موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٧ ابريل / نيسان ٢٠٢١
رعية اللاتين في أريحا: مثال للأخوّة
قبل الإفطار بقليل، اعتاد الأب ماريو حدشيتي توزيع الماء والتمر على المارّة (تصوير: نديم عصفور)

قبل الإفطار بقليل، اعتاد الأب ماريو حدشيتي توزيع الماء والتمر على المارّة (تصوير: نديم عصفور)

حراسة الأراضي المقدسة :

 

منذ أول أيام رمضان من كل عام، يراه أهل المدينة واقفًا امام مباني رعية دير اللاتين في بلدة أريحا، مرتديًا لباسه الفرنسيسكاني: إنّه الأب ماريو حدشيتي، كاهن رعية كنيسة الراعي الصالح للاتين في أريحا، ومدير مدرسة ترسنطا هناك أيضًا.

 

وقبل الإفطار بقليل اعتاد الأب ماريو توزيع الماء والتمر على المارّة. وبالنسبة لمن يعودون إلى بيوتهم سواء بسرعة أو متأخرين، فإن كأس الماء وحبة التمر هي وسائل ناجعة لقطع ساعات الصوم الطويلة والمتعبة، التي يمتنع خلالها المسلمون عن الأكل والشرب. وقد أوضح الأب ماريو قائلاً: "أعتقد بأن تجسد يسوع يدعونا نحن أيضًا إلى تجسيد محبتنا نحو الآخرين. وبهذه اللفتة البسيطة، نود كمسيحيين التأكيد على كوننا رجال سلام، نحب الجميع دون تمييز". ويرى هذا الراهب الفرنسيسكاني التابع لحراسة الأراضي المقدسة، بأن لمسة كهذه "تذيب الجليد" وتتيح التقرب من المسلمين في زمن الصلاة والصوم هذا.

 

تابع الأب ماريو قائلاً: "أعرف أنا أيضًا ما هي تضحيات الصوم وفوائده. من يصلي ويصوم، إنما يفعل ذلك لله، وإنني لأود توجيه الشكر لجميع مَن يكرسون هذا الزمن لله. إن رسالة البابا "كلنا إخوة"، إنما منحتني شجاعة، ونحن نود تجسيد رسالة الأب الأقدس. ليس لدينا غير إله واحد، وإننا نعيش على أرض واحدة هي "بيت كبير" يتسع للجميع. نريد أن نطبّق على أرض الواقع وفي الحياة اليومية، ما يقوله لنا البابا فرنسيس".

 

ويرغب الأب ماريو أيضًا أن يُظهر المسيحيون في كل مكان مثل علامات التقارب هذه، نحو المسلمين خلال شهر رمضان: "نكرر هنا في أريحا هذه اللمسة كل عام ونود لو تعلم أيضاً غيرنا ذلك منا ومن أريحا، أقدم مدن العالم. قامت بلدان أخرى عديدة بالاقتداء بنا، لأن الحب مُعدٍ. إنها لمسة فرنسيسكانية".

 

بالنسبة للأب ماريو، فإن التعايش السلمي ما بين المسلمين والمسيحيين، إنما هو حقيقة تتجسد يومًا بعد يوم منذ وصوله إلى أريحا. وأوضح قائلاً: "إنّ مدرسة ترسنطا، التي انا مديرها، هي أكبر مدارس أريحا. ومن بين طلابها التسعمائة، هناك 39 مسيحياً فقط، إلا اننا لا نفرّق أبداً بين الطلبة. إن المدرسة هي مكان للتنشئة ونحن نسير وفقاً لتعاليم يسوع ووفقاً للتعليمات التي يجب مراعاتها في منطقتنا هذه. نحن جميعاً أبناء الله، وإنما رسالتنا هي رسالة فرنسيسكانية لخدمة الناس".

 

في أريحا أيضًا، كانت جائحة كورونا شديدة للغاية، مما استدعى المدرسة منذ شهر آب الماضي إلى التدريس أحيانًا بحضور الطلبة في مجموعات صغيرة، وأحيانًا أخرى عبر الإنترنت. وتابع الأب ماريو قائلاً: "يوجد في المدرسة يتامى وبعض العائلات التي بقيت دون عمل ولا معيشة، وبعض ممن كانوا يعيشون في الماضي من العمل في مجال السياحة ومحلات القطع التذكارية، وهم اليوم في مأزق. ورغم اننا لا نتلقى سوى جزء من تكاليف الأقساط المدرسية، إلا اننا لا نزال صامدين. بأسلوب دبلوماسي وأخوي وإنساني، نسير إلى الأمام". منذ عدة أيام فتحت المدرسة أبوابها من جديد لإعطاء بعض الدروس بحضور الطلبة حتى سن الحادية عشرة، أي من صفوف الروضة وحتى الصف السادس، بينما يتابع سائر الطلبة دروسهم عبر الانترنت.

 

يستمر الأب ماريو كل يوم في عمله الدؤوب لمساعدة المحتاجين في أريحا، خاصة من خلال توزيع الأدوية والطعام والدعم للعائلات التي تمر بالصعوبات، دون اغفال الجانب الروحي أيضاً. وإن رعية كنيسة الراعي الصالح اللاتينية إنما بمثابة مرجع للمسيحيين المحليين. ويتوجه كاهن الرعية أيضاً إلى البيوت لمناولة المرضى والمتألمين. لذلك يحييه الناس في الطريق تحية محبة وامتنان.

 

وبسبب استعداده الدائم ومثاله الأخوي، تربط الأب ماريو بإمام المسجد في أريحا، الشيخ حرب، علاقات ممتازة. وأمام كنيسة الراعي الصالح، توجد صورة للشيخ مع كاهن الرعية الأب ماريو، كُتب عليها: "الأب ماريو الحدشيتي، كاهن رعية اللاتين ومدير ثانوية ترسنطا، يهنئ جميع اخوته وأحبائه المسلمين بحلول شهر رمضان المبارك، متمنياً وداعياً أن يكون شهر خير وبركة".