موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
احتفلت رعية العذراء الناصرية للاتين في منطقة الصويفية، بالعاصمة عمّان، بمنح عدد من أبنائها وبناتها المناولة الأولى والتثبيت، الذين قاموا بتحضيرهم الراهبات الفرنسيسكانيات وعدد من سيدات الرعية، وذلك خلال القداس الذي ترأسه المطران مارون لحّام، النائب البطريركي للاتين في الأردن، بمشاركة الأب أنطون هريمات، كاهن الرعية، والأب علاء مشربش، والشماس الإنجيلي الدائم هايل علمات، وحضور حشد من المؤمنين.
وفيما يلي النص الكامل لعظة المطران لحّام:
حضرات الآباء المحترمين، الأخوات الراهبات الفاضلات، أيها الإخوة والأخوات الأحباء،
نحتفل اليوم بمنح سرّي المناولة الأولى والتثبيت إلى كوكبة جديدة من أبنائنا وبناتنا. أريد أن أتكلم اليوم عن الأسرار، عن الأسرار السبعة بنوع عام، ومن ثم أريد أن أركّز على سري المناولة والتثبيت. ما هي الأسرار ولماذا وضع الله الأسرار؟ يمكن أن نقول أن الأسرار هي يد الله الممتدّة إلى البشر. الله تعالى أب، وأب محب ومحب للبشر كما تقول الصلوات. والأب الحنون يأخذ بيد ابنه ليساعده في أول خطواته، ولاسيما في الأوقات الصعبة. هذا هو الله وهذه هي الأسرار. الأسرار السبعة هي يد الله الممتدة إلينا عند كل منعطف مهم في حياتنا. في الولادة، سر المعمودية، في سن الرشد سر الإعتراف والمناولة، في سر الشباب والمراهقة، سر التثبيت، في سن البلوغ سر الكهنوت أو سر الزواج، وفي المرض وفي نهاية الحياة سر مسحة المرضى. وهكذا، إن كانت نعمة الله ترافق الإنسان دومًا، فإن هذه النعمة تزداد قوّة في المنعطفات المهمة من الحياة.
لنتكلم الآن عن سر المناولة الأولى. وهو سر يسير مع سر الإعتراف الأول. يُعطي هذه السر عندما يبلغ الإنسان سن الرشد، أي سن التمييز، والتمييز المقصود هو التمييز بين الخير والشر. الطفل الصغير بريء لا يعرف الشر ولا الخطيئة. لكن عند سن التمييز يحدث شرخ بين العقل والإرادة. بمعنى أن العقل يرى الخير لكن الإرادة يمكن أن ترفض الخير وتختار الشر. هذا هو ما ندعوه الخطيئة. هنا يأتي سر المناولة ليعطي القوة والنعمة للصغير كي يجعل إرادته تسير مع عقله، فيرفض الشر ويمل إلى الخير ويعمله. طبعًا، هذا الصراع بين الخير والشر أمرٌ يستمرّ طول العمر، وهو أمر نعلمُه من خبرتنا الشخصية نحن الكبار، لهذا السبب، التقرّب من سر المناولة يجب أن يكون متواترًا، يعني أنها المناولة الأولى لكنها ليست المناولة الأخيرة. فالصغير والكبير يحتاج بشكل دائم إلى نعمة الله كي يحارب تجارب الشيطان، ويختار الخير ويرفض الشر. ولأن الإنسان، الكبير والصغير، يقع بسهولة في تجارب الشيطان، يسير سر المناولة جنبًا إلى جنب مع سر الإعتراف الذي يمحي الخطيئة ويعيد علاقة المحبة بيننا وبين الله تعالى إلى ما كانت عليه.
وبعد سر الإعتراف والمناولة يأتي سر التثبيت. وسر التثبيت يُعطى في منعطف آخر من حياة الإنسان المسيحي، وهو منعطف المرور إلى عمر الشباب والمراهقة، بكل ما فيه من صعوبات وتجارب وتحولات جسمية وأدبية وروحية واجتماعية ترافق هذه المرحلة. هنا يحتاج الشاب المسيحي إلى تثبيت إيمانه وسط هذه العاصفة من التغيرات. من هنا يدعي هذا السر سر التثبيت. التثبيت أي التقوية، التدعيم. التثبيت في الإيمان، التثبيت في الصلاة، التثبيت في الحياة المسيحية، التثبيت في ممارسة الفضائل المسيحية.
وهكذا يُصبح الإنسان المسيحي القوي بنعمة سر المعمودية ونعمة سر المناولة ونعمة سر الإعتراف ونعمة سر التثبيت مسيحيًّا قويًّا، يفتخر بإيمانه ويدافع عنه ويبني حياته على صخرة الإيمان. والبيت المبني على الصخر لا يسقط إذا هبت الرياح والعواصف.
أيها الإخوة والأخوات، ما قلناه جميل ومهم. لكننا لا نريد أن نفكّر أن هذا الكلام موجّه فقط إلى أبنائنا وبناتنا الذين ينالون اليوم سري المناولة والتثبيت. هذا الكلام ينطبق علينا نحن البالغين قبل ان ينطبق على أولادنا. فما يتعرض له أولادنا تعرّضنا له نحن أيضًا وما زلنا نتعرّض، وتجارب اللعين ومحاولاتُه إبعادَنا عن الله ترافقنا كل يوم وحتى آخر رمق من حياتنا. من هنا مسئوليتنا مضاعفة. مسؤولية تجاه أنفسنا أوّلا، كي نلتجيء دوما إلى نعمة الله لنقاوم تجارب الشيطان في حياتنا نحن، ومسئولية ثانيًا تجاه أولادنا من خلال إعطائهم المثل الصالح الذي هو أهم من جميع الخطابات والنصائح الدروس. مثل صالح في الحياة المسيحية في البيت، مثل صالح في الصلاة في البيت وفي الكنيسة، مثل صالح في التعامل السليم مع الآخرين، مثل صالح في جميع مرافق الحياة. هذه هي صفات البيت المسيحي الحقيقي، البيت الذي يعيش في محبة الله ومخافته.
مجدّدًا، مبروك لأولادنا وبناتنا قبولُهم سر المناولة الأولى وسر التثبيت، مبروك لأهلهم وأشابينهم، مبروك لكاهن الرعية وللراهبات ولجميع الذين سهروا على تنشئتهم، مبروك للرعية. وكل مناولة وتثبيت وأنتم بخير.