موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١٩ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢١
قصة يوسف وإخوته: قصة فريدة عن دور العناية الإلهية الخفيّ

الكاردينال لويس روفائيل ساكو، البطريرك الكلداني :

 

لقصة يوسف وإخوته (سِفر التكوين فصول 37-47) قيمة تاريخية ورمزية وروحية غنيّة. قصة مُشوِّقة، تَسرد سلسلة جديدة من نزاعات عائلية وانشقاقات وعنف بين الإخوة مثل قايين وهابيل، يعقوب وعيسو، لكن في قصة يوسف تتدخّل العناية الالهية لتَجمع العائلة الكبيرة حول يوسف.

 

 

العلاقة بين أفراد العائلة

 

أحلام وأوهام واُمنيات، حَسَد وأكاذيب سهلة، أحاسيس وعقد مبنية على اُسس خاطئة، ونظرة قصيرة تبرزها قصة يوسف وإخوته. يوسف الابن المدلَّل ليعقوب أثار غضب إخوته بسبب إدِّعائه بأنه سيفوقهم سلطانًا ومجدًا، مُستندًا إلى أحلامه، من دون أن ينظر إلى العواقب المترتبة على ذلك: "وكانَ إِسْرائيلُ [يعقوب] يُحِبُّ يوسفَ ويفضِّله على جَميعِ بَنيه لأَنَّه اَبنُ شَيخوخَتِه، فصَنعَ له قَميصاً مُوشّىً ورأى إِخوَتُه أَنَّ أَباهُ يُميّزهُ عنهم جميعًا، فأَبغَضوه ولم يَستَطيعوا أَن يُكلِّموه بِمَوَدَّة، ورأَى يوسفُ حُلْماً فأَخبَرَ بِه إِخْوَتَه، فاَزدادوا بُغْضًا لَه…" (تكوين37/ 3-5).

 

يُعَدُّ الحلم في الكتاب المقدس وسيلة لإبلاغ الرسائل. هذا ما نراه في العهد الجديد أيضًا مع يوسف (متى 1/ 20-25 و2/ 13-15).

 

 

يعود العنف بين الإخوة

 

يذكر سِفر التكوين الجريمة المأسوية الاولى بين الأخوين قايين وهابيل (تكوين 4/ 8) مظهرًا بألم أن الإنسان أسوأ من الحيوان حين يتخلى عن إنسانيته بسهولة، وأن كلما ازداد شرَّه نقصت سعادته. هذا ما يوضحه الكتاب المقدس عندما لا يتمكن الإنسان من كبح غرائزه.

 

هكذا انقلب تكبُّر يوسف على إخوته انكسارًا وسوءًا، تمامًا كما حصل لأبيه يعقوب. حَسَد إخوته وحقدهم دفعهم لينتقموا منه، وما القميص الملطخ بالدم الذي جاؤا به إلى يعقوب أبيهم سوى رمزٍ للعنف بين الإخوة على مثال قايين وهابيل. تُرى ماذا يفصلهم عن شريعة الغاب؟

 

الإخوة ينتقمون منه ويرمونه في بئرٍ خالٍ من المياه، ثم يبيعونه كعبدٍ للإسماعيليين (تكوين 37/ 18-28). يسجن في مصر، ولكن تفسيره "المتفائل" لأحلام فرعون (تكوين 41/ 17-41) يجعل "العبد" سيدًا ووزيرًا، وفي النهاية منقذًا لإخوته. هكذا تحقق الحلم.

 

 

يوسف يغفر ولا ينتقم

 

ضربت المجاعة أرض كنعان، ودفعت إخوة يوسف للرحيل الى مصر واللجوء اليها.

 

هناك يقابلون الوزير من دون ان يعرفوه، ويلتمسون منه العون. وكانت المفاجأة الصادمة أن يكشف الوزير عن نفسه: "أَنا يوسفُ أَخوكمُ الَّذي بِعتُموه لِلمِصرِيِّين. والآن فلا تَكتَئِبوا ولا تَغضَبوا لأَنَّكم بعتُموني هُنا، فإِنَّ الله قد أَرسَلَني أَمامَكم لأُحيِيَكم" (تكوين 45/ 4-5)، فيسجد له الإخوة وتتم المصالحة وإستعادة الرباط مع العائلة، ويقود الإنفراج الى اللقاء بأبيه.

 

حوله اجتمعت العائلة (القبيلة) واستقرّت في مصر.

 

 

عمل الله الخفي

 

اختار الله يوسف الأصغر بالرغم من أخطائه، لأن الله "يَنظُرُ إلى القَلب" (1 صموئيل 16/ 7) ليس الى المظاهر كما يفعل الإنسان. يوسف الذي باعه اخوته الى مصريين ثم راح ينتقل من مكان الى مكان الى أن انتهى به الأمر الى قصر فرعون، ومجاعة إخوته ولجوئهم الى مصر ولقائهم به بشكلٍ غير متوقَّع يعبِّر بقوَّة عن عناية الله الخفيّة في قيادة أحداث حياة البشر.

 

جاء في خطاب اسطيفانوس: "وكان الله معه، فانقذه من جميعِ شدائدهِ" (أعمال الرسل 7/ 10).

 

يقول القديس البابا يوحنا بولس الثاني: "في مخطط الله لا شيء يحدث بالصدفة".

 

 

بعض التشابه بين يوسف ويسوع

 

يوسف باعه اخوته، ويسوع باعه تلميذه يهوذا بمبلغ من المال. يوسف أنقذ إخوته من خطر المجاعة والموت، ويسوع خلَّصنا بموته وغذّانا بجسده ودمه (الافخارستيا)، يوسف كان أمينًا لعائلته ويسوع كان أمينًا لرسالته حتى الموت. يوسف غَفَر لإخوته، ويسوع لصالبيه.

 

 

التعليم

 

علينا أن نفكر في قصة يوسف الغنيّة، ونتعلّم منها ونتغيَّر ونغيّر مَن حولَنا.

 

تحمل القصة أفكارًا إنسانية ولاهوتية متنوعة: دور العناية الإلهيّة لتحوّل الإخفاق إلى نجاح، إنضاج يوسف وحكمته في سلوكه وإدارته وإختياراته، وتمسُّكه بإيمان آبائه وهويّته وأمانته وصموده أمام الإغراءت كإغراء إمرأة فوطيفار (تكوين فصل 39).

 

تكفي يوسف إشادة سفر المكابيين الأول: "ويوسف في أوانِ محنتِهِ حَفِظَ الوصيةَ فصارَ سيّدًا على مِصر" (2/ 53).

 

إننا نجد في قلب المعاناة رجاءً بمستقبلٍ سعيد، إذا عرفنا أن نستفيد منها.