موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٤ مارس / آذار ٢٠٢٥
المطران يعقوب مراد: توجد للأسف فجوة كبيرة بين الخطاب الرسمي والواقع
"كم كانت فرحتنا كبيرة عندما تم تحرير السجناء وفرغت السجون"، يقول المطران يعقوب مراد، ويضيف "لكن الأيام مرت وامتلأت السجون من جديد - وخاصة بالعلويين".

دويتشه فيليه :

 

المطران يعقوب مراد (57 عامًا) هو رئيس أساقفة حمص للسريان الكاثوليك منذ 2023، وهي ثالث أكبر مدينة سورية بعد دمشق وحلب. ويقول حول مصير العلويين المعتقلين الآن في سوريا الجديدة ما بعد الأسد: اعتقالات تعسفية ومحاكمات سريعة من دون الحق في الدفاع، وأحيانًا حتى إعدامات ضمن سياق "تصفية حسابات متسرّعة" من دون محاكمات.

 

غادر المطران السوري بلاده لفترة قصيرة، وبعد بقائه فترة في الفاتيكان وصل إلى منطقة إيفل الريفية غربي مدينة كولونيا، حيث يجتمع هناك في دير شتاينفيلد مجلس الأساقفة الكاثوليك الألمان، الذي يتناول موضوعات من بينها وضع المسيحيين في الشرق الأوسط. والتطورات المأساوية خلال الأيام الماضية مع المجازر المرتكبة بحق العلويين في شمال غرب سوريا، تلقي بظلالها الآن على هذا المؤتمر. "توجد للأسف فجوة كبيرة بين الخطاب الرسمي الصادر عن الحكام الحاليين وبين الواقع على الأرض"، كما يقول مراد.

 

 

الحكومة تتحمّل المسؤولية

 

ونظرًا إلى المجازر بحق العلويين، يرى المطران مراد مؤشرات تشير إلى ارتكاب إبادة جماعية. ويتحدث عن "جريمة فظيعة". ويقول إنّ الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع تتحمّل المسؤولية عن هذه المجازر. كما يشكو من انتشار الأسلحة في سوريا، والتي جاء بعضها من الخارج. ويشير بصراحة إلى دور تركيا التي تتحمل جزءًا من المسؤولية. كما يطالب بحظر كافة المظاهر المسلحة في البلاد.

 

عانت سوريا من حرب أهلية استمرت 12 عامًا منذ ما يُعرف بـ"الربيع العربي" في عام 2013. ونتيجة ذلك فقد هرب ملايين السوريين إلى الخارج، وكثيرون منهم عانوا من الإرهاب في وطنهم. وحول فظائع الإسلامويين، لا يتحدث رئيس الأساقفة يعقوب مراد فقط عما سمعه من شهود، بل هو نفسه كان شاهد عيان ونجى من الإرهاب. ولكنه ما يزال يخشى على أصدقاء اختفوا في عام 2015 ولم يظهروا بعد.

 

ويوضح بأنّه تعرّض للاختطاف والسجن في مدينة الرقة عندما سيطر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على منطقته في عام 2015. وتمكن بعد نحو خمسة أشهر من الفرار على دراجة نارية "بمساعدة صديق مسلم". وبفضل تضامن مجموعة من المسلمين من بلدة القريتين: "استطعنا تحرير جميع المسيحيين"، الذين احتجزهم تنظيم داعش. وحول ذلك يقول إنّ "شهادة الأخوة والتضامن هذه أثرت تأثيرًا قويًا في نفسي".

 

دعم الأمم المتحدة

 

يتضح من خلال وصف المطران يعقوب مراد مدى تنوّع الأديان والأعراق الذي شكل سوريا حتى الآن وأثراها ثقافيًا. وقد تحدث مرارًا وتكرارًا خلال تصريحاته ضد الإسلاموفوبيا. ولكنه من ناحية أخرى يحذر من هيمنة الإسلام السني وحده. ويقول أيضًا فيما يتعلق بالمجازر بحق العلويين إنَّها "لم تكن غير متوقعة". ويضيف بخوف شديد: "ربما يحدث أكثر من ذلك في المستقبل". ويؤكد مراد عدة مرات: "نحن بحاجة إلى دعم الأمم المتحدة".

 

ويشاركه هذه المخاوف الأساقفة الكاثوليك نظرًا إلى التصعيد الأخير. وبحسب تعبيرهم فإنّ تطور سياسة الرئيس الشرع مثير جدًا للقلق. وحول ذلك قال رئيس أساقفة مدينة بادربورن الألمانية أودو ماركوس بينتس، الذي يسافر بانتظام إلى المنطقة بتكليف من مؤتمر الأساقفة: "نحن نشاهد مصدومين ما يحدث الآن".

 

وتصريحات الشرع حول احترام جميع الأقليات "كانت كلامًا فارغًا، على الأقل تجاه الأقلية العلوية"، كما يقول بينتس. ويضيف إنّ الصور والأخبار حول المجازر في محافظة اللاذقية تجعله عاجزًا عن الكلام. ويحذر من أنَّ ذلك يحتاج إلى "رد سياسي دولي".

 

 

الأمل في "سوريا جديدة"

 

مع أنَّ المطران يعقوب مراد جاء إلى الأساقفة الألمان ولديه رؤية، فهو يطالب بإجراء إصلاح دستوري سريع في سوريا وانتخابات رئاسية حرة تحت إشراف الأمم المتحدة. ويأمل في أن يعود الكثيرون ممن غادروا سوريا. ويقول إنّ هذا ينطبق أيضًا على الأطباء السوريين العاملين في ألمانيا. ولكن لا يمكن إجبار أحد قد يضطر حينها إلى العيش في الخيام.

 

ومع ذلك فهو لا يهتم فقط أو في المقام الأول بالقضايا المادية. وهذا المطران الكاثوليكي، الذي ساعده أحد المسلمين في الهروب من الأسر الخطير لدى داعش، يراهن على الحوار في عين المكان والتعايش بين شباب الديانات المختلفة: المسلمين السنة والعلويين والمسيحيين.

 

ويقول إنّ "نظام الأسد حاول مرارًا وتكرارًا تحريض الناس ضد بعضهم بعضًا". وبالرغم من كل الألم، نشعر أيضًا بحب يعقوب مراد لسوريا وثقافتها الغنية. ويقول: "لا يمكن قط تصور مدى عطش الناس في سوريا للثقافة"؛ وإنَّهم يحتاجون إلى المسرح والموسيقى والفن والمعارض، "مع أنَّنا كانت لدينا ثروة ثقافية كبيرة. ولم تدرك أجيال برمتها أي شيء عنها".