موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر السبت، ٢٠ مايو / أيار ٢٠٢٣
دائرة الحوار بين الأديان في خدمة الحوار المبني على الحقيقة والمحبة
نص المداخلة التي ألقاها المونسنيور د. خالد عكشة، مدير مكتب الحوار مع المسلمين، في دائرة الحوار بين الأديان في الفاتيكان، خلال اليوم المريمي الإسلامي-المسيحي، والذي احتضنته بازيليك سيّدة افريقيا في مدينة الجزائر العاصمة، 6 أيار 2023.

المونسنيور خالد عكشة :

 

قبيل آلامه، استشهد السيد المسيح بآية من العهد القديم تشير إلى رغبة الله في جمع أبناء اورشليم-القدس "كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها" (راجع الانجيل بحسب القديس متى 23, 37). وتجمعنا اليوم في هذا المكان المبارك السيدة مريم العذراء، رغم اختلافاتنا في العِرق والدين واللغة والثقافة والفكر. ولا يجب أن تنسينا اختلافاتنا هذه المشتركات الكثيرة، وأهمّها انسانيتنا الواحدة وايماننا بالإله الواحد ومحبتنا لمريم العذراء.

 

تدور مداخلتي حول دائرة الحوار بين الأديان في الفاتيكان ورسالتها في تعزيز الحوار بين الكاثوليك وأتباع الأديان الأخرى.

 

ومن الأهمية بمكان، وأنا في بداية حديثي، أن أشير إلى أنّ الحوار الديني (dia-logos) لا يقتصر على الكلام، بل يتعداه إلى أن يكون مجمل العلاقات المبنية على الاحترام والصدق والانفتاح والتقدير المتبادَل بين أشخاص مختلفين في الدين، تهدف الى التعارف أو الى مزيد من التعارف وإلى النمو المشترك والتعاون على الخير العام ومساعدة كل من يحتاج الى غوث أو عون.

 

وهناك أمر آخر في غاية الأهمية، وهو العلاقة بين الحوار والبشارة أو الدعوة. الحوار، كونه مساحة تعارف صادق وتقدير متبادَل، ليس بشارة أو دعوة مقنّعة، وليس "حصان طروادة" للوصول الى غاية في النفس يُخفيها صاحبها، ولا يهدف الى اقناع المخاطَب ببطلان دينه ودعوته الى تركه واعتناق دين آخر. لكن من وجهة النظر المسيحية، الكنيسة مُرسَلة من قِبل السيد المسيح الى العالم من أجل خلاصه، وكذلك الأمر بالنسبة لكل من أعضائها في كل ما يعمل، ما يعني أنّ كل مسيحي رسول وشاهد للمسيح ومبشِّر، وإن لم يقم بأي عمل تبشيري صريح.

 

دائرة الحوار بين الأديان التي نحن بصددها أتت إلى الوجود، ولكن باسم آخر، عام 1964 وكانت إحدى ثمرات المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965). سبق الاسم الحالي للدائرة اسمان: الأول: أمانة السر-أو السكرتاريا- من أجل غير المسيحيين، ومن ثم المجلس البابوي للحوار بين الأديان.

 

يرأس الدائرة حاليًا كاردينال -يمكن أن يرأسها أيضًا رئيس أساقفة-، ولها أمين سر ومساعد أمين السر، وهناك مدير مكتب الإسلام، وكذلك كاهنان يتابع احدهما العلاقات مع المسلمين في الغرب (أوروبا والأمريكيتين) والآخَر في جنوب وجنوب شرق آسيا واستراليا والكاريبي. أما أنا، فمن الطبيعي أن يكون موضع اهتمامي في الدرجة الأولى الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

 

تشمل مسؤولية دائرتنا الحوار الديني مع أتباع الأديان الكبرى عدا اليهود، ويعود هذا إلى سبب تاريخي بالدرجة الأولى. هذه الأديان هي بحسب التسلسل التاريخي: الأديان التقليدية وبخاصة الأفريقية، الديانات الشرقية وبخاصة الهندوسية والجاينية والسيخية، ومن ثم البوذية والتاوية والشنتوية، ومن ثم الإسلام. ورغم أنّ الإسلام هو الأخير على اللائحة الزمنية، إلا أنّ الحوار مع أتباعه يحظى باهتمام كبير، وذلك لأسباب دينية وروحية وتاريخية.

 

تميزت العلاقة مع المسلمين إلى الآن بوجود "لجنة العلاقات الدينية مع المسلمين"، والتي أسسها البابا بولس السادس عام 1972، في اليومِ عينه الذي أُسس فيه "لجنة العلاقات الدينية مع اليهود"، وفي الأمر دلالة. أعضاء هذه اللجنة هم من الكاثوليك، يعيّنهم قداسة البابا لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ويجتمعون مرةً كلَّ سنة للتفكير والتشاور حول مسيرة الإسلام والعلاقات بين المسيحيين والمسلمين في بلدانهم ومناطقهم.

 

المبادرة الأهمّ التي تقوم بها دائرة الحوار بين الأديان تجاه المسلمين هي الرسالةُ السنوية التي يرسلها إليهم لمناسبة شهر رمضان وعيد الفطر السعيد الذي يختمه. بدأ هذا التقليد المحمود عام 1967 وتميزت رسالتان من بين هذه الرسائل بأمرٍ خاص: الأولى وقّعها البابا يوحنا بولس الثاني تزامنًا مع حرب الخليج الثانية (1991)، والرسالة الثانية التي وقّعها البابا فرنسيس في السنة الأولى لحبريته (2013). تصدر الرسالة في أربع لغات رسمية: الانجليزية، العربية، الفرنسية، والايطالية. يتولى نشر الرسالة على مستوى العالم السفراء البابويون ولجان الحوار بين الأديان التابعة للمجالس الأسقفية. إضافة إلى التهاني والتمنيات إلى إخوتنا المسلمين، تقدّم الرسالة أفكارا وخواطر حول موضوع محدَّد، ما يسهم في فتح آفاق جديدة للتفاهم والتعاون. وتصلنا ردود فعل إيجابية مشجِّعة من الكنائس المحلية تؤكد فيها أنّ هذه الرسالة فرصة للقاء بين الأصدقاء أو لبناء صداقات جديدة ولتبادل الرأي حول ما ورد فيها، وهي كذلك محاولة لتطبيق توصياتها٬ حسْب الأمكنة والظروف والأحوال.

 

وهناك كذلك اللجان المشتركة للحوار ومذكرات التفاهم مع منظّمات أو مؤسسات إسلامية تمَّ تأسيسها بخاصة في العقود الثلاث الأخيرة:

- جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، طرابلس، ليبيا

- المركز العالمي للحوار الديني والثقافي، التابع لرابطة الثقافة والعلاقات الإسلامیة، طهران، ايران

- المعهد الملكي للدراسات الدينية، عمّان، الأردن

- المنتدى الكاثوليكي-الإسلامي للحوار، ومنسقه عن الجانب الاسلامي الأمير غازي بن محمد، عمّان، الأردن

- الرابطة المحمدية للعلماء، الرباط، المغرب

- الأوقاف العراقية: الوقف الشيعي، الوقف السني، الوقف المسيحي والأيزيدي والصابئي المندائي

- اللجنة الفلسطينية للحوار بين الأديان، رام الله، فلسطين

- رابطة العالم الإسلامي، مكة، المملكة العربة السعودية

- مجلس حكماء المسلمين، أبو ظبي.

 

وهناك مذكرة تفاهم تم التوقيع عليها مع مركز نزارباييف لتعزيز الحوار الديني والحضاري، أستانا، كازاخستان.

 

وجدير بالذكر أنّ ثمار وثيقة الأخوّة الإنسانية التي وقّعها البابا فرنسيس وشيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب كثيرة، ومنها اليومُ العالمي للأخوة الإنسانية وجائزة ُزايد للأخوّة الإنسانية.

 

ولا ننس وجود الكرسي الرسولي بصفة مراقب مؤسِّس في مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز العالمي الحوار الأديان والثقافات، ومركزه لشبونة، البرتغال.

 

إضافة إلى ما سبق، فإنّ الدائرة تتعاون مع منظمات ومؤسسات اسلامية كثيرة وتشارك في مؤتمراتها ومبادراتها عندما تُدعي وتتمكن، ومنها على سبيل المثال مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان.

 

وكثيرا ما يُطرح علي سؤال حول موقف البابا فرنسيس من الحوار، فأجيب: حوار الكنيسة -حبرًا أعظم وأساقفة وكهنة ومؤمنين مع أتباع الأديان الأخرى- ليس أمرًا اختياريا، بل فريضة تجد أساسها في أنّ الله خاطب الناس مرارًا في الأزمنة السابقة بالأنبياء وكلّمهم في "الأزمنة الأخيرة" من خلال كلمته يسوع المسيح. وهو يريد أن يبلغوا جميعا إلى الخلاص. كما تؤمن الكنيسة أن روح الله القدوس حاضر وفاعِل في كل إنسان وثقافة وأنّه منبع كل صلاة حقيقية، بصرف النظر عن ديانة المصلِّي.

 

نسأل الله رضاه وبركاته، والسيدة العذراء حمايتها الوالدية الحنونة.