موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ١٥ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٤
الهيرودوسيون وحقوق الإنسان

أشخين ديمرجيان :

 

أشكر الله وأحمده أنّي تخصّصت في علم النفس واللغات والفنون الجميلة، وهي أقرب الى ميولي في الروحانيّات وما وراء الطبيعة (الميتافيزيقا) التي تبحث في أسرار الكون والظواهر الغريبة، وجميع الامور الغيبيّة التي لم يجد لها العلماء تفسيراً بعد، وهي بعيدة كلّ البعد عن "الحضارة" الماديّة التي تشغل العالم بالحروب.

 

والحمد لله أنّي لا أنتمي أو أشارك في الميدان السياسي لا من قريب ولا من بعيد، ولو كنت كذلك لاستقلت من منصبي للتشبّه الشديد بين عدد هائل من السياسيين وهيرودس. ولكثرة ما نرى في هذا المعترك من خيانات ومؤامرات محبوكة، مع احترامي للسياسيين النزهاء على ندرتهم.  وينجرّ بعض السياسيين إلى منزلق الكذب والمراوغة والتمويه، وأحيانا يتخلّى قوم منهم عن  الشرف والأخلاق، إمّا للوصول إلى مناصب يضعهم فيها فاسدون، أو لخوفهم على حياتهم من مافيات الجريمة والمال والنفوذ. وتضيع الشعوب بين الأقدام!

 

كثر في الزمن الحاضر الهيرودسيّون قاتلو الأطفال بلا رحمة، من غير التزام بمبادىء حقوق الإنسان، وبلا وازع من ضمير، ضاربين بعرض الحائط غضب الله عزّ وجلّ، من غير أن يقيموا وزنًا أو اعتبارًا لوصيّته بعدم القتل. وفي نفس الوقت ليسوا مستعدّين للتضحية بأبنائهم بل بأبناء الشعب. ومن ناحية ثالثة يحسبون أنفسهم أعلى من سائر البشر وأسمى وأكثر قيمة وأرفع درجات بحيث يساوي الواحد منهم آلافًا من أفراد الشعوب الأخرى.

 

ويعجز القلم عن وصف تلك المآسي والفواجع، أو تعزية المنكوبين الذين أصيبوا بالنوائب السوداء في غزة وغيرها... والمشكلة أنّ أشباه القدّيس يوحنا المعمدان قلائل، وهو الذي كان يوبّخ هيرودس أنتيباس ابن هيرودس الكبير قائلاً: "لا يحلّ لك أن تخون زوجتك أو أخاك" باتّخاذ زوجته هيروديا زوجة لك وهو على قيد الحياة! ولكن "وافق شنّ طبقة"، فقد اتّفقت هيروديّا مع سِلفها هيرودس أنتيباس على الطموح بغير حدود، والانفلاتيّة من غير قيود، والإجرام والبطش بشراسة الأسود.

 

الشعوب المسكينة تُقتل وتُظلم، مئات البشر يُقتلون من غير أن يعرفوا مَن اغتالهم ولماذا ولحساب مَن ومصلحة مَن، وها قد رجعنا كما يقول الإنكليز إلى المربّع الأول: هيرودس وسلالته وأشباههم يتلاعبون بحياة البشر وبمصيرهم. هيرودس لم يمت. ممكن للعامّة أن تقول عن كثيرين من الحكّام الذين يحرّكون الخيوط: "الخالق الناطق". والمقصود: "نسخة طبق الأصل كأنّها خرجت من يد الخالق" ولكنّها في الواقع خرجت عن شريعته ووصاياه وهُداه، ونطقت لا بمجد الله بل بالمعصية والإثم والكذب.

 

خاتمة

 

"الحضارة المادّيّة" التي كثيرًا ما فضحها قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، مستنكرًا بشدّة "طغيان النسبيّة" حوّلت عددًا كبيرًا من الحكّام إلى هيرودوسيين طغاة، همّهم الغنى الفاحش على حساب الشعوب المسكينة، وجعلت من الانسان شبه آلة لا يشعر بقيمة وجوده في هذه الحياة، كما ملأت حياته بفراغ كبير رغم عمله بنشاط وجهد.

 

وعليه ينبغي ملء بعض أوقات الفراغ بالتواصل مع الله تعالى كي نحقّق سموًّا لنفوسنا وارتقاءً لأذهاننا وراحةً لقلوبنا. واذا سألنا القديس بولس الإناء المختار ورسول الأمم عن التقوى يقول لنا: "إنّ التقوى تنفع في كلّ شيء إذ لها مواعيد الحياة الحاضرة والآخرة" (تيموثاوس الأولى 4:8).