موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٢٩ مارس / آذار ٢٠٢٣
المرأة في كهنوت العهد الجديد
"في تعليم الكتاب المقدس والكنيسة الكاثوليكية حول إمكانية منح سر الكهنوت للمرأة"
عيسى أبوجابر، مربي تعليم مسيحي

عيسى أبوجابر، مربي تعليم مسيحي

عيسى أبوجابر :

 

"فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه، ذكراً وأنثى خلقهم." (تك1: 27) من هنا وقبل كل شيء نجد أن الكتاب المقدس الذي يبين فكر الله لا يفضّل أحد على الآخر، فالرجل والأنثى كلاهما متساويان وعلى صورة الرب الإله قد خُلِقا.

 

في حوارنا حول إمكانية رسامة المرأة في الكنيسة الكاثوليكية، من الواضح أن الجواب الرسمي في تعليم الكنيسة لا يمكن قبول النساء لدرجة وسر الكهنوت. لكن من الواجب علينا كمؤمنين أن نبحث ونراجع المصادر الرسمية وقبل كل شيء الكتاب المقدس، حول ما يقال عن هذه القضية. لا يجب أن نقبل الأفكار ونضعها في نطاق الجواب الرسمي المُنزل دون البحث والتدقيق حولها، وهذا بكل بساطة ليس بهدف عملية عدم الإيمان، بل الشك المؤدي للإيمان وعملية تشغيل العقل الذي هو هبة من الله العلي لنا، فنعرف القصد من تعليم الكنيسة الجامعة وبالتالي نفهم ما نؤمن به، فيصبح الإيمان ليس مجرد أفكار في الهواء الطلق، بل إيمان معاش في الواقع هنا واليوم.

 

فلماذا يُعد الكهنوت الخِدَمي للرجال فقط؟

ألم يكن هناك شماسات منذ أيام الكنيسة الأولى؟ أليس من الممكن أن يكون هناك كاهنات أيضاً؟

 

إذا بحثنا حول كهنوت العهد الجديد، أي كهنوت يسوع الذي هو على رتبة كهنوت ملكيصادق، "إلى حيث دخل يسوع من أجلنا سابقا لنا وصار عظيم كهنة للأبد على رتبة ملكيصادق." (عب6: 20) نجد خلال حياة يسوع هناك الكثير من النساء والرجال الذين تبعوه وعاونوه في رسالته، لكنه في الواقع اختار إثناعشر رجُلاً ليكونوا رُسلاً له، وهذا واضحاً في إنجيل القديس مرقس حين قال: "وصعد الجبل ودعا الذين أرادهم هو فأقبلوا إليه. فأقام منهم اثني عشر لكي يصحبوه، فيرسلهم يبشرون، ولهم سلطان يطردون به الشياطين. فأقام الاثني عشر: سمعان ولقبه بطرس، ويعقوب ابن زبدى ويوحنا أخو يعقوب، ولقبهما بوانرجس، أي: ابني الرعد، وأندراوس وفيلبس وبرتلماوس، ومتى وتوما، ويعقوب بن حلفى وتداوس وسمعان الغيور، ويهوذا الإسخريوطي ذاك الذي أسلمه." (مر3: 13- 19) واضحاً هنا في اختياره للأشخاص الذين سيكونوا في المستقبل رعاة لأتباعه كلهم من الرجال ولم يُذكر من بين جميع الأسماءأي اسم امرأة قط.

 

كما وعندما قام بتأسيس سري الإفخارستيا والكهنوت المترابطان مع بعضهما البعض في حياة الكنيسة والإيمان المسيحي، أثناء ليلة العشاء الأخير لم يكن في العُلية سوى يسوع والإثني عشر تلميذاً، "ولما كان المساء، جاء مع الاثني عشر." (مر14: 17) فلم ينل سوى تلك الرجال الخدمة الكهنوتية، ولم يكن هناك أي امرأة من بينهم حتى أم يسوع مريم لم تكن هناك في تلك اللحظات.

 

في عملية الإختيار هذه، أي على الجبل حين دعا الإثني عشر ومن ثم في ليلة العشاء الأخير، نفهم أن قرار يسوع هذا ضمنياً كي يصل بهم الى الدعوة التي أرادهم من أجلها، وهي قيادة الكنيسة بعد صعوده إلى يمين الآب السماوي، وأن يتم من خلالهم التسلسل الرسولي الذي نعيشه لغاية هذا اليوم. هذا القرار النابع من يسوع المسيح بحد ذاته لم يكن خاضعاً لمراعاة الثقافة الأبوية في ذلك الوقت، فأهل ذلك الوقت يشهدون ليسوع أنه لا يراعي أحد سوى مشيئة الله والحق، "ثم أرسلوا إليه تلاميذهم والهيرودسيين يقولون له: يا معلم، نحن نعلم أنك صادق، تعلم سبيل الله بالحق، ولا تبالي بأحد، لأنك لا تراعي مقام الناس." (مت22: 16). كما وأيضاً الكنيسة بما أن روح يسوع، روح الحق يقودها ويمنحها المشورى في تعليمها فهي تجرِ على ما يعلمها يسوع ولا تبالي في الثقافة السائدة، إن كانت هذه الثقافة ثقافة علمانية متحضرة أم أبوية متشددة، فالكنيسة "سنية لا دنس فيها ولا تغضن ولا ما أشبه ذلك، بل مقدسة بلا عيب." (أفسس5: 27) حتى على مدى التاريخ لم يُسمع قط أن هناك كاهنة تحت إسم المسيح بالرغم من أن في بعض الأديان الأخرى كان هناك كاهنات يقمن بدورهن الكهنوتي حسب تعاليم الدين التي يدينن به، على سبيل المثال "الكاهنة ديهيا" كاهنة البربر (585- 712م)، فالكهنوت النسوي غير غريب عن ذلك الزمن، وعقلية الناس في المجتمعات القديمة.

 

إننا في جماعة المؤمنين في الكنيسة كلنا من نساء ورجال نُعد كهنة "وجعل منا مملكة من الكهنة لإلهه وأبيه." (رؤ1: 6) وذلك بفعل مفاعيل سر العُماد المقدس والتي هي الكهنوت، النبوة والملوكية، أي نحن شعب كهنوتي نبوي وملوكي؛ لكن هذا الكهنوت مختلف تماماً في الجوهر والدرجة عن الكهنوت الخِدَمي الذي يدعى إليه أَناس مختارين من قِبَل الله والكنيسة أيضاً، فلا يحق لأحد بمطالبة هذه الدرجة الكنسية الأسرارية لأنها دعوة خاصة من الله والكنيسة للشخص نفسه.

 

ليس إلا حَبر واحد مُقام بين الله والناس وهو يسوع المسيح ربنا، وكِلا النوعين من الكهنوت داخل الكنيسة مشتركين في كهنوته الواحد، لكن كل منهما بطريقته الخاصة. يعيش المؤمنون المعمدون كهنوتهم من خلال تقريب ذواتهم قرابين حية لله، "إني أناشدكم إذا، أيها الإخوة، بحنان الله أن تقربوا أشخاصكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله. فهذه هي عبادتكم الروحية" (رو12: 1)، وأيضاً من خلال الشهادة للمسيح في كل مكان وزمان، ومن خلال عيش الأسرار المقدسة، والصلاة، والشكر والحمد، وشهادة الحياة والكفر بالذات، وعيش المحبة المسيحية، وهذا كله يعاش بحسب كلٌ ودعوته الخاصة في المجتمع والكنيسة. أما الرجال الذين في حالة الكهنوت الخاص، فيمارسون كهنوتهم الخِدَمي من خلال تنشئة الشعب الكهنوتي وتقديسه وقيادته، بالإضافة إلى عيش كهنوتهم العام الذي قد وُهِب لهم من خلال سر العماد المقدس، هم الذين يكرسهم الأسقف، ويُختارون من قِبَل الله والكنيسة. فيسوع ربنا نفسه الذي قد أراد أن يكون هناك رجال مختارين لتكملة رسالته الخلاصية وإعلان البشرى السارة للخلق أجمعين وقيادة الكنسية.

 

إن الدرجات الكهنوتية في الكنيسة هي ثلاث، الأسقفية، الكهنوتية، الشماسية، في تأملنا للكتاب المقدس لا نجد أسقفات أو كاهنات، بل شماسات " أوصيكم بأختنا فيبة شماسة كنيسة قنخرية." (رو16: 1) وللتوضيح بالرغم من أنه هناك بعض النساء الشماسات، هذا لا يؤهلهن لقبول سر ودرجة الكهنوت لأن الغاية من الدرجة الشماسية هي الخدمة وليس العمل الكهنوتي، فوظيفة هذه الدرجة معاونة الأساقفة أو الكهنة في خدمهم الرعوية والكنسية. "فدعا الاثنا عشر جماعة التلاميذ وقالوا لهم: ((لا يحسن بنا أن نترك كلمة الله لنخدم على الموائد. فابحثوا، أيها الإخوة، عن سبعة رجال منكم لهم سمعة طيبة، ممتلئين من الروح والحكمة، فنقيمهم على هذا العمل، ونواظب نحن على الصلاة وخدمة كلمة الله )). فاستحسنت الجماعة كلها هذا الرأي، فاختاروا إسطفانس، وهو رجل ممتلئ من الإيمان والروح القدس، وفيليبس وبروخورس ونيقانور وطيمون وبرمناس ونيقلاوس وهو أنطاكي دخيل. ثم أحضروهم أمام الرسل، فصلوا ووضعوا الأيدي عليهم." (أع6: 2- 4).

 

في الرسالة الباباوية "كرامة المرأة" (1988) التي وضعها البابا القديس يوحنا بولس الثاني، يوضح لنا لِما السيد المسيح قد اختار أن تكون الدعوة إلى الكهنوت الخِدَمي هي للرجال فقط من دون النساء. بدءاً يبين قداسته أن السيد المسيح قد تصرف بحرية مُطلقة في إختياره هذا دون تأثير إجتماعي، ووضح ثلاثة أسباب تحدد بأن الكاهن المسيحي يجب أن يكون رجُلاً وليس امرأة. أولاً، العلاقة بين المسيح والكنيسة علاقة زوجية، فيسوع هو العريس وعروسه هي الكنيسة، وهذا واضحاً في عدة مراجع من أسفار العهد الجديد،حيث يقول: "فإني أغار عليكم غيرة الله لأني خطبتكم لزوج واحد، خطبة عذراء طاهرة تزف إلى المسيح." (2كو11: 2) "أيها الرجال، أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة وجاد بنفسه من أجلها. ليقدسها مطهرا إياها بغسل الماء وكلمة تصحبه، فيزفها إلى نفسه كنيسة سنية لا دنس فيها ولا تغضن ولا ما أشبه ذلك، بل مقدسة بلا عيب. وكذلك يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم حبهم لأجسادهم. من أحب امرأته أحب نفسه. فما أبغض أحد جسده قط، بل يغذيه ويعنى به شأن المسيح بالكنيسة. فنحن أعضاء جسده. (( ولذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته فيصير الاثنان جسدا واحدا )). إن هذا السر لعظيم، وإني أقول هذا في أمر المسيح والكنيسة. فكذلك أنتم أيضا فليحب كل منكم امرأته حبه لنفسه، ولتوقر المرأة زوجها." (أف 5: 25- 33) "لنفرح ونبتهج! ولنمجد الله، فقد حان عرس الحمل، وعروسه قد تزينت." (رؤ19: 7) "ورأيت المدينة المقدسة، أورشليم الجديدة، نازلة من السماء من عند الله، مهيأة مثل عروس مزينة لعريسها." (رؤ21: 2). يضيف قداسة البابا حرفياً بما يتعلق في هذا السبب في الرسالة نفسها (رقم 26)  "في الإفخارستيا يتجلى سرياً (المسيح)، وقبل كل شيء، عمل المسيح – العريس الفادي تجاه الكنيسة- العروس. ويصبح هذا واضحاً ولا لَبس فيه، عندما يقوم الرجل نفسه بخدمة سر الإفخارستيا، حث يعمل الكاهن ((في المسيح)).

 

السبب الثاني الذي يبينه البابا القديس، هو أن للرسل وحدهم أعطيت وصية سر الإفخارستيا (اصنعوا هذا لذكري)، "ثم أخذ خبزاً وشكر وكسره وناولهم إياه وقال: (( هذا هو جسدي يبذل من أجلكم. إصنعوا هذا لذكري))." (لو22: 19). أما السبب الثالث الذي يعرضه قداسته أن في مساء يوم القيامة للتلاميذ وحدهم أعطى سلطان غفران الخطايا. "قال هذا ونفخ فيهم وقال لهم: (( خذوا الروح القدس، من غفرتم لهم خطاياهم تغفر لهم، ومن أمسكتم عليهم الغفران يمسك عليهم ))." (يو20: 22-23).

 

إن أمنا الكنيسة الواحدة، المقدسة، الكاثوليكية، الرسولية، لهي أم ومعلمة، فتعاليمها ومبادئها مبنية على تعاليم ربنا يسوع المسيح، التي تحترم كرامة المرأة ودورها الهام في الكنيسة والمجتمع وهذا ما يوضحه أيضاً البابا القديس يوحنا بولس الثاني في رسالته "العلمانيون المؤمنون في المسيح" (1988، رقم 49) حين قال: "هناك ضرورة ملحة للدفاع عن كرامة المرأة الشخصية، وبالتالي، عن مساواتها بالرجل، وتعزيز هذه الكرامة وهذه المساواة، في مواجهة التمييز الذي تخضع له المرأة، لمجرد كونها امرأة، ووضعها على هامش المجتمع." "إن الاعتراف الصريح والواضح بكرامة المرأة الشخصية، يشكل الخطوة الأولى لتعزيز مشاركتها الكاملة، سواء في حياة الكنيسة، أو في الحياة الاجتماعية والعامة." هذا الإحترام الذي تكنه الكنيسة للمرأة والبُعد النسوي من المؤكد لا يجب أن يشوه ما يعلمنا إياه الوحي الإلهي، فالوحي الإلهي لا يخضع للروح العصرية، بل يجب على العصر والثقافة السائدة في المجتمعات أن تخضع لفكر وعقلية وتعليم المسيح الرب حتى تكون خليقة جديدة حسب إرادته له المجد.

 

للإضافة ومن واجب المحبة التي تجمعنا نحن المسيحيين بالرغم من كل إختلاف، يجب على المؤمنون الكاثوليك والأرثوذكس أن يدركوا الفارق حول سر الكهنوت في كنائسهم، ودرجة القسيسية في الكنائس البروتستانتية بشكلٍ عام، فهناك فارق جوهري وهو أن حتى لو الكنائس البروتستانتية الشقيقة تسمح بمنح درجة القسيسية للمرأة هذا لا يعني أنها أصبحت كاهنة، فبحسب اللاهوت الخاص بهم، لا يوجد سر الكهنوت، ولا تمنح به المرأة المتقدمة لهذه الدرجة (القسيسية). وهذا بالإضافة لسر الإفخارستيا الذي أيضاً هناك فرق في الفكر للاهوتي بين الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية التي تؤمن بالإستحالة الجوهرية للخبز والخمر، والكنائس البروتيستانتية التي لا تؤمن بتلك الإستحلة الجوهرية، فهو مجرد تذكار يعمل على التذكير بالعمل الفدائي الذي قام به يسوع الفادي من أجل خلاص الإنسان.

 

هذا الإختلاف لا يجب أن يقود المؤمنين من بين جميع الكنائس أن يقللوا شأن أي طرف من بين جميع الأطراف، ولا يجب أن نعيد التعديات والتحديات التاريخية التي كانت بيننا بين بعض نحن المسيحيين بسبب اللإختلافات الإيمانية والإنشقاقات الكنسية، لأننا كلنا مسيحيون تحت وسم سر المعمودية المقدس. إن السيد المسيح قد أعطانا وصية المحبة، "أعطيكم وصية جديدة: أحبوا بعضكم بعضا. كما أحببتكم أحبوا أنتم أيضا بعضكم بعضا." (يو13: 34) وصلى أيضاً أن نكون واحداً كما هو واحداً مع الآب السماوي، "فليكونوا بأجمعهم واحدا: كما أنك في، يا أبت، وأنا فيك." (يو17: 21). فالإخلاف يجب أن يُحترم ويناقش بآدب وأخلاق المسيح، والتشابه يجب أن يشجعنا على درب الوحدة الكنيسة التي طالما قد تقنا إليها.

 

"لتبق المحبة الأخوية ثابتة. أذكروا رؤساؤكم، إنهم خاطبوكم بكلمة الله، واعتبروا بما انتهت إليه سيرتهم واقتدوا بإيمانهم. إن يسوع المسيح هو هو أمس واليوم وللأبد." (عب13: 1؛ 7-8)

 

 

المراجع:

البابا يوحنا بولس الثاني، (1988)، العلمانيون المؤمنون بالمسيح، جل الديب: منشورات اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام.

البابا يوحنا بولس الثاني، (1988)، كرامة المرأة، جل الديب: منشورات اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام.

(1991) التعليم المسيحي لكنيسة الكاثوليكية، تر. المتروبوليت حبيب باشا وآخرون، جونيه: منشورات المكتبة البولسية.

(2012)، المجمع الفاتيكاني الثاني دساتير-قرارات-بيانات، ط3، تر الأب حنا الفاخوري وآخرون، جونيه: منشورات المكتبة البولسية.

(1998)، الكتاب المقدس، تر. الرهبانية اليسوعية، بيروت: دار المشرق.