موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٧ يوليو / تموز ٢٠١٤
المحكمة اللاتينية ترد على "مشروع قانون مجالس الطوائف الدينية غير المسلمة"

المحكمة الكنسية اللاتينية :

لم يكن اعتراض الطوائف المسيحية في الأردن على "مشروع قانون مجالس الطوائف الدينية غير المسلمة لسنة 2014" والذي جرى تعديل مسماه ليصبح "مشروع قانون مجالس الطوائف الدينية المسيحية لسنة 2014" نابعاً من فراغ، بل لأن فيهما يعارض الدستور الأردني، والأسس التي تقوم عليها وتتبعها محاكمنا الكنسية.

وقبل تسليط الضوء على بعض النقاط القانونية الجوهرية يجدر القول أننا لا ننكر سعي الحكومة لتأمين حدٍ أعلى من القانون للمواطنين الأردنيين المسيحيين من خلال التأكد من صلاحية المحاكم الكنسية في الأردن وتوفر الشروط اللازمة لتحقيق العدالة.

تعترض المحكمة الكنسية على مادتين من القانون المذكور أعلاه:

أولاً: المادة 7 من المشروع، وقد نصت على ما يلي: "تختص محكمة البداية النظامية بالنظر في جميع المسائل المنصوص عليها في هذا القانون والفصل فيها إذا لم يكن لأفراد طائفة دينية غير مسلمة محكمة...".

وهذا يعني أن كل الطوائف التي ليس لديها محكمة يجب أن تُحال جميع مشاكل الأحوال الشخصية لأبنائها إلى المحكمة النظامية.

عملياً هذا يعني ما يلي:

ليس للموارنة وللكلدان وللأرمن الكاثوليك وللسريان الكاثوليك وللأقباط الكاثوليك وللآشوريين ولعدد من الطوائف الأخرى محاكم كنسية... أبنائهم يتوجهون إلى المحاكم النظامية لطلب بطلان الزواج والطلاق وكل الأمور الأخرى الناجمة عن الزواج. طلب التفسيح من زواج غير مكتمل يُقدم إلى المحكمة النظامية وليس إلى قداسة البابا السلطة الوحيدة في الكنيسة التي تعطي التفسيح منه. وطلب بطلان الزواج لأي سبب كنسي من الأسباب التي سنتها الكنيسة يُقدم إلى المحكمة النظامية.

وهذا يعني في النتيجة:

أ- إن المحاكم النظامية هي صاحبة اختصاص في أمور سر الزواج المقدس، وأن السلطة المدنية التي لا سلطة كنسية لها هي التي تمنحها الصلاحية. وهذا ليس فقط تجاوز الخطوط الحمراء للإيمان المسيحي الكاثوليكي ولغير الكاثوليكي ولكنه يعني أيضاً تغول المحكمة النظامية على المسيحيين في أمور أحوالهم الشخصية الناجمة عن سر الزواج المقدس.

ب- كما يعني أيضاً أن المحاكم النظامية ستعطي الطلاق المدني لزواجات كنسية، ومن يحصل على الطلاق المدني لا يستطيع أن يتزوج في الأردن زواجاً مدنياً لأن الأردن لا يوجد فيه أي تشريع للزواجات المدنية.

فهل من مصلحة الأردن أن تفتح الحكومة الباب للطلاق المدني لزواجات كنسية؟ وهل من مصلحة الأردن أن تتدخل من خلال تشريعاتها في ثوابت الإيمان المسيحي الكاثوليكي؟

ثانياً: البند (أ) من المادة 31 يخالف الدستور والثوابت المسيحية الكاثوليكية

مخالف للدستور ويناقض موادّ وردت في المشروع، كما يخالف ما نشأت عليه المحكمة اللاتينية منذ قبل نشأة الأردن.

فالمادة المذكورة: تمنح مجلس الوزراء "صلاحية إصدار أنظمة لتنفيذ أصول التقاضي والإجراءات لدى المحكمة الكنسية، وهو بذلك يخالف النص الدستوري للبند الثاني من المادة 109 من الدستور.

لو اقتصر نص البند (أ) من المادة المذكورة على القول: "يصدر مجلس الوزراء الأنظمة اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون"، أي لو اقتصر على نص عام وشامل، لما كان لدينا أي اعتراض. ولكنه تجاوز ذلك وخالف بوضوح تام النص:

المخالفة الأولى: وهي أن البند الأول من المادة المذكورة يعطي صلاحية التطبيق لمجلس الوزراء إذ نصّ على أنه لمجلس الوزراء أن يصدر الانظمة اللازمة لتنفيذ هذا القانون...

"... بما في ذلك... نظام أصول التقاضي وإجراءاته لدى المحكمة ومحكمة استئناف الطائفة الدينية غير المسلمة...". بينما الدستور يعطي صلاحية التطبيق لمجالس الطوائف الدينية، إذ ورد بوضوح تام في البند الثاني من المادة 109 منه ما يلي:

"تُطبِّق مجالس الطوائف الدينية الأصول والأحكام المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية التي لا تعتبر من مسائل الأحوال الشخصية للمسلمين الداخلة في اختصاص المحاكم الشرعية على أن تنظم تشريعات هذه المجالس شروط تعيين قضاتها وأصول المحاكمات أمامها".

أما المخالفة الثانية هي إلزام المحاكم الكنسية بتطبيق قانون أصول المحاكمات المدنية بدلاً من أصول محاكماتها الكنسية. وهذا يعني أن قوانين محاكمنا التي تسير عليها الكنيسة منذ ألفين سنة في العالم كله ويتبعها حالياً مليار و200 ألف كاثوليكي أصبحت في مهب الريح تتلاعب بها الحكومة كما تريد، وهذا غير مقبول على الاطلاق.

إن المحاكم الكاثوليكية في الأردن تقوم برسالتها بموجب الإرادة الملكية السامية، وتُسيّر أعمالها استناداً إلى مجلة الحق القانوني الصادرة في عام 1983 والمترجَم إلى اللغة العربية والمُتضمِّن 1752 مادة. كما يتضمن أصول المحاكمات وشروط تعيين القضاة والبيِّنات والشهود والاستئناف وذلك ضمن المواد 1400-1707 وهذا يتطابق ولا يَحيد عمّا جاء في البند الثاني من المادة 109 من الدستور الأردني التي تنص على ما يلي: "تُطبق مجالس الطوائف الدينية الأصول والأحكام المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية التي لا تعتبر من مسائل الأحوال الشخصية للمسلمين الداخلة في اختصاص المحاكم الشرعية، على أن تنظم تشريعات هذه المجالس شروط تعيين قضاتها وأصول المحاكمات أمامها".

إن القوانين والأنظمة والأصول الكنسية الكاثوليكية مجبولة بالإيمان المسيحي والتقليد المسيحي عبر مئات السنين. فهي أكثر من قوانين وأنظمة وأصول: إنها تُعبّر عن الإيمان في كل الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية وبالمشاكل التي تنشأ بين المؤمنين أنفسهم، وبينهم وبين الإكليروس، وبين الإكليروس والإكليروس، وبين الرهبان والرهبان، وهي كلها أمور لا مثيل لها في القوانين والأنظمة والأصول النظامية.

نتمنى على مجلس الأعيان، وهو المرحلة الأخيرة في المجريات القانونية ليصبح المشروع قانوناً يُعمل بموجبه، أن يتجاوب معنا وأن يُدرك الأهمية للمادتين المذكورتين من المشروع لكي يجري التعديل على النص فلا يتعرض الوجود المسيحي إلى "خضّة" رهيبة تتجاوز الخطوط الحمراء للإيمان المسيحي.

أما بالنسبة للطوائف التي ليس لديها محاكم فمن المنطق أن يُحوِّل رئيسها الديني أبناءه المتخاصمين في أمور الأحوال الشخصية الناجمة عن سر الزواج المقدس إلى المحكمة الكنسية الأقرب إليه من حيث الإيمان والتشريع، وهكذا تبقى كل أمور الأحوال الشخصية للمسيحيين في إطارها المسيحي، علماً بأن جميع الكنائس مستقلة في شؤونها التنظيمية والعقائدية، ولا يحق لأية سلطة دينية كانت أم مدنية أن تتدخل بأنظمتها وقوانينها، كما لا يحق أبداً اعتبار المسيحيين وكأنهم "طائفة واحدة" أو "كتلة واحدة" في أمور ذات صلة مباشرة أو غير مباشرة بالعقائد والتشاريع المسيحية.

رئيس المحكمة الكنسية اللاتينية
الأب الدكتور جهاد شويحات