موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
شارك عميد دائرة الكنائس الشرقية الكاردينال كلاوديو غوجيروتي، عصر أمس الاثنين، في لقاء عُقد في الجامعة الغريغورية الحبرية، لمناسبة تقديم كتاب جديد للمطران سامويلي سانغالي بعنوان "أصداء الأزمة في لبنان: صراع أم تعايش؟". ألقى نيافته للمناسبة كلمة أكد فيها أن بلاد الأرز تشكل تجربة للتعايش بين الشعوب ولتنوّع الكنائس المسيحية، وقال إن لبنان هو بمثابة يوتوبيا جريحة لا بد من الحفاظ عليها حية تفادياً للعنف الذي يقسّم ويعاني منه العالم كله.
توقف المسؤول الفاتيكاني في مداخلته عند الغنى الذي يتمتع به هذا المجلد الجديد، الذي يعلّم الطلاب أن العالم معقد، وأن للتعايش أبعاداً مختلفة لا يمكن تجاهلها، إذ يعتمد عليها بقاء مجتمع، كالمجتمع اللبناني المعاصر، الذي يشكل تجربة للتعايش بين مختلف الشعوب والكنائس المسيحية. وتحدث نيافته عما سماها بـ"المعجزة اللبنانية" وبالنموذج اللبناني الغني الذي جعل من البلاد "سويسرا الشرق" قبل أن تنزلق إلى الأزمة الاقتصادية الحالية.
لم تخلُ مداخلة الكاردينال غوجيروتي من تقديم لمحة تاريخية عن بلاد الأرز، متوقفاً عند التزام فرنسا، في فترة ما بعد الانتداب، في إرساء أسس نموذج سياسي خاص في بلد يضم مكوناً مسيحيا، كان يُعتبر أقلية. وذكّر أيضا بأن الإمبراطورية العثمانية، التي حكمت لبنان طيلة أربعة قرون، أقرت بحق الأقليات الدينية في إدارة شؤونها بذاتها، وهكذا أبصرت النور دويلات مستقلة تتألف من كنائس مسيحية مختلفة يرأسها بطريرك. لكن ضمن النموذج اللبناني لم تقتصر مسؤوليات الكنائس على إدارة شؤونها وحسب إنما شاركت أيضا في حكم البلاد.
بعدها تطرق عميد دائرة الكنائس الشرقية إلى الخبرة الكنسية اللبنانية التي تتمتع بتقاليد مسيحية ليست عربية ولا محلية مرتبطة بالحج، شأن التقليد الآشوري الكلداني، الذي وصل من الهند والصين، ليتماهى لاحقا مع الطابع العربي. ولفت إلى وجود جماعات مسيحية من أعراق مختلفة ما ولّد مشاكل مسكونية، نتيجة صعوبة التلاقي بين عشائر عرقية أكثر من صعوبة التلاقي بين العقائد الدينية. وتحدث غوجيروتي عن خبرة شخصية عاشها خلال عملية صياغة الإرشاد الرسولي ما بعد السينودوس بشأن لبنان. وقال إن الأسقف الماروني الذي صاغ المسودة الأولى للوثيقة أصر على ضرورة الإشارة إلى الرسالة العربية الفردية للبنان، مع أن المسيحيين اللبنانيين كانوا يرفضون في الماضي اعتبارهم من العرب. ورأى نيافته أن شيئاً ما تبدل لأن البطاركة تخلوا عن التكلم باللغة الفرنسية، وباتوا يتكلمون بالعربية، مضيفا أن الأقليات المسيحية أدركت أهمية أن تُقبل كواقع متصل بتلك المنطقة وليس غريباً عنها.
من بين المشاركين في اللقاء سفيرة لبنان لدى الجمهورية الإيطالية السيدة ميرا ضاهر التي أكدت أن بلادها ليست مجرد أرض إنما هي فكرة، توحدها الرغبة المشتركة في العيش معاً بسلام، مضيفة أن لبنان هو رمز للتنوع والصمود والأمل. وذكّرت الحاضرين بأن لبنان هو دولة مدنية كرّست الحريات الدينية، وليست دولة تيوقراطية، لافتة إلى أن لبنان ليس فسيفساء، إنما هو خليط بين المواطنين الذين يوحدهم حبُهم لوطنهم.
في سياق حديثها عن الكتاب الجديد قالت السفيرة اللبنانية إنها وجدت فيه مزيجاً من الآفاق، ويقدّم لبنان كمختبر يتم فيه البحث عن حلول ناجعة للصراعات الدائرة في المنطقة. وقالت إن مأساة الحرب الدائرة بين إسرائيل وحزب الله تحافظ على لحمة اللبنانيين، مضيفة أنها شاهدة على هذا الصمود. وختمت ضاهر مداخلتها معتبرة أن المنظومة السياسية المذهبية اللبنانية تشكل تحدياً وفرصة، وشددت على ضرورة الحفاظ على قيم الديمقراطية والحرية والتعايش كشهادة للوحدة والحوار والصمود في منطقة الشرق الأوسط.