موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
العائلة التي تصلي متحدة تعيش متحدة، وبهذه الفترة نحن نعيش كما كنا ننادي به بطريقة جديدة أجبرتنا عليها الظروف، ولكن هذا الإجبار يتحول الى عمل رائع من داخل عائلاتنا لتتعمق لديهم المحبة العائلية.
يحتفل مسيحيو الأردن بأحد الشعانين المعروف بأحد السعف، ولكن بأجواء احتفالية مختلفة؛ نظرًا للظروف الحالية التي يعيشها الأردن بسبب فيروس كورنا، فعوضًا عن ذهابهم إلى كنائس؛ للمشاركة بالقداس حاملين سعف النخيل وأغصان الزيتون، فإن الصلوات والطقوس الدينية هي من تدخل منازلهم من خلال وسائل الاتصال المختلفة، مجهزين بيوتهم، ومزينين نوافذها بأغصان الزيتون.
قدمت البطريركية اللاتينية في القدس تعليمات فيما يخص التقويمين الشرقي والغربي عبر موقعها الإلكتروني، وعلى مسيحيي الأردن تطبيقها غدًا والذي يصادف أحد الشعانين في التقويم الشرقي، كمن طبقه كل من احتفل بأحد الشعانين يوم الأحد الماضي في بيته وفق التقويم الغربي.
وتكمن هذه التجهيزات بتهيئة بعض الأمور داخل صالون البيت بوضع طاولة مع شرشف (أو نفس طاولة التلفزيون أو طاولة تحت التلفزيون إن كان معلّقًا على الحائط)؛ التلفزيون أو الكمبيوتر الّذي سيتمّ من خلاله متابعة الاحتفال من كنيسة البطريركيّة.
صليب محاط بالورد وأغصان الزيتون ومربوط عليه قطعة قماش حمراء اللون، إن وُجد؛ شمعة مُضاءة أو أكثر. إنجيل مفتوح على الفصل 26 (الآية 14) للقديس متى. يمكن إضافة مبخرة صغيرة وبخور (إن وُجد). أما العلامة الخارجيّة فيمكن وضع غصن زيتون أو نخيل على أحد شبابيك البيت من الخارج. وفيما يتعلق بالأطفال فيمكن عمل الشعانين لمَن يرغب، خاصّة للأطفال الَّذين يحتفلون لأوّل مرّة في هذا العيد.
مشاعر مختلطة
تقول سوزي حداد، وهي إحدى المؤمنات المعتادات على الصلاة بكثرة داخل الكنيسة، لـ"أبواب-الرأي": "بالرغم من زيادتي لعدد ساعات الصلاة يوميًا من المنزل عبر مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الدينية الإخبارية، إلا أنني أشعر بالانزعاج حقيقة لإغلاق الكنيسة، ولعدم امكاننا الصلاة داخلها؛ لأن مشاعرنا تختلف فيها حقيقة". وتشير إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي قد خففت من ابتعادها عن الكنيسة نوعا ما، اذ أنها تصلي المسبحة الوردية وغيرها من الصلوات (...) بخشوع وبوجدان يوميًا مع مجموعة من الشباب والشابات عبر السكايب.
وتضيف: "قبل عدة أيام ذهبت إحدى المرتلات الى الكنيسة، وقامت بالترتيل داخل الكنيسة وسط أضواء خافتة، وبثّت لنا ترانيما بصوتها بإرفاق صور سابقة عن صلوات الأسبوع المقدس والعيد، فشعرت بالحزن والكآبة حقيقة. إلا أننا سنعوّض ذلك بالالتزام بتعليمات الكنيسة ووضع طاولة وتجهيزاتها، وإن شاء الله سنصلي نفس تفاصيل الصلوات". وتتمنى حداد انتهاء هذه الأزمة سريعًا؛ للعودة الى مجرى حياتها اليومي وللصلاة بالكنيسة.
تقول هيا هلسه، وهي أم لطفل حديث الولادة: "طالما الكنائس مغلقة في الفترة الحالية، بسبب الظرف غير الاعتيادي والصعب الذي نعيش فيه، فإننا سنحوّل بيت وقلب كل واحد منا الى كنيسة لتحلّ البركة فيه". وتكمل: "لقد أحضرت شمعة مزينة خاصة بعيد الشعانين كسائر الأطفال، وسأزيّن البيت بأغصان الزيتون كعادة هذه المناسبة، وجهزت له ملابس رسميّة تخصّ هذا العيد حتى لو احتفلنا به داخل منزلنا. وسنشارك المصلين بكل خشوع إذ تلائم فكرة نقل الصلوات الاحتفالية لظروفي الحالية كونني أنجبت طفلي "يوسف" قبل أسبوعين تقريبًا، وسألتقط له العديد من الصور التذكارية، وإن شاء الله نحتفل بالعيد القادم ونحن جميعًا بأفضل حال وأحوال".
يقول الشدياق (هي أصغر رتبة كنسيّة في الكنيسة الكاثوليكية إذ يقوم بمساعدة الكاهن على الهيكل ومناولة المؤمنين والمرضى) نضال مرجي: "كان يجتمع المؤمنون للقيام ببعض التحضيرات في الكنيسة الحيّة لاستقبال ملك المجد سواء بوضع أغصان الزيتون وسعف النخيل أمام هذا الملك، وكان يتم الاحتفال والصعود معه الى الكنيسة، الا أننا في زمن وباء كورونا فقد اقتصرت الصلاة من البيوت، وأنا كإنسان علماني ملتزم بكنيستي وعائلتي المصغرة فنجتمع أمام التلفاز على قنوات نورسات أو مواقع التواصل الإجتماعي لبعض الكنائس التي تبث القداديس الخاصة بها عبرها ضمن التجهيزات بوضع طاولة واضعين عليها الكتاب المقدس والصليب والشموع التي ترمز الى نور المسيح، والبخور لتتصاعد صلواتنا الى الله كما يتصاعد البخور الى السماء".
يشبّه مرجي طريقة صلاة مسيحيي الأردن في الفترة الحالية بفترات سابقة عاشها المسيحيون عندما كانت الكنيسة مضطهدة، اذ كان المؤمنون يصلون بشكل جماعات صغيرة في بيوتهم خوفا من البطش بهم، وبفترة أخرى عندما كانت مريم العذراء عليها السلام والرسل الأطهار يجتمعون في العليّة للصلاة عند العودة الى الحياة المسيحية، واستشهد بكلام السيد المسيح عندما قال "اذا أردت أن تصلي أدخل الى مخدعك وصلي الصلاة الربية"، مشيرًا إلى اختلاف السبب حاليًا وهو حماية لأنفسنا وأجسادنا وللآخرين ولوطننا الحبيب.
ارتأت مجموعة من الشباب بتبني فكرة توزيع شعنينة للعائلات التي يوجد أطفال بها لإدخال البهجة والسرور الى قلوبهم بطريق ملموسة؛ ولإضاءتها فرحا لا حزنا كي تكون مشاركة حقيقية في الصلاوات لا مشاهدة فقط.
محبة ووحدة العائلة
يقول مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام الأب رفعت بدر: "هنالك تعليمات لكل يوم من الأسبوع المقدس كي لا تفوّت العائلة الفرصة للصلاة الفعلية والمشاركة الوجدانية، اذ أنها ليست كمن يشاهد أخبار أو فيلم أو مسلسل، وستشارك العائلات بالصلاة عبر قنوات التواصل وهي نعمة في هذه الأيام فعلا لأنها تجلب لنا الصلاة الى بيوتنا".
ويضيف: "أصدرت مطرانية اللاتين في الأردن بيانًا توضح به أن الإحتفال سيتم في كنيسة العذراء الناصرية للاتين في الصويفية، وسيتم بثها عبر القنوات التلفزيونية والإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وهي الطريقة المثلى حاليًا للتواصل ما بين المؤمنين والكنيسة". ويلفت إلى أن أحد الشعانين هو المدخل للأسبوع المقدس، وبالتالي ستكون هناك صلوات وترانيم معبّرة على مدار الأسبوع الى نهار يوم العيد، والذي يصادف اليوم التاسع عشر من الشهر الحالي عبر قنوات التواصل.
ويتابع الأب بدر: "نحن بالفعل متألمون مع الأسرة البشرية، لذلك سوف نصلي في هذه الصلوات من أجل الإنسانية كلها، وشفاء جميع المصابين بمرض الكورونا، وأن يلهم الرب الكوادر الصحيّة العاملة الشجاعة وطول الأناة والبال ليواصلوا مسيرتهم الإنسانية الرائعة"، ويشير الى أن ما يعيشه المؤمنون في الفترة حالية تضحية كبرى في زمن الصوم هذا.
ويشير إلى بعد المحبة العائلية والتي لربما تتعمق بالصلاة المشتركة على حد قوله. ويضيف: "في الماضي كنا نقول أن العائلة التي تصلي متحدة تعيش متحدة، وبهذه الفترة نحن نعيش كما كنا ننادي به بطريقة جديدة أجبرتنا عليها الظروف، ولكن هذا الإجبار يتحول الى عمل رائع من داخل عائلاتنا لتتعمق لديهم المحبة العائلية كآباء وأمهات وبنين وبنات، وكذلك لا ننسى الأجداد الذين يحيطون بأبنائهم وأحفادهم بالمحبة الصادقة وبالصلاة المشتركة".