرن، المهد التاريخي للكاثوليكية في كوسوفو، يرى شان زيفي أن هذا التوجه إلى إعلان الإيمان الكاثوليكي لا رجعة فيه. وقال "أعتقد أن الألبان سيتجرّأون على الخروج من السرية ليعلنوا حريّة الانتماء إلى إيمان ما".

 

ويعتبر أن الألبان هم في مطلق الأحوال قريبون من الغرب المسيحي. ويقول "الالبان يكتشفون ببطء هويتهم الحقيقيّة، لأنهم لطالما كانوا غربيين في خلاياهم".

 

 

الأمة قبل أي شيء

 

يوضح المحلل ليكي موسولي مدير إذاعة ألبا أن "كوسوفو يمكن أن تكون نموذجا، لأن مواطنيها يثبتون أن التعايش السلمي بين ديانتين ممكن في عالم اليوم".

 

وتعرب منظمة مسلمي كوسوفو عن ارتياحها لهذه الظاهرة، في حين تعاقب دول مسلمة أخرى محافظة الردّة بأحكام قاسية تصل إلى الإعدام. وأكدت الهيئة لوكالة فرانس برس "يجب ألّا يكون الدين والإيمان مسيّسين أو أن يتسببا بشقاق".

 

وعلى غرار الكاثوليك، يعتبر المسلمون العلاقات بين الديانتين جيدة. وتؤكد السلطات الإسلامية "ليس هناك أي موضع خلاف بيننا، بل على العكس، لدينا مشكلات وتحديات ومشاريع مشتركة".

 

وفي المجتمع الألباني علماني بغالبيته، تعتبر مسألة الانتماء الوطني بأهمية الانتماء الديني إن لم تكن أهمّ.

 

ومن الأقوال المأثورة في البلد أن "ديانة الألبان هي الألبانيّة".

 

وفي لابوشنيك، يرفع برج جرس كنيسة القديس إبراهيم شعار الفاتيكان إنما كذلك النسر برأسين الذي يتوسط العلم الألباني.

 

يقول عصمت سوبي "اتّهمنا البعض بالتخلي عن جنسيتنا عندما اعتنقنا الإسلام، أردنا أن نثبت لهم أن لا شيء تغير، وأننا كنا نحتفظ بهويتنا الوطنية".