موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر السبت، ٥ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠
اليوم العالمي للعمل التطوعي.. كيف نعزز التكافل الاجتماعي بظل الجائحة؟

منى أبوحمور :

 

يحل اليوم العالمي للتطوع الذي يحتفل به العالم في الخامس من كانون الأول (ديسمبر) من كل عام ليكون استثنائيا في ظل جائحة كورونا التي خلفت العديد من التبعات الصحية والاجتماعية وحتى الاقتصادية على العالم أجمع، الأمر الذي جعل العمل التطوعي واجبا، لمساندة الأسر المتضررة ودعم المتعثرين والعاطلين عن العمل.

 

ويأتي اليوم العالمي للتطوع في زمن كورونا ليس فقط لشكر جميع المتطوعين على جهودهم المبذولة دون مقابل ورفع مستوى الوعي عند الناس من أجل زيادة مساهمتهم في بناء المجتمع، وإنما لتأكيد أهمية العمل التطوعي في الأزمات والوقوف إلى جانب المتضررين ليعلموا أن هناك من يقف بجانبهم ويساندهم.

 

جهود كبيرة يبذلها المتطوعون منذ بداية جائحة كورونا رغم التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها القطاعات كافة، إلا أن فعل الخير والتكافل والشعور بالآخر الذي يؤمن به المتطوعون تدفعهم باستمرار لبذل قصارى جهودهم لخدمة الآخرين دون مقابل، ومساعدة أسر متعثرة.

 

وتنشئة الطفل على العمل التطوعي، من وجهة نظر التربوي الدكتور عايش نوايسة، هي أحد أنواع التربية التي تعزز عملية الاتصال والتواصل الاجتماعي الفعال بين الناس وجزء من هذا التواصل الذي يتعلق بالعمل التطوعي.

 

ويبدأ العمل التطوعي، بحسب نوايسة، من الأسرة من خلال التعاون والتعاضد بين جميع أفرادها، في حين تشكل المدرسة المؤسسة التربوية الثانية التي تشكل الركن الأساسي في عمليات الصقل والتطوير وتنمية شخصية الطفل من خلال تعزيز مهارات التعاون في الأساس ومن ثم تعزيز فكرة التعاون وتقديم الخدمات للآخرين.

 

وتعتمد فكرة التعاون في التنشئة على العمل التطوعي، وفق نوايسة، على تقديم الخدمات من دون مقابل، مرتبطة بالأهداف الدينية والحياتية والاجتماعية، وهو أحد أنواع التربية التي من الممكن أن يمارسها الطفل على مستوى أسرته ومدرسته ومن ثم ينتقل إلى المجتمع. ويقول “الأصل في المناهج المدرسية والأنشطة اللامنهجية أن تعزز العمل التطوعي” على مستوى الغرفة الصفية والتكافل الاجتماعي داخل المدرسة وتعزيز فكرة التطوع من خلال التبرع.

 

ويؤكد نوايسة أهمية العمل التطوعي باعتباره جزءا من العقيدة والثقافة والفكر، وتربية الأبناء عليها هي واجب المؤسسات الأسرية والمدرسية والإعلامية كافة.

 

وتزداد أهمية العمل التطوعي، وفق نوايسة، في ظل جائحة كورونا، فالناس بحاجة الى التقارب الاجتماعي، وتقديم المساعدات المتعلقة بالجوانب المادية ودعم الأسر المتضررة التي فقدت أعمالها في ظل الجائحة وتقديم الخدمات وترسيخ فكرة التعاضد والتكافل الاجتماعي والوقوف إلى جانب البعض لتجاوز هذه الأزمة.

 

وأضاف أنه حتى مؤسسات الدولة الحكومية والخاصة بحاجة إلى بذل الجهود والتعاون من الأطراف كافة للوقوف مرة أخرى بعد الانتكاسات الاقتصادية التي أثرت على فئات عديدة بسبب جائحة كورونا، مؤكدا أن العمل التطوعي يعد من أهم الأفكار التي نعزز من خلالها المواطنة الإيجابية والمواطنة الفاعلة.

 

وبدوره، يعرف اختصاصي علم الاجتماع الأسري مفيد سرحان، التطوع، بالجهد الذي يبذله أي إنسان بلا مقابل لمجتمعه للإسهام في تحمل المسؤولية، من تلقاء نفسه بالفطرة، وهو مهم في كل الظروف، وتزداد أهميته والحاجة اليه في الظروف الطارئة والصعبة، ومع انتشار وباء كورونا شعر الجميع بأهمية التطوع أكثر من أي وقت مضى.

 

وقدم الكثيرون نماذج ناجحة وإبداعية في التطوع، خصوصا خلال فترات الإغلاق؛ حيث توقف العمل والحاجة الماسة الى المساعدة على اختلاف أشكالها أصبحت أكبر، وفي مثل هذه الظروف تتجلى روح الشعور بالمسؤولية والإيثار من خلال التطوع في الوقت والعلم والخبرة والمهارة.

 

وللعمل التطوعي، بحسب سرحان، أهمية كبيرة للمجتمع والأسرة والفرد؛ إذ يقلل من تكلفة إنجاز العمل، فيقدم المتطوع جهده دون مقابل وهو يحتسب الأجر من الله تعالى؛ حيث يسهم في حماية المجتمع من الآفات الاجتماعية عبر إفراغ الطاقات بما هو نافع ومفيد.

 

ويعد العمل التطوعي داعما ومكملا للعمل الرسمي، ما يؤدي إلى رفع مستوى الخدمات المقدم؛ إذ يمكن تقديم خدمات يصعب على المؤسسات الرسمية تقديمها لما تتصف به المؤسسات التطوعية من مرونة وبما لديها من خبرات متعددة.

 

وتعدد المؤسسات التطوعية وتنوع مجالاتها، من وجهة نظر سرحان، دليل على حيوية المجتمع ومؤشر لتقدم الشعوب، وهو مؤشر إيجابي تتفاخر به الأمم، ويمكن للإنسان أن يسهم بوقته أو علمه أو خبراته.

 

وللعمل التطوعي أهمية كبرى بالنسبة للفرد، فهو يسهم في بناء الشخصية بناءً سليماً من جميع النواحي، كما أنه يزيد من معرفة المتطوع بأمور الحياة ويكسبه خبرات ميدانية متنوعة من خلال تعامله مع حاجات المجتمع والاطلاع عليها ويساعد المتطوع على تغيير النظرة للحياة؛ حيث تصبح نظرته للأمور واقعية بعيداً عن المثالية ويعمق الشعور بالانتماء للمجتمع والوطن والشعور مع الآخرين ويقوي روح التكافل والتعاون.

 

والتجربة العملية تساعد على تنمية مهارات المتطوع وقدرته على اتخاذ القرارات والقدرة على الإبداع ومواجهة الواقع وترجمة ما يتعلمه من علوم نظرية إلى وقائع عملية، وفق سرحان؛ إذ يوجه الفرد إلى الاستفادة من الوقت في النافع من العمل وبما ينعكس إيجابياً عليه وعلى المجتمع. كما أن مثل هذا التوجه يسهم في إبعاد الأفراد عن إضاعة الوقت في أعمال قد تنعكس سلباً عليهم وقد تسهم في انحرافهم وإكسابهم عادات سلبية، لأن للفراغ آثارا مدمرة على الأفراد، وخصوصاً الشباب.

 

وإشغال الفراغ بالنافع من العمل يقلل من المشكلات الاجتماعية، خصوصا عند الشباب، ومن الضروري مشاركة الشباب في العمل التطوعي وتشجيعهم على ذلك، وهي مسؤولية المؤسسات العاملة في المجالات التي يمكن للشباب أن يتطوع فيها، وفق سرحان.

 

ويسهم العمل التطوعي في إتاحة المجال للشباب لإبداء آرائهم وترجمة أفكارهم وإبداعاتهم على أرض الواقع وتدريب الشباب من خلال برامج منظمة توضح لهم أهمية التطوع وحاجة المجتمع إلى جهود الشباب وكفاءاتهم.

 

والاهتمام بالعمل التطوعي يبدأ منذ الطفولة؛ حيث يسهم الأهل في ذلك من خلال مشاركة الصغار في الأعمال التطوعية، كما أن للمدارس دورًا مهمًا في توجيه الطلاب للمشاركة في أعمال تطوعية في المدرسة أو البيئة المحيطة، وتنظيم مسابقات وتكريم المتطوعين بصورة دورية ليشعر الشباب أن قيامه بالتطوع يجعل منه إنساناً يحظى بالاحترام والتقدير.

 

ومسؤولية المؤسسات التطوعية والأشخاص العاملين فيها في كسب ثقة الجمهور ضرورية، حتى يشجعوا أبناءهم على التعامل معها، وأن يلمس الأهل آثاراً إيجابية لمشاركة أبنائهم في الأعمال التطوعية سواء على سلوك الأبناء أو تنمية قدراتهم، وأن يلمسوا إنجازات حقيقية يقدرها لهم المجتمع، على أن لا يكون ذلك على حساب دراستهم؛ إذ لا يمكن أن يشجع الآباء انخراط أبناءهم في الأعمال التطوعية إذا أثر ذلك سلباً على مستواهم الدراسي أو علاقاتهم الأسرية أو سلوكهم.

 

والمؤسسات التطوعية معنية بتعريف المجتمع بأهدافها السامية وإنجازاتها بصورة مستمرة. وفي الجامعات يمكن تنظيم برامج خاصة للشباب في فترات العطل المدرسية والجامعية ومن خلال مساقات خاصة ولنجاح العمل التطوعي ينبغي مراعاة قيم المجتمع وعاداته الإيجابية، بحيث لا يتعارض العمل التطوعي مع تلك القيم والعادات.

 

وتكمن مسؤولية الإعلام، بحسب سرحان، في تسليط الضوء على النماذج الناجحة لمتطوعين وفي مجالات متعددة يسهم في التشجيع على الانخراط في العمل التطوعي ليكون ثقافة سائدة في المجتمع.

 

(الغد الأردنية)