موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الإثنين، ٢٤ فبراير / شباط ٢٠٢٥
رئيس جامعة بيزا: لمعارضة البحوث حول الأسلحة
والالتزام لصالح السلام

فاتيكان نيوز :

 

أجرى مدير التحرير في الدائرة الفاتيكانية للاتصالات أندريا تورنييلي مقابلة مع رئيس جامعة بيزا الإيطالية العريقة ريكاردو زوكّي الذي حلّ ضيفا على مقرّ إذاعة الفاتيكان وجريدة أوسيرفاتوري رومانو، وقد لفت إلى أن الصرح التعليمي الإيطالي قرر أن يعدل نظامه الداخلي ليشمل الالتزام لصالح السلام والاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، يهدف جعل تلك القيم الخلقية جزءًا أساسيًا من النشاط الأكاديمي والبحوث.

 

استهل السيد زوكّي حديثه لافتًا إلى أن قرار تعديل النظام الداخلي لجامعة بيزا، لم يكن وليد الصدفة، بل جاء في أعقاب مسيرة من النضوج، ساهمت في تعجيلها الأحداث المأساوية التي يشهدها العالم، لاسيما هجمات السابع من تشرين الأول 2023 وما تلاها من تطورات. وأوضح أن الجامعة نظمت مناظرات ولقاءات وتجمعات طالبية، وحاولت أن تنظم هذه المبادرات بطريقة تعبر عن مختلف وجهات النظر مع التأكيد على أهمية نبذ العنف، وصب الاهتمام على النقاشات وحسب.

 

وقد نُظمت حوارات بشأن ظاهرة معاداة السامية، تزامنًا مع التشديد على أن توجيه الانتقادات إلى السياسة التي تنتهجها الدولة الإسرائيلية لا يمت بصلة إلى معاداة السامية. وقد تمت هذه النقاشات، مضى يقول، في إطار الاحترام التام للشعب اليهودي. وتناول الطلاب والأساتذة الجامعيون أيضا مسألة مقاطعة مبادرات أكاديمية مشتركة مع جامعات إسرائيلية، وهو طلب تقدم به بعض الطلاب الإيطاليين. وأضاف أن هذه المطالب لم تلبى لأن الجامعة ينبغي أن تسعى دائماً إلى بناء الجسور لا إلى تشييد الجدران، مشيرا إلى أن مبادرات من هذا النوع تشكل فرصة لإطلاق حوارٍ مع الأطراف الأكثر انفتاحاً داخل المجتمع المدني.

 

وقال إن جامعة بيزا تبنت سياسة ترفض قبول أي مشاريع بحوث تهدف إلى تطوير الأسلحة والترسانات. وأضاف أن هذه الإجراءات تتماشى مع النظام الداخلي للصرح التعليمي الذي يلتزم بشكل واضح وصريح في عدم القيام بأي بحوث ترمي إلى تطوير الأسلحة وأدوات الحرب. وأشار إلى أن هذا القرار ينبع من مبدأ أساسي ألا وهو قيمة الكائن البشري غير القابلة للتصرف. وهي قيمة ترتكز إليها حضارتنا بكاملها. كما أن الجامعة تستند إلى مبدأ احترام قيمة العقل الموجودة في الشخص البشري. وبالتالي إن احترام العقل يتطلب حكماً احترام الإنسان، ما يعني رفض العنف بجميع أشكاله، ونبذ الحرب ورفض الإسهام في تطوير الأسلحة التي تُستخدم في الحروب.

 

ردا على سؤال بشأن ما يُعرف بالاستخدام المزدوج للتكنولوجيا، أي الاستخدام لأغراض سلمية أو حربية، قال رئيس جامعة بيزا إن هذه معضلة قديمة جداً، إذ إن السكين يمكن أن يُستخدم لتحضير الطعام، أو للاعتداء على الشخص الآخر. وضرب مثلاً يتعلق بالمسيرات، مشيرا إلى أنها تُستخدم في الحروب، كما يجري اليوم، لكن يُمكن أن يلجـأ إليها الإنسان للبحث عن الناجين من غرق مركب في البحر. وهذا المبدأ ينطبق أيضا، على سبيل المثال، في مجال البيولوجيا الجزيئية، حيث توجد تقنيات يمكن استخدامها لتطوير أدوية وعقاقير جديدة، أو لتصنيع أسلحة بيولوجية. من هذا المنطلق اعتبر أن كل حالة تحتاج إلى أن تُعالج على حدة، وهذا ما يحصل عندما تقيّم الجامعة البحوث التي تُقترح في مختلف تلك المجالات، وتقرر ما إذا كانت ستدعمها أم لا. وذكّر في هذا السياق بالدستور الإيطالي الذي يؤكد أن الجمهورية الإيطالية تنبذ الحرب كأداة للتعدي على حرية باقي الشعوب وأيضا كأداة لحل الخلافات الدولية.

 

تعليقا على ارتفاع النفقات العسكرية حول العالم قال السيد زوكّي إنها مسألة بالغة الأهمية تحتاج إلى خيار سياسي، وإلى خيار خلقي، خصوصا وأن التاريخ يعلّمنا أن الحروب تولّد حروباً أخرى. وأضاف أن الإنسانية تتباهى اليوم بأنها تعيش في حقبة من الحضارة العظيمة، لكن الواقع يبدو مختلفاً تماماً إذا ما نظرنا إلى الأعداد الهائلة للأشخاص الذين يُقتلون في الحروب والصراعات المسلحة. وذكّر بأن القرن العشرين وحده سجل ما بين مائة ومائة وخمسين مليون ضحية، وهذا العدد يضاهي أعداد الضحايا خلال كل القرون السابقة مجتمعةً. وكان القرنَ الأكثر مأساوية في تاريخ البشرية.

 

من هذا المنطلق، شدد رئيس جامعة بيزا على أن السلام بات اليوم قيمة أساسية لا غنى عنها. ولفت إلى الدور الذي يلعبه الحبر الأعظم في الدعوة دائما إلى السلام، مستذكراً الصرخة التي أطلقها البابا يوحنا بولس الثاني خلال حرب الخليج الأولى، وكان ربما الشخصية العالمية الوحيدة التي دخلت في صدام مع الرئيس الأمريكي آنذاك (جورج بوش الأب) مؤكدا أن الحرب ليست الدرب الواجب اتباعها. وبعد مرور سنوات كثيرة نرى اليوم أن تلك الحرب لم تقدم أي حل، بل على العكس، لقد ولدت سلسلة طويلة من المشاكل المتتالية، جعلت الأوضاع ربما أسوأ مما كانت عليه. وختم السيد زوكي حديثه لمدير تحرير دائرة الاتصالات أندريا تورنييلي لافتا إلى أن كثيرين نسوا اليوم المآسي التي تولدها الحروب، واعتبر أن ثمة حاجة إلى يقظة ضمير بشأن العمل في سبيل تحقيق السلام.