موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٨ ابريل / نيسان ٢٠٢٣
المطران وردة يترأس صلاة الجمعة العظيمة في كاتدرائيّة مار يوسف بعنكاوا

ستيفان شاني :

 

بخشوعٍ وتضرّعٍ أمام الصليب المقدّس، ترأس المطران بشار متي وردة، رئيس أبرشيّة أربيل الكلدانيّة، المراسيم الاحتفالية بمناسبة الجمعة العظيمة، وذلك في كاتدرائية مار يوسف في بلدة عنكاوا، عاونه الأب سافيو حندولا. وحضر الصلاة المطران نيقوديموس داوود متى شرف راعي أبرشية الموصل وكركوك وأقليم كوردستان للسريان الأرثوذكس.

 

وبعد صلاة الفرض، قدّم المطران وردة عظة تناولت معاني الغفران والتوبة لله ومسامحة الآخرين، والتي جاءت في الكتاب المقدس في العهدين القديم والجديد والمتمثلة بالمسامحة الكبرى على صليب المجد. وركز سيادته على فحوى ما جاء في الكتاب المقدس ومعناه الكبير أن يفتح الإنسان قلبه أمام الله ويعترف بالخطيئة وينعم بالغفران والرحمة من ربنا يسوع المسيح.

 

وفيما يلي عظة سيادته:

 

"يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لو 23: 34)

 

يذكرُ لنا بُطرس الرسول، وعلى لسان مرقس الإنجيلي، أن أولَ عبارة نطق بها يسوع عندما بدءَ تبشيره كانت: "قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللَّهِ فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ" (مر 1: 15)، واليوم، ومن على الصليب، يُصلي إلى الله الآب قائلاً: "يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لو 23: 34)، فهو تجسّد ليدعونا أن نقبّلَ غفران الله لنا، وأن نعودَ إلى بيتهِ، لأننا نجهلُ ما تقودنا إليه خطيئتنا، وكلُّ ما نُشاهده من حولنا يُشير إلى أنَّ الإنسان، بتكبره وعناده وحماقتهِ، سيجعل العالم خالياً من روح الله. جهالةُ الإنسان تجعلهُ يعتقد متوهماً أنه قادرٌ لوحدهِ على كلِّ شيء، وهذا يجعل العالم جحيماً لا يُمكن العيش فيه بسلامٍ، وصلبُ يسوع البار شاهدٌ على ذلك، هو الذي بشّر بملكوت الله، وعلّم وشفى، وشهِد له القريبون منه أنه كان: "إِنْسَاناً نَبِيّاً مُقْتَدِراً فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَمَامَ اللهِ وَجَمِيعِ الشَّعْبِ" (لو 24: 19)، حتّى أن معارضيه قالوا عنه: "نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللَّهِ مُعَلِّماً لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ مَعَهُ" (يو 3: 2).

 

عارضه رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيون وشيوخ الشعب، وخذلهُ تلاميذه، وسٌلِمَ للموت كذباً وافتراءً وبشهادة زور. استهزاء المارّة به، كذلك كلُّ مَن تجمع حولَ صليبهِ. احتقروه وأشعروه أنَّ الله تركهُ وحيداً، غير قادِر على فعلِ شي، وعاجزٌ تماماً عن أن يُخلِص نفسه، وسخِر رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب منه: "خَلَّصَ آخَرِينَ فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَهُ إِنْ كَانَ هُوَ الْمَسِيحَ مُخْتَارَ اللهِ"، "إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ فَخَلِّصْ نَفْسَكَ وَإِيَّانَا!" (لو 23: 35/39).

 

حملَ ربّنا يسوع الصليب وهو عارفٌ أنه يواجه الموت. وإذا فكّرنا مثل الذين كانوا يتفرجون على مشهد حملِ الصليب في شوارع أورشليم وعلى الجلجلةِ، فإننا سنقول مع أنفسنا أن لا معنى لحياة الرحمة والطيبة التي عاشها يسوع مع الآخرين، هو الذي كانت يداه مُمتدة دوماً لاستقبال التائبين، ليهبَ لهم بدءً جديداً. لا منفعة لكلِّ هذه الخبرات الصالحةِ، فالموت آتٍ لا محالة، والفناء سيقضي على كلِّ شيءٍ، وهناك مَن يريد قتل يسوع البار وإسكات صوتهِ، فاقتاده إلى موضوعٍ يُسمّى الجلجلة (الجمجمةِ)، المكان الذي كانوا فيها يُعاقبون المجرمين بالصلب والموت، ويتركونهم للجوارح والحيوانات المفترسة لتنهشَ جثثهم. وهناكَ مَن حرِصَ ألَّا يبقى ليسوعَ ذكرٌ، فاقتسموا حتّى ثيابهُ واقترعوا عليها (لو 23: 34).

 

مرارةُ التفكير تكون في أن يكون الموت ظلماً، فالجميع يعرِف أن ربّنا يسوع لا يستحقُّ مثل هذا المصير، فبكت نساء أورشليم عليه، وشهِدَ لص اليمين له وهو يوبّخ شريكهُ قائلاً: "أَوَلاَ أَنْتَ تَخَافُ اللهَ إِذْ أَنْتَ تَحْتَ هَذَا الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ؟ أَمَّا نَحْنُ فَبِعَدْلٍ لأَنَّنَا نَنَالُ اسْتِحْقَاقَ مَا فَعَلْنَا وَأَمَّا هَذَا فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئاً لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ" (لو 23: 40- 41)، فنال غُفران يسوع من على الصليب.

 

فمَن يظنُّ أنَّ ربنا يسوع عاجزٌ عن فعلِ شيءٍ في مواجهة الموت، يتفاجأ من صلاة يسوع الأولى من على الصليب: "يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ". مازالَ هو صاحبُ المُبادَرة، ولم يستسلم أمام الموت، بل بقيَّ إيمانهُ راسخاً بالله أباً، فنادهُ: "يا أبتاه"، مُعلناً أنَّ الله الآب قريبٌ منه ولم يتخلَّ عنه، طالباً الغفران للذين رفضوا رسالتهُ وأساؤوا إليه وافتروا عليه كذباً، وسلموه حسداً وعذبوه ظلماً، وصلبوه غدراً، لتغلِبَ المحبة على العداوة والحقد.

 

ربّنا يسوع هو سيّد الأحداث، ففغر لصالبيه وللمُستهزئينَ به، بمعنى، أنَّ ما فعلوه هو خطيئةٌ، بل ظلمٌ، وجريمةٌ لا يُمكن أن تُنسى، فهي حصلت ويتحمّل مسؤوليتها كلُّ مَن اشترَك فيها أو سكتَ عنها، ولكنَّه، أي ربّنا يسوع، يؤكِد أن الكلمة الأخيرة ليست للشرِ الحاصل وكأنه قدرٌ محتوم على الإنسان أن يرضخ له، بل لكلمة الله التي تُسمي الخطيئة مثلما هي، وتُشير إلى الخطيئة مُطالبةً بالعدالة، لكن تتجاوزها بالغفران، فالإنسان، وبدافع الحسد أو الجشع، يستسلمُ لمشاعره ويسلك وفقَ غرائزه ويجهلُ ما يفعلهُ، فلو كان يعرِف الحقيقة، لتحررَ ليفعلَ ما هو صالحٌ، فالحقيقة تُحررُ الإنسان (يو 8: 32).

 

نقرأ في سفر الملوك الأول قصّة الاستيلاء على كرم نابوت، فيقول الكاتب المُلهَم أن الملك أخاب، أرادَ أن يستملِك كرماً يملكهُ نابوت، لأن الكرم يقع بجانب قصرهِ، ليوسِع من سلطته وعظمتهِ من خلال استملاك المزيد من الأراضي. عرض أولاً رغبته على نابوت بـأن يشتري منه الكرم، ورفض نابوت التنازَل عن كرمه، فهو إرث الآباء والأجداد، وهذا حقهُ، فغضب الملك المتعطش إلى السلطة، وذهبُ حزيناً إلى فراشهِ، فقد شعرَ بالإهانةِ، ورفضَ أن يأكل، فسألتهُ إيزابيل زوجته الوثنية عن سبب الكآبة التي هو فيهاِ، وروى لها ما حصل مع نابوت، فحدثّته وأشارت إليه بخطّة تستولي من خلالها على الكرم، وذلك من خلال تلفيق تهمةِ التجديف على نابوت، وقامت هي بتنفيذ الخطّة باحترافية، فكتبتَ رسائل باسم أخاب إلى شيوخ الشعب والأشراف في المدينة، مُطالبة بصومٍ لأن نابوت جدّف على اسم الله. لاحظوا كيف يستخدم الرؤساء اسم الله باطلاً في عطشهم للسلطة والتملّكِ، وجاؤوا بشهادي زور على نابوت، فثُبِتت الجريمة عليه، واُخرِجَ خارج المدينة وهناك رجموهُ ومات، واستولى أخابُ على الكرم (1 مل 21: 1- 16).

 

يقيناً، أن كثيرين كانوا آنذاك يعرفون أن نابوت هو بريءٌ، ولكنهم خافوا من بطش الملك وغدر حاشيته، وأنه سيحصل على ما يرغبهُ، وليس هناك مِن قوّة قادرةٌ على أن توقفهُ أو تدافعُ عن حقِّ الضعفاء أمام جبروت الأقوياء والمتنفذين، وهذا لسان حالِ الناس أينما كانوا، وجميعا يشهدُ لسطوّة الحكّام، وكثرة المتملقين من حولهم، فهذه ظاهرة كلِّ العصور، وكم من بريءٍ يُظلَم وتهان كرامته، وتُسلّب حقوقه، وباسم الله.

 

ولكن ليس الأمر هكذا أمام الله، الذي بعث إيليا النبي، هو الذي يرى بعيون الله، فاستدعى آخاب الملك وزوجتهِ للمحاسبة، ووجه لهم تهمة القتل بدافع الطمع والجشع وحبّ التسلط وعبادة الأوثان، وفضحَ خطيئتهما، ولم يترك للتاريخ أن يقول كلمته، بل أعلن حُكمَ الله، الذي لا يسكت أمام الظلم الحاصِل: "هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَلْ قَتَلْتَ وَوَرِثْتَ أَيْضاً؟ فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَحَسَتْ فِيهِ الْكِلاَبُ دَمَ نَابُوتَ تَلْحَسُ الْكِلاَبُ دَمَكَ أَنْتَ أَيْضاً" (1 مل 21: 19)، فإلهنا لا يقبل بأن يستمر الظلمَ، هو الذي وعدَ قائلاً: "طُوبَى لِلْحَزَانَى لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ" (مت 5: 4).

 

هكذا نحن أيضاً، نعتقد أن مَن هناك يضمر لنا الشر، ويحاول إيذاءنا عمداً، وهو واعٍ تماماً لما يفعل لأنّه إنسانٌ خاطئٌ وشرير، متناسين قول ربّنا يسوع أنّه من القلب تنبع الأفكار الشريرة والتي تُفسِد الإنسان (مر 7: 20 -23)، وتشوّه صورة الله التي خُلِقَ عليها. وعندما يُصلي ربّنا يسوع اليوم: "يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لو 23: 34)، يكشِف لنا عن حقيقة أنَّ جهالةِ الإنسان بالمقاصد السيئة التي في قلبه، تجعله لا يعي خطورة مواقفهِ وأحكامه. له عيون لكنّه لا يرى، وآذان لكنها لا تسمع مثلما أشارَ النبي ارميا: "اِسْمَعْ هَذَا أَيُّهَا الشَّعْبُ الْجَاهِلُ وَالْعَدِيمُ الْفَهْمِ الَّذِينَ لَهُمْ أَعْيُنٌ وَلاَ يُبْصِرُونَ. لَهُمْ آذَانٌ وَلاَ يَسْمَعُونَ." (ار 5: 17)، فلا يُمكن أن يكون الإنسان واعياً تماماً لتبعات الشر الذي يفعلهُ، ويبقى يواصل فعل الشر.

 

فاعل الشر إنسان جاهلٌ، لا يُريد أن يتفحّص نواياهُ ويُسيطر على مشاعر الحسد والطمع والجشع التي في قلبهِ، ولأنه ينتفعُ معنوياً أو ماديا من فعلتهِ الشريرة، يُواصِل فعلتهُ الشريرة، ولكنَّ نورَ الله يبقى يشعُّ دوماً في قلبهِ، وعلينا أن نؤمنِ أنّ هذا النور سيُشرِق ليفضح الخطيئة، فنسمع لوقا الإنجيلي يقول اليوم: "وَكُلُّ الْجُمُوعِ الَّذِينَ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ لِهَذَا الْمَنْظَرِ لَمَّا أَبْصَرُوا مَا كَانَ رَجَعُوا وَهُمْ يَقْرَعُونَ صُدُورَهُمْ." (لو 23: 48)، بمعنى أنَّ نور المسيح الغافِر من على الصليب بدءَ ينسل إلى قلوبهم، وصاروا يقرعون صدورهم لينكسِر هذا الجمود، ويلين القلب ويسمح لنعمةِ الله أن تُشرِقَ عليه. حتّى يهوذا الإسخريوطي، عَرِفَ أنه سلّم دماً بريئا، وندِمَ وأعادَ الفضّة (مت 27: 3-5)، لكنّه فقدَ الرجاء الإيمان برحمةِ الله وغفرانهِ، ولم يسمح لنور المسيح الغافِر أن يشفي قلبهُ، هذا النور الذي كشفَ لبطرس لاحقاً ضعفهُ وجُبنهُ، ولكنه حوّطه بالمحبةِ ليعود ويؤكد لربّنا أنه يبقى صديقهُ حتّى وإن لم يكن أميناً معه أحياناً، فكرر ولثلاث مراتٍ: "يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ" (يو 21: 15-17).

 

الكلمة الأخيرة إذن هي لله الذي يرى ويحكم على فعلِ الإنسان الخاطئ بسبب جهله وقساوة قلبهِ، وهو رؤوف وطويل الأناة، ينتظر توبة الإنسان، فيغفِر له ويهبَ له بداية جديدة، مُحرراً إياه من خطيئة الماضي التي تسلبهُ حياتهُ الحاضرة، فكم من إنسان ما زالَ أسير ماض، ومحبوس في قصصِ من الأيام عتيقةٍ، وبحاجة لمَن يفكّ أسره ويبعث فيه الحياة من جديد؟ جميعنا واعٍ لأن لمواقفنا الخاطئة، وسلوكياتنا الشريرة عواقبَ وخيمة سواءَ أكانَ ذلك في حياتنا أو حياة مَن هم من حولنا، والعدالة تتطلّب أن ينالَ كلَّ ذي حقٍ حقّهُ، ولكن، مَن ذا الذي سيبقى على قيّد الحياة إن كانت العدالةُ هي مطلبنا الأوحد؟ لذلك صلّى داود للربِّ متضرعاً: "يَا رَبُّ اسْمَعْ صَلاَتِي وَأَصْغِ إِلَى تَضَرُّعَاتِي. بِأَمَانَتِكَ اسْتَجِبْ لِي بِعَدْلِكَ. وَلاَ تَدْخُلْ فِي الْمُحَاكَمَةِ مَعَ عَبْدِكَ فَإِنَّهُ لَنْ يَتَبَرَّرَ قُدَّامَكَ حَيٌّ" (مز 143: 1- 2).

 

يروي لنا الكاتب المُلهَم في سفر الخروج قصّة نصب عجلٍ من ذهبٍ على يدِ هارون بطلبٍ من الشعب (خر 32)، وكيف جمع الذهب والفضة من الشعب وصنع لهم العجل، وبنى مذبحاً له ونادى بتقديم الإكرامِ له، وكيف أوقفَ الله حديثه إلى موسى وطلبَ منه أن ينزلَ لأن الشعب فسُد بسبب عنادهِ، فنزلَ موسى، وغضِبَ لما وصل إليه الشعب من توثنٍ، وأحرقَ العجلَ، ووبخَ هارون أخيه لفعلتهِ هذه، ومعاقبة المسؤولين عن هذه الإهانة الصريحة لله الذي خلّصهم من عبودية مصرَ، وأخرجهم أحراراً، ودبّ{هم في البرية، وسارَ أمامهم نحو أرض الميعاد، لكنّه وقفَ أمام الله مُصلياً بتواضعٍ إليه أن يغفِرَ للشعب خطيئتهُ، وقساوة قلبهِ، فصلّى متضرعاً من أجل الشعب: "اهِ قَدْ أخْطَا هَذَا الشَّعْبُ خَطِيَّةً عَظِيمَةً وَصَنَعُوا لأنْفُسِهِمْ الِهَةً مِنْ ذَهَبٍ. وَالانَ انْ غَفَرْتَ خَطِيَّتَهُمْ - وَالا فَامْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ الَّذِي كَتَبْتَ" (خر 32: 31- 32). بعبارة أخرى: هذا الشعب يستحق الموت لفعلته هذه، وأنا مُستعدٌ لأن أقبل الموت على نفسي من أن يموتَ واحداً منهم، فهذه إهانةٌ لك يا الله، فالشعوب ستستهزأ قائلة: "أخرجَ الشعب إلى البرية ليفنيهم هناك، مع أنه كان يعرف أنه شعبٌ شرير".

 

نقفُ أمام صليب ربّنا يسوع المسيح، نسمعه يُصلي من أجل الشعب الخاطئ أيضاً: "يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لو 23: 34). لا تأخذ عليهم هذه الجهالة، وأنا مُستعد أن أحمل على نفسي العواقب. اِغفِر لهم عنادهم وقسوة قلوبهم، فهم يجهلون ما يفعلون، وعادَ بطرس ليُذكرَ الشعب بذلك يوم العنصرة قائلاً: "وَالآنَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُمْ بِجَهَالَةٍ عَمِلْتُمْ كَمَا رُؤَسَاؤُكُمْ أَيْضاً" (أع 3: 17)، جهلٌ يصل إلى مرحلة اضطهاد الأبرياء: "أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلاً مُجَدِّفاً وَمُضْطَهِداً وَمُفْتَرِياً. وَلَكِنَّنِي رُحِمْتُ، لأَنِّي فَعَلْتُ بِجَهْلٍ فِي عَدَمِ إِيمَانٍ" (1 تيمو 1: 13)، فالإنسان بتكبره يتوهَم أنه عارفٌ بكلِّ شيء، فيُعاندِ ويقسو ويُهينُ ويكذب ويفتري حتّى يصل إلى إهانة الآخرين، بل إنهاء حياتهِم، وهنا يجب أن يجب أن يُصغوا إلى صوت الضمير الذي يوقظه على جهالتهِ هذه، ويكتشِف أنه ضالٌ، بل يستحق الموت، لولا رحمةُ الله التي تُعطيهِ بدءً جديداً، لأنَّ الله يُحبُّ الإنسان، ومحبتهُ تغفرَ له خطاياه قبل أن يسأل الغفران: "وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَأةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا. فَبِالأَوْلَى كَثِيراً وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ الآنَ بِدَمِهِ نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَبِ. لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ فَبِالأَوْلَى كَثِيراً وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضاً بِاللَّهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الَّذِي نِلْنَا بِهِ الآنَ الْمُصَالَحَةَ" (روم 1: 8- 11).

 

هناك العديد من قصص الغفران في العهد القديم، فعيسو غفرَ ليعقوب إهانته له وسلبهُ ما اعتقد أنه حقّه المشروع، وتقدّم يعقوب إليه بعد سنوات طالباً رضاهُ (تك 33: 1- 16)، مثلما غفرَ يوسف لإخوتِه بعد أن تيقّن من أنهم تغيروا عمّا كانوا في السابق، وصاروا مُستعدين لأن يُقدموا حياتهم الواحد عوضَ الآخر (تك 44- 45)، ورفع موسى الصلاة من أجل الشعب الذي توقّف عن إكرام العجل الذهبي، كما غفرَ الله لداود بعد أن ندِم على خطيئتهِ (2 صم 12: 1- 13)، ولشعب نينوى التائب بالرماد والمسوح (يو 3: 4- 10)، وغيرها كثير من القصص التي تشترِط أولاً: التوقّف عن الخطيئة والتوبة عنها من خلال ندامةٍ صادقة يُعلن من خلالها الخاطئ أنه مسؤولٌ عمّا حصل، ولن يتهِمَ أحداً بالخطيئة التي اقترفها، ويلتزِم بأن لا يرجع إلى الخطيئة من جديد، وبالتالي يتطلّع إلى مُستقبلٍ جديد. لقد تغيّر الخاطئ، وهو يستحقُ أن يُغفَر له ويُمنَح له فرصة حياة من جديد، ويُترَك للمُعتدى حق المُطالبة بالتعويض المعنوي أو المادي، أو التنازل عنه.

 

لكنّ، ما حصل مع ربّنا يسوع، هو أنهّ يغفِر للذين أهانوه وعذبوه وصلبوه، وهم مازالوا يستهزؤونَ به، فيمنح الغفران لمَن لم يُفكِر بالتوبة بعدُ، أو يتوقّف عن الخطيئة، لأنّه يعرِف قلبَ الإنسان، ويُعرِف أنه جاهلٌ عندما يتركبُ الخطيئة. هو يدينُ أفعالهم لأنها مرفوضة، ولكنّه ينزع عنها سطوتها وقُدرتها على تحطيم الرجاء الذي فيهم، ويُحررهم منها فيغفر مجاناً ولا يُطالبُ بالتعويض عن الإهانةِ المُرتكّبَة ضدّه، بل يُقدِم من أجلهم مُبررٌ واحد: هم جهلةٌ لا يعرفونك يا أبتاهُ، أنت الذي خلقتهم على صورتِك ومثالِك (تك 1: 26- 28)، ونفختَ فيهم من نَفَسِك الإلهي (تك 2: 7)، وأفعالهم الشريرة لا تجعلهم أشراراً في عينيكَ، وأنا أعرِفُك أباً، وأبوّتُك تجعلني أطلبُ لهم المغفرة منّك لهم، لأني أعرِف أنّك تُحبُهم، وحُبك لهم يغفِر لهم جهالتهم، فالحبُّ هو الغفران نفسه، وما قيمة الحُبِّ إن لم يكن غفراناً متواصلاً يسمح للإنسان بأن ينمو وينضج؟

 

"أبتاه" مُناداةٌ تُشير إلى أهمية الإيمان بالله أباً مُحبّا ورحوما وغفوراً، فلولا هذا الإيمان لما كان الغفرانُ ممكناً. لربما نتحدّث عن تسامحٌ أو تغاضٍ أو تناسٍ، ولكنّ، الحديث عن الغفران والمُصالحة بالمعنى الذي قصدّه ربّنا يسوع، لن يكون إلا من خلال الإيمان به أباً، الذي يُريد خلاصنا، وليس تحريرنا من حالةٍ الحزن أو القلق أو الغضب، يعني، يُريد تقديسنا لنكون على مثال صورة ابنه، وهو يُرافقنا لنُحقِقَ مشيئتهُ هذه.

 

الغفران يسبق التوبة، بل يُحفّزها ويجعلها ممكنة، فلأننا مؤمنون بمحبةِ الله، ونعرِف أنه أبٌ رحوم ورؤوفٌ، نتجرأ للوقوف أمامهُ بتواضعٍ ونقبلُ غفرانهُ مثلما حصل مع الابن الضّال، الذي كان واثقاً من أنَّ محبّة أبيه ستشملهُ بالرحمة (لو 15: 11- 32)، الرحمة التي لا تتأثّر بقسوةِ قلب الإنسان، بل تبقى أمينةً: "هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ابْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هَؤُلاَءِ يَنْسِينَ وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ" (اش 49: 15).

 

الغفران يُحررنا من الماضي الذي يُؤلمنا، ويشفينا من جراحٍ تؤذينا، فلا غرابة أن تكون الكنيسة جماعة الغفران التي تتغذّى بجسد ربّنا يسوع المسيح المُعطى لها لغفران الخطايا (متّ 26: 28)، وأوكلَ ربّنا يسوع إليها مَهمّة غفران الخطايا: "اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ" (يو 20: 23)، لأنَّ الكنيسة هي جماعة المؤمنين الخطأة الذين أنعمَ الله عليهم بالغفران، وصالحهم بيسوع المسيح، ليُشاركوا الآخرين بهذا الغفران. لذلك، عندما نغفرُ للآخرين زلاتهم، فإننا نُعلِنُ في الوقت نفسه استسلامنا لحياة يسوع الذي يحيا فينا، فلسنا نحن الذين نحيا، بل المسيح يحيا فينا (غلا 2: 20).

 

نحن واعون أننا لسنا قادرين على تجاوز إهانات الآخرين، مثلما نحن واعون أيضاً أنَّ فينا رغبة في الانتقام وتحقيق العدالة لأنفسنا، ولكنّ، علينا أن نعيّ أن ما نُريده لأنفسنا يجب أن نرغبهُ للآخرين أيضاً، لذلك، وجَبَ أن نتذكّر أننا مراراً ما نُخطأ بحقِّ هذا أو ذاك جهلاً، أو أن أحدهم اختلقَ الأكاذيب على هذا، أو ذاك، بدافعِ الغضب أو الحسد، ونريدهم أن يغفروا لنا زلاّتنا، وأن يكونوا أحراراً من غضبهم أو رغبتهم في الثأرِ والانتقام، ليمنحوا لنا فرصة الاعتذار عن الخطأ الحاصِل، والتعويض ما حصلَ من قبلنا من من قصورٍ، من أجل مواصلة العلاقة.

 

"يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لو 23: 34)، تضرعٌ من قبلِ إنسان بارٍ، لم يسمح للحسدِ أو الكراهية أو الغضب أن تٌفسِدَ طهارة قلبهِ، فكسر شوكة الخطيئة، وأوقفَ في جسدهِ المجروح بإهانات الآخرين رغبة الانتقام، وحوّل العداوة إلى سلامٍ، فكانت أولى كلماته بعد القيامة: "سلامٌ لكم" (يو 20: 21)، فأخرجهم من الخوف الذي جعلهم محبوسين خوفاً من اليهود، وخجلاً من أنفسهم لأنهم خانوا الربَّ وتركوه، فجاء الغفران خلقاً جديداً.

 

"يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لو 23: 34)، تضرعٌ من قبلِ إنسان حُرٍ تماماً، فهو ليس أسيرَ الغضب ولا يُريد الانتقام من أعدائه، لأنَّ الله أبيه "يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ" (1 تيمو 2: 4)، وهو لا يُريد أن يموتَ الخاطئ، بل أن يتوب ويحيا (حز 18: 23).

 

"يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لو 23: 34)، تضرعٌ من قبلِ إنسان قوي قادرٌ على أن يُسيطر على مشاعره، ويوجهها نحو الحياة لا الموت، فهو يرى المُستقبل حاملاً إليه السلام والمصالحة، وليس الإدانة، لأنه لم يأت ليدين العالم، بل ليُخلِص العالم، فيُحرره من خطايا الماضي، ويحوّله إلى إنسانٍ جديد.

 

"يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لو 23: 34)، تضرعٌ من قبلِ إنسان يُريدنا أن ندين سلوكيات الإنسان الخاطئ، شرطَ أن نُحافِظ على كرامتهِ. هو يعرِف أن تحقيق العدالة المثالية على الأرض أمرٌ صعبٌ، لذا، يبدأ مسيرة تحقيق هذه العدالة من قلبهِ.

 

"يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لو 23: 34)، تضرعٌ من قبلِ إنسان يعرِف أن الغضب والعداوة مشاعرٌ قاتلة للحياة، ولا يُمكن حملها طويلاً، وستجعلنا مرضى مُثقلينَ بالغضب والعداوة، لا نقوى على مواصلة الحياة، لذا، يغفِر وينزع هذا الثقل عن كاهلهِ ليسير الحياة بحملٍ خفيف.

 

"يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لو 23: 34)، تضرعٌ من قبلِ إنسان يُدرِكَ أنه هو الذي اختارَ هذا الطريق، وعَرِف أنه سيواجه الرفض والإهانة والموت، وهو مسؤولٌ عن ذلك، فهو قالَها مُسبقاً: "لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً" (يو 10: 18).

 

"يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لو 23: 34)، تضرعٌ من قبلِ إنسان حُرٍ يعرِف أنه أُهينَ وسُلبَت كرامته، لكنّه حُر ولا يُريد أن يبقى في حالة الضحيّة، أو أن يُدحرِجَ التهمّة على الآخرين، بل ينفتح للحياة ويكسر حلقة العنف والانتقام، ليترجّى حياة جديدة، لمُستقبلٍ جديد لا نُكرِر فيه خطايا الماضي، فالماضي ذكرى وعبرة ولن يكون موجهاً لحاضرنا ومُستقبلِنا.

 

"يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لو 23: 34)، تضرعٌ من قبلِ الابن من أجل الإنسان الذي يُحبهُ الآب جداً، ويُريده أن يكون قريباً منه، في بيته، ولأنّ محبتهُ للإنسان كبيرة، لا يُمكن له إلاَّ أن يغفرَ له ويقبلهُ فرحاً.

 

"يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لو 23: 34)، تضرعٌ من قبلِ الابن الذي يعرف الإنسان، ويعرِف أنَّ في قلبِ كلَّ إنسان خاطئ رغبةٌ صادقة في التوبة، وشعورٌ بالذنب عمّا اقترفهُ من أخطاءٍ وخطايا، ويريد البدءِ من جديد، ويترجّى مَن يُنعِم عليه بفرصة ثانية، وها هو يهبها محبةً.

 

نتقدم أمام صليبك يا ربُّ، نقبلُ بامتنان غفرانَك لنا جهالتنا، وبطلان أفكارنا، وتعاسة مواقفنا، وشرّ أفعالنا.

 

نتقدّم أمام صليبِك يا ربٌّ، لنتعلّم منّك أن نغفرَ لمَن أساء إلينا مثلما غفرتَ أنت لنا.

 

نتقدّم أمام صليبك يا ربُّ، لنتشجّع ونغفِر لمَن أهانَ كرامتنا، وننزع عن قلوبنا ثقل مشاعر الغضب القاتلة.

 

نتقدم أمام صليبِك يا ربُّ، لنستلِهمَ القوّة منّك ونتخلّى عن أثقالِ الماضي، ونتحرر من الغضب الذي يأسرنا منذ سنوات.

 

نتقدّم أمام صليبِك يا ربُّ، متضرعين أن تبقى تشفعُ لنا، لأننا في جهالتنا نخطأُ ولا نعرِف عظيمَ محبتِك.

 

نتقدّم أمام صليبَك يا ربُّ، عازمين على أن نتحمّل مسؤولية خطايانا، فلا نتهمُ الآخرين، ولا نُبررُ ضعفنا، بل نؤمِنَ بأنّك تُحبنا مثلما نحن.

 

نتقدّم أمام صليبك يا ربٌّ، مؤمنين أنَّ لنا أباً رحوماً ينتظر توبتنا بفرحٍ.

 

نتقدّم أمام صليبك يا ربُّ، لنقف مع والدتُك، أمنا مريم، ونرفقها في حزنها هذا، هي التي تشفعُ لنا، وتُصلي من أجلنا دوماً.

 

فيا أمنا الحنون، ساعدينا لنعملَ بكلِّ ما يقوله لنا ابنُك، فنغفِر لمَن لم يطلب المعذرة منّا، لينعم قلبنا بسلام المسيح.

 

جميعنا بحاجةٍ إلى نورِ المسيح الشافي، ليدّلنا على الطريق الذي يمنح لنا السلام، ويرفع عن حياتنا الحزن والغضب.

 

صليّ من أجلنا يا امنّا، ومن أجل كلِّ مَن يجهل محبّة يسوع ابنك، الذي وهبَك لنا أماً، ليقول لنا: أنتم جميعاً إخوة وأخوات،

 

يا قديسة مريم، صلّي لأجلنا، وكوني إلى جانبنا.

 

آمين.