موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
ترأس بطريرك السريان الكاثوليك اغناطيوس يوسف الثالث يونان، السبت، الإحتفال برتبة تولية رئيس أساقفة أبرشية دمشق الجديد يوحنا جهاد بطّاح، وذلك في كاتدرائية مار بولس، باب شرقي، بالعاصمة السورية دمشق.
بعد أن أعلن غبطته صلاة البدء، توالت الصلوات والأناشيد الطقسية المفرحة والمرحّبة بقدوم الراعي الجديد وتوليته على الأبرشية وجلوسه على كرسيها وتسلّمه مقاليد رعايتها، بحسب الطقس السرياني الأنطاكي. وأجلس غبطته المطران الجديد على كرسي، فرفعه كهنة من الأبرشية ثلاث مرّات، وفي كلّ مرّة كان غبطته يهتف "أكسيوس"، أي مستحقّ، فيجيبه الجميع "إنه لمستحقّ ومستأهل".
وفي حركة ليتورجية يمتاز بها الطقس السرياني، أمسك غبطته بالعكّاز الأبوي من الأعلى، وتحت يده أمسك أساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية العكّاز بأيديهم، بدءاً بالأقدم رسامةً، وتحت الجميع يد المطران الجديد. فرفع غبطته يد المطران الجديد إلى أعلى، وسلّمه العكّاز، فبارك به المؤمنين، وسط تصفيق الحضور والفرح الروحي العارم.
وتلا المطران أفرام يوسف عبّا كتاب تولية المطران الجديد، الذي وجّهه إليه غبطة البطريرك، وفيه منحه غبطته التولية القانونية على أبرشية دمشق حسبما تقتضيه القوانين الكنسية، متناولاً مسيرة حياته وخدمته الكهنوتية والأسقفية، وموصياً إيّاه برعاية أبرشيته بروح الراعي الصالح، بالمحبّة والوداعة والتواضع، وباحتضان الجميع إكليروساً ومؤمنين.
وألقى البطريرك يونان عظة روحية، أعرب فيها عن فرحه وسروره بالإحتفال "برتبة تولية المطران مار يوحنّا جهاد بطّاح رئيساً لأساقفة أبرشية دمشق، ليرعاها حسب تعليم الرب يسوع ومثاله، أي كراعٍ صالحٍ يبذل ذاته من أجل القطيع المؤتمَن عليه، كهنةً، رهباناً وراهباتٍ، وإخوةً وأخواتٍ مؤمنين ببشارة المعلّم الإلهي الخلاصية، خلفاً لسيادة المطران مار غريغوريوس الياس طبي الذي خدم الأبرشية الدمشقية ورعاها لمدّة ١٨ سنة"، شاكراً للمطران طبي "رعايته للأبرشية وثباته رغم الظروف الصعبة".
وتحدّث غبطته عن "بولس الرسول الذي اقتبل المعمودية ولبّى نداء الرسالة في دمشق ذاتها، هذه المدينة العريقة، ومنها انطلق ليضحي رسولاً للأمم حول البحر المتوسّط، وخلّد لنا اختباره وعبقريته اللاهوتية وغيرته على نشر إنجيل المحبّة والسلام في رسائله المعروفة شرقاً وغرباً"، مشيراً إلى أنّ "على من أُوكِل الرعاية خلفاً للرسل أن يتمثّل بمعلّمه الراعي الصالح الذي قال: ما من حبٍّ أعظم من هذا، أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه".
ونوّه غبطته إلى أنّ "المحبّة لا تُختزَل، لا بالعلم، ولا بالنبوءة، ولا بمعرفة أسرار الكون، ولا حتّى بتوزيع الصدقات أو ممارسة أقسى أنواع التقشّف... على المحبّة أن تعكس وجه فادينا البهي في جميع أقوالنا وأفعالنا، كما في علاقاتنا مع إخوتنا كافّةً، مهما بدت هذه العلاقات عسيرةً أو مضنيةً، ومهما ساورتنا الأفكار بأنّ هناك من لا يستحقّ محبّتنا ويستغلّ طيبة قلبنا".
وأشار غبطته إلى أنّ "المطران الجديد، الذي اختار اسماً أبوياً: مار يوحنّا أي "الله يتحنّن"، عاهد ذاته أن يكون شاهداً مبدعاً للمحبّة، فيجسّدها في حياته وفي خدمته الأسقفية بالرأفة التي لا تعرف حدوداً ولا تضع شروطاً، لأنّ المحبّة النابعة من قلب الله، تخدم بالصبر والإحتمال، بالوداعة والتواضع، ببذل الذات والتجرّد عن المنفعة الشخصية. ورائعة هي المحبّة التي تتفهّم وتشجّع من هو ضعيف، والتي تُسَرُّ بنجاح الآخرين، ولأنها "تفرح بالحق"، فهي لن تسقط أبداً".
وأكّد على "أننا نحن مع المطران مار يوحنّا جهاد، ومع الكهنة إخوته والشعب الطيّب الصامد في أبرشيته، ندعو إليه تعالى أن يحمي سوريا الغالية من العصابات الهمجية، فتتعالى على النكبات والمصائب، وتنهض من الأزمة المدمّرة التي فُرِضت عليها. عندئذٍ ستحلّق بعونه تعالى في دنيا الحقّ، مبشّرةً شعبها وشعوب العالم بغلبة الخير وإشعاع الحقّ ونشر السلام".
وشدّد غبطته على أنّ "دعوة المطران الجديد هي الإنطلاق لإتمام دعوة الرب، مهما كثرت التحدّيات وتراكمت الصعوبات، ومهما تلكّأ الطبع البشري. لذا فهو لا يتّكل على قواه الذاتية وكفاءاته البشرية، ولكن على النعمة الإلهية، نعمة الرب يسوع المسيح التي تقوّيه وتقوده في طريق الخدمة الأسقفية بالأمانة والسخاء والثبات، والتمسّك بالإيمان الذي نقله إلينا آباؤنا القديسون، فيعيش روح الإنجيل بأمانة وإخلاص، وينادي دون تردّد أو نقصان بالقيم الأخلاقية المسيحية، وبقيم العائلة التي هي الكنيسة الأولى، وبالدفاع عن الحياة في جميع مراحلها".
واعتبر أنّ المطران الجديد "مؤتَمَن على عيش الأمانة للكنيسة، بروح الشراكة الحقيقية مع جميع أعضاء الإكليروس المدعوين إلى كهنوت الخدمة، في أبرشيته، وفي كنيسته السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، ومع إخوته من رعاة الكنائس الشقيقة في دمشق، بروح المحبّة والوحدة، لتعزيز الشهادة لإنجيل الرب يسوع المخلّص. وهو مؤتَمَن على إخوته وأخواته، جماعة المؤمنين في الأبرشية، يرافقهم ويشجّعهم ويعطيهم المثال الحياتي، في محبّة الكنيسة، والتعلّق بوطنهم، فيشاركوا في بناء مؤسّساته من تربوية واجتماعية. وهكذا يضحي الراعي المُحِبّ، المتفهّم، المشارك، ويعمل بالحكمة، بالصبر والتواضع. وفي كلّ قراراته المهمّة، عليه أولاً أن يستشير فيقنع، ثمّ يتّخذ القرار المناسب".
وأوصى غبطته المطران الجديد على "الأمانة لتراث كنيستنا العريق، إذ إنه مدعوّ للتمسّك بالروحانية المشرقية وبطقسنا السرياني، كما عليه أن يغذّي عواطف الافتخار في المؤمنين، مذكّراً إيّاهم بأنهم الأحفاد والحفيدات لأجيالٍ من الشهداء والمعترفين من أجل إنجيل المحبّة والسلام وكرامة الشخص البشري، لجميع الناس"، منوّهاً إلى أنّ على المطران الجديد أن "يعمل جاهداً في سبيل نشر حضارة المحبّة وأولوية الحوار الحياتي الصادق بين جميع فئات المجتمع الذي ينتمي إليه، دون تمييز بسبب الدين أو الطائفة أو اللون أو العرق، ليصبح رائد الحوار البنّاء وفاعلاً حقيقياً للسلام".
وختم غبطته عظته ضارعاً "إلى الرب يسوع، مخلّصنا ومثالنا في الخدمة الأسقفية، بشفاعة أمّه العذراء مريم، أمّنا السماوية، سيّدة النجاة، كي يقوم المطران مار يوحنّا جهاد بمسؤوليات خدمته الأسقفية الجديدة، بكلّ أمانةٍ، حسب روح الإنجيل وتعليم الكنيسة".
وتليت رسالة تهنئة من نيافة الكردينال ليوناردو ساندري رئيس مجمع الكنائس الشرقية، ورسالة تهنئة من البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي.
وألقى المطران غريغوريوس الياس طبي كلمة شكر فيها الله الذي قوّاه على خدمته، مهنّئاً المطران الجديد، متمنّياً له النجاح والتوفيق في خدمته، وطالباً من الجميع أن يصلّوا من أجله.
ثمّ ألقى رئيس أساقفة دمشق الجديد يوحنّا جهاد بطّاح كلمة شكر فيها الله وغبطةَ أبينا البطريرك والأساقفة والكهنة وجميع الحضور، معاهداً أن تكون من أولويات أعماله "العناية بإخوة يسوع وإخوتنا جميعاً، الفقراء والمهمَّشين، والعمل الحثيث على بناء الإنسان"، مشدّداً على أهمّية التعاون والتماسك، مؤكّداً أنه "مهما اشتدّت علينا الصعوبات، هنا باقون، وهنا سنبقى، لأنّنا في هذه الأرض متجذّرون ومنتمون لهذه الأرض الطيّبة المعطاءة الحنونة".
وإذ شدّد سيادته على وضع توجيهات غبطة أبينا البطريرك نصب عينيه، والعمل بها، وهي المنسجمة مع شعاره "أنا بينكم كالذي يخدم"، أشار إلى أنه سيعمل "جاهداً على تفعيل الشركة الحقيقية مع الكهنة والعلمانيين والحركات الرسولية وخاصّةً الشبيبة"، وطلب من الحاضرين جميعاً أن يرافقوه بصلاتهم كي يبارك الرب خدمته الجديدة، مترحّماً على روح والديه وروح الأب المرحوم عصام نعّوم، وذاكراً إخوته وأخواته وعائلاتهم والأهل والأقارب والأصدقاء وكلّ الحاضرين، وجميع أبناء أبرشية دمشق وبناتها.
وبعد انتهاء رتبة التولية، خرج غبطته في زيّاح حبري يتقدّمه أصحاب القداسة والغبطة والنيافة والسيادة والإكليروس إلى باحة الكاتدرائية ومنها إلى صالون المطرانية حيث هنّأوا المطران الجديد وتمنّوا له خدمة مباركة ومثمرة لما فيه خير أبرشية دمشق ومؤمنيها.
ثمّ تقبّل المطران الجديد التهاني من الحضور جميعاً. ألف مبروك.