موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
قال الكاردينال مايكل تشيرني، عميد الدائرة الفاتيكانيّة المعنيّة بتعزيز التنمية البشريّة المتكاملة، إنّ خطط الولايات المتحدة لحلّ الوكالة الأمريكية للتنميّة الدولية "متهورة" ويمكن أن تقتل الملايين، حاثًا إدارة الرئيس دونالد ترمب على تذكر المبادئ المسيحيّة في رعاية الآخرين.
وتأتي هذه التصريحات، بالتزامن مع تحذيرات وجهتها جمعيّة كاريتاس الكاثوليكيّة، الاثنين، من أنّ ملايين الأشخاص قد يموتون نتيجة للقرار الأمريكي "القاسي" بوقف تمويل الوكالة الأمريكية للتنميّة الدوليّة "بشكل متهور"، وبأنّ مئات الملايين سيُحكم عليهم بالفقر اللاإنسانيّ.
ووكالة USAID هي الذراع الإنساني والتنموي الدولي الرئيسي للحكومة الأمريكيّة. وفي عام 2023 تمكنت من إدارة أكثر من 40 مليار دولار، وهو ما يمثل حوالي 40% من ميزانية المساعدات العالميّة. واستهدفت إدارة ترامب الوكالة لمراجعة الإنفاق الحكومي الفيدرالي، وقد أدى تجميد التمويل الشامل إلى إغلاق معظم برامج الوكالة في جميع أنحاء العالم، على الرغم من أن قاضيًا فيدراليًّا أوقف يوم الجمعة مؤقتًا خططًا لسحب الآلاف من موظفي الوكالة من وظائفهم.
وفي مقابلة مع وكالة "أسوشيتد برس"، قال الكاردينال تشيرني، إنّ لكل حكومة جديدة الحق في مراجعة ميزانيتها للمساعدات الخارجيّة، بل وحتى إصلاح وكالة، مثل الوكالة الأميركيّة للتنميّة الدوليّة. ومع ذلك، أشار إلى أنّ حلّ وكالة بعد أن قدمت التزامات تمويليّة هو أمر مختلف تمامًا.
وأضاف "يتم تنفيذ البرامج، وهناك توقعات، بل ويمكن للمرء أن يقول التزامات، وإنّ انتهاك هذه الالتزامات أمر خطير. لذا، في حين أن كل حكومة مؤهلة لمراجهة ميزانيتها فيما يتصل بالمساعدات الخارجيّة، فمن الجيّد أن يكون هناك بعض التنبيه، لأنّ الأمر يستغرق وقتًا للعثور على مصادر تمويل أخرى، أو إيجاد طرق بديلة لمواجهة المشاكل التي نواجهها".
ومن بين أكبر المتلقين غير الحكوميين لتمويل الوكالة "هيئة خدمات الإغاثة الكاثوليكيّة"، وهي وكالة المساعدات التابعة للكنيسة الكاثوليكيّة في الولايات المتحدة، والتي دقّت بالفعل ناقوس الخطر بشأن التخفيضات. وقال الكاردينال تشيرني إنّ برامج أخرى، بما في ذلك برامج كاريتاس الدوليّة على المستويين الأبرشيّ والوطنيّ، تتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر.
وفي بيان لها، طلبت كاريتاس من الحكومات أن تدعو الإدارة الأميركيّة بشكل عاجل إلى التراجع عن مسارها. وقالت: "إنّ وقف الوكالة الأميركيّة للتنميّة الدوليّة من شأنه أن يعرّض الخدمات الأساسيّة لمئات الملايين من الناس للخطر، ويقوّض عقودًا من التقدّم في المساعدات الإنسانيّة والتنموية، ويزعزع استقرار المناطق التي تعتمد على هذا الدعم الحاسم، ويحكم على الملايين بالفقر المهين أو حتى الموت".
وأشار الكاردينال تشيرني إلى أن ميزانيّة الوكالة الأميركيّة للتنميّة الدوليّة، ورغم ضخامة حجمها، فهي أقل من نقطة مئوية واحدة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وهي جزء ضئيل من الدعوة التي يوردها الكتاب المقدّس لدفع العُشر بنسبة 10% من دخل الفرد.
وأقرّ نيافته بأنّ البابا فرنسيس اشتكى مرارًا وتكرارًا من أن المساعدات الغربيّة للدول الفقيرة مثقلة بشروط قد تكون غير متوافقة مع العقيدة الكاثوليكيّة، مثل البرامج التي تروج لأيديولوجية النوع الاجتماعي. وقالت إدارة الرئيس ترمب إنّها تستهدف هذه البرامج في تخفيضات الوكالة.
وأوضح مايكل الكاردينال تشيرني بأنّه "إذا كانت الحكومة تعتقد أن برامجها تعرّضت للتشويه بسبب الإيديولوجية، فمن الواجب عليها إصلاح هذه البرامج". لكنه لفت إلى أنّ "الكثيرين سيقولون إنّ إغلاق البرامج ليس أفضل وسيلة لإصلاحه".
ومن بين القضايا المثيرة للقلق أيضًا بالنسبة للفاتيكان، حملة إدارة الرئيس ترمب الصارمة على المهاجرين غير المسجلين. ففي الأسبوع الماضي، أفادت المتحدثة باسم البيت الأبيض أنّ أكثر من 8 آلاف شخص قد اعتقلوا ضمن إجراءات إنفاذ قوانين الهجرة منذ تنصيب الرئيس في 20 كانون الثاني. ويحتجز بعضهم في سجون فيدراليّة، بينما يحتجز آخرون في قاعدة غوانتانامو البحريّة في كوبا.
وقال تشيرني، الذي هاجر أفراد عائلته كلاجئين، من التشيك إلى كندا، بعد الحرب العالمية الثانيّة، "إنّ القمع هو وسيلة رهيبة لإدارة الأمور، ناهيك عن إقامة العدل. لذا، فإنني أشعر بالأسف الشديد لأنّ العديد من الناس يتعرّضون للأذى والإرهاب بالفعل بسبب هذه الإجراءات". وأضاف: "كل ما نستطيع أن نأمله هو أن يساعد الناس، شعب الله وأهل النيّة الحسنة، هؤلاء الأشخاص الضعفاء الذين أصبحوا فجأة أكثر ضعفًا".
وأصدر مجلس الأساقفة الكاثوليك في الولايات المتحدة بيانًا غير عاديًّا انتقد فيه بعض الأوامر التنفيذيّة الأوليّة للرئيس دونالد ترمب، قائلاً إنّ تلك الأوامر "التي تركّز على معاملة المهاجرين واللاجئين، والمساعدات الخارجيّة، وتوسيع عقوبة الإعدام، والبيئة، مزعجة للغاية وستكون لها عواقب سلبية، وأنّ كثيرًا منها سيضرّ بالأكثر ضعفًا فيما هم بيننا".
واستلهامًا من دعوة السيّد المسيح "للترحيب بالغريب"، جعل البابا فرنسيس من رعاية المهاجرين على رأس أولويات حبريته، حيث طالب الدول بالترحيب بالفارين من الصراعات والفقر والكوارث المناخيّة، وحمايتهم وتعزيزهم ودمجهم. وقال أيضًا إنّ الحكومات من المتوقّع أن تفعل ذلك إلى أقصى حدود قدرتها.
وخلص الكاردينال تشيرني في تصريحاته الصحافيّة إلى القول: "لا أعتقد أنّ أي دولة، باستثناء لبنان، وربما استثناء دولة أو اثنتين، قد تجاوزت هذا الحدّ حقًا. لذا أعتقد أن هذا يقع على عاتقنا أولاً وقبل كل شيء كبشر، كمواطنين، كمؤمنين، وفي حالتنا، كمسيحيين".