موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
تحتفل الكنيسة الكاثوليكية الجامعة بأحد الرحمة الإلهية، في الأحد الثاني من الفصح، والذي أسسه البابا القديس يوحنا بولس الثاني سنة 1992، وقد ميز الاهتمام بالرحمة الإلهية والتشديد على أهمية تذكرها واللجوء إليها حبرية البابا القديس، وهو ما نلمسه في الكثير من كلماته وعظاته وما كتب من وثائق.
ففي 7 حزيران 1999، أحد الرحمة الإلهية، تحدث قبل تلاوة صلاة افرحي يا ملكة السماء في ساحة القديس بطرس عن كون هذا العيد مناسبة كي ندخل كأفراد وككنيسة في الروح اليوبيلية الحقيقية حسب كلمات يسوع "روح الرب عليّ لأنه.. أرسلني... لأعلن سنة رضا عند الرب". وأعرب قداسته عن فرحه لحضور أعداد كبيرة من الكهنة والمؤمنين في الساحة محييًا إياهم على تعبدهم ليسوع الرحوم، وشجع الجميع على أن يكونوا في أوساط الحياة والعمل رسلا للرحمة الإلهية مثل فاوستينا كوفالسكا.
وتحدّث القديس يوحنا بولس الثاني عن شهادة الراهبة البولندية مشيرًا إلى أن الرحمة الإلهية قد جعلت حياة هذه الإبنة المتواضعة لبولندا مرتبطة بتاريخ القرن العشرين، فقد أوكل إليها المسيح بين الحربين العالميتين رسالته، رسالة الرحمة. وشدد على أن مَن يتذكرون ومَن كانوا شهودًا ومشاركين في أحداث تلك السنوات، والمعاناة الرهيبة الناتجة عن تلك الأحداث لملايين الأشخاص، يدركون جيدا كم هي ضرورية رسالة الرحمة هذه. وأضاف: أخبر يسوع الراهبة فاوستينا أن البشرية لن تجد السلام إن لم تلجأ بثقة إلى الرحمة الإلهية. وأشار إلى أنها ليست رسالة جديدة، لكن يمكن اعتبارها عطية منيرة بشكل خاص تساعدنا على أن نعيش بزخم إنجيل الفصح لنقدمه كشعاع نور لرجال ونساء زمننا.
وفي 30 نيسان 2000 أعلن البابا يوحنا بولس الثاني طوباوية الراهبة فاوستينا كوفالسكا خلال الاحتفال باليوبيل، وذكَّر حينها بأن الرحمة الإلهية كانت دائمًا في مركز روحانية الراهبة وفي مركز حياتها أيضًا. وكان البابا قد توجه إلى مزار الراهبة فاوستينا خلال زيارته الرسولية إلى بولندا في حزيران 1997، وقال حينها إنه يأتي إلى هذا المكان كي يوكل إلى المسيح الرحوم كل مخاوف الكنيسة والبشرية، وكي يوكل إلى يسوع مجدَّدا خدمته البطرسية.
ولا يمكن نسيان أن الرحمة الإلهية كانت محور الرسالة العامة للبابا يوحنا بولس الثاني "الغني بالمراحم"، والتي صدرت سنة 1980، ومن بين ما جاء فيها" "الكنيسة لا تستطيع أن تنسى، في أية لحظة ولا في أية حقبة من التاريخ، وبخاصة في حقبة حرجة كالتي يعيشها عصرنا، الصلاة التي هي صرخة لرحمة الله، إزاء أشكال الشر المتعددة التي تُثقل كاهل البشرية وتهددها.. فبقدر ما يرزح الضمير البشري تحت نير العلمانية، فينسى معنى كلمة "رحمة"، بقدر ما يبتعد عن الله، فيبتعد عن سر الرحمة، بقدر ذلك وأكثر، للكنيسة الحق والواجب أن تدعو إله الرحمة "بصراخ كبير".
كما لا يمكننا أن نتجاهل تطرق البابوات قبل وبعد البابا يوحنا بولس الثاني عن الرحمة الإلهية، فيكفي التذكير على سبيل المثال بكلمات البابا بولس السادس عقب الاحتفال برتبة درب الصليب سنة 1968 حين شدد على أن الصليب يطلق تيارا من الرحمة ويقدم لنا جميعًا ينبوع تلقينا المغفرة والفداء. وما قال البابا بندكتس السادس عشر خلال زيارته الرسولية إلى بولندا سنة 2006 حين تحدث عن كون الرحمة الإلهية تتجاوز أية مقاييس. ووصف خلال لقائه المرضى الضعف البشري والرحمة الإلهية بسرَّين يبدو للوهلة الأولى أنهما متناقضان، ولكن مع التعمق فيهما في نور الإيمان سنرى أنهما في تناغم متبادل بفضل سر صليب المسيح.