موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٩ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٤
التقرير الأول حول حماية القاصرين: لتعزيز استجابة "صارمة" للاعتداءات
بعد عشر سنوات من تأسيسها، تنشر اللجنة البابوية وثيقة أعدتها مجموعة من الخبراء الذين قاموا بأبحاث ودراسات في خمس قارات وفي مؤسسات وجماعات دينية مختلفة وفي الكوريا الرومانية. تم تحديد التقدم في أفضل الممارسات والخطوات التي يجب اتخاذها. وطالب التقرير بمزيد من الشفافية في جمع البيانات والمعلومات، وأبرز وجود تباين بين الكنائس المحلية في توفر أو عدم توفر هيكليات للإبلاغ وخدمات مرافقة.

فاتيكان نيوز وأبونا :

 

"أود منكم أن تعدّوا لي تقريرًا عن مبادرات الكنيسة لحماية القاصرين والبالغين المعرضين للخطر. قد يكون الأمر صعبًا في البداية، لكنني أطلب منكم أن تبدأوا من حيث يجب، لكي نتمكن من تقديم تقرير موثوق عما يحدث وما يجب تغييره، لكي يتسنى للسلطات المختصة أن تتصرّف".

 

استجابة لهذا الطلب الذي تقدّم به البابا فرنسيس، في خطابه أمام اللجنة البابويّة لحماية القاصيرن، في ختام جمعيتهم العامة في نيسان 2022، استجابت اللجنة (التي أسسها البابا عام 2014 بهدف تقديم المبادرات الأكثر ملاءمة لمنع الاعتداءات داخل الكنيسة) لدعوة البابا، ونشرت اليوم، 29 تشرين الأوّل، التقرير السنوي الأوّل حول السياسات والإجراءات الكنسيّة في مجال الحماية.

 

يجمع التقرير حوالي 50 صفحة، ومقسّم إلى أربعة أقسام، ويتضمن العديد من البيانات التي جُمعت من خمس قارات ومن مؤسّسات وجماعات دينية متعددة، وحتّى من الكوريا الرومانيّة التي تُدعى إلى شفافية أكبر فيما يتعلق بالإجراءات والعمليات.

 

 

آلام الضحايا وتعافيهم

 

تم إعداد الوثيقة من قبل مجموعة عمل برئاسة مود دي بوير-بوكويكيو، أحد أعضاء اللجنة وذات خبرة طويلة في الدفاع عن حقوق القاصرين. ويحمل غلاف التقرير صورة شجرة الباوباب، رمزًا "للصمود"، الذي أظهرته آلاف الضحايا في التبليغ والنضال لجعل الكنيسة مكانًا أكثر أمانًا واستعادة الثقة التي فُقدت بسبب هذه الجرائم.

 

ويُركز عمل اللجنة والتقرير ذاته على الضحايا، مع التركيز على آلامهم وتعافيهم.

 

 

المخاطر والتقدّم

 

يهدف التقرير إلى تعزيز التزام الكنيسة بتوفير استجابة "صارمة" لآفة الاعتداءات، على أساس حقوق الإنسان والتركيز على الضحايا، وذلك بما يتماشى مع الإصلاحات الأخيرة للكتاب السادس من القانون الكنسي الذي يعتبر جريمة الاعتداء انتهاكًا لكرامة الإنسان.

 

وتوثِّق الوثيقة المخاطر والتقدّم المحرز في جهود الكنيسة لحماية الأطفال. كما تجمع موارد وأفضل الممارسات لتتم مشاركتها في الكنيسة الجامعة، وتُعدّ أداةً للجنة لتقديم تقارير منهجية وتوصيات تُعرض على البابا، والضحايا، والكنائس المحليّة، وشعب الله.

 

 

تحسين الوصول إلى المعلومات

 

من بين "الاحتياجات" التي يسلط التقرير الضوء عليها ضرورة تحسين وصول الضحايا والناجين إلى المعلومات لتجنب التسبب بصدمة جديدة. ويؤكد النص على وجوب دراسة إجراءات تضمن حق كل فرد في الوصول إلى أي معلومة تخصه، مع "الالتزام بالقوانين والمتطلبات المتعلقة بحماية البيانات".

 

ويشدّد التقرير على الحاجة إلى "تعزيز وتوضيح اختصاصات كل دائرة من دوائر الكوريا الرومانية لضمان إدارة فعالة، وفي الوقت المناسب، وصارمة لقضايا الاعتداء المعروضة على الكرسي الرسولي". كما يشير إلى أهميّة تبسيط الإجراءات "عند الاقتضاء" لإقالة أو عزل الذين يشغلون مناصب مسؤولية.

 

وبحسب التقرير، هناك حاجة أيضًا إلى "تطوير إضافي لتعليم الكنيسة في مجال الحماية"، ودراسة الأضرار وسياسات التعويض من أجل تعزيز نهج صارم تجاه التعويضات؛ وتوفير الفرص الأكاديمية والموارد المناسبة للمهتمين بالعمل في مجال الحماية.

 

 

تحليل للكنائس المحليّة

 

يتحوّل القسم الثاني من التقرير إلى التركيز على الكنائس المحلية، ويتم عرض تحليل لعدد من المعاهد الكنسية. تقرّ اللجنة أولاً بأهميّة مرافقة قادة الكنيسة المحليّة في تحمل مسؤولية تنفيذ سياسات الوقاية والاستجابة. وتضمن أيضًا "تبادل بيانات موحدة" مع الأساقفة والرؤساء الدينيين المحليين، موضحةً أن مراجعة السياسات والإجراءات المتعلقة بالحماية تتم من خلال الزيارة التقليدية للأعتاب الرسولية، بناءً على طلب خاص من مجلس أساقفة معيّن أو إحدى المجموعات الإقليمية للجنة.

 

تقوم لجنة حماية القاصرين بفحص 15 إلى 20 كنيسة محليّة كل عام، بهدف مراجعة الكنيسة بالكامل على مدى 5-6 تقارير سنوية. يتضمن كل تقرير أيضًا تحليلًا لمجموعة مختارة من المعاهد الدينية. وتشمل مجالس الأساقفة التي خضعت للدراسة: المكسيك، بابوا غينيا الجديدة وجزر سليمان، بلجيكا، والكاميرون. أما المجالس الأسقفية التي قامت بالزيارة التقليدية للأعتاب الرسولية خلال فترة التقرير فهي: رواندا، ساحل العاج، سريلانكا، كولومبيا، تنزانيا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، زيمبابوي، زامبيا، غانا، جمهورية الكونغو، جنوب إفريقيا، بوتسوانا، إسواتيني، توغو، وبوروندي. والمعاهد الدينية المشمولة في التقرير هي: مرسلات سيّدة العزاء (النسائية) وجمعية الروح القدس (الرجالية).

 

 

الافتقار إلى الهيكليّة والخدمات

 

في تحليلها للكنائس المحليّة، لاحظت اللجنة أنه "بينما تُظهر بعض المعاهد والسلطات الكنسية التزامًا واضحًا في مجال الحماية، هناك البعض الآخر في بداية تحمّل المسؤولية المؤسساتية" تجاه ظاهرة الاعتداءات. وفي بعض الحالات، تجد اللجنة "نقصًا مثيرًا للقلق في وجود هيكليات للإبلاغ وخدمات مرافقة" للضحايا والناجين، كما هو مطلوب في الرسالة الرسولية Vos estis lux mundi.

 

 

تفاوتات بين المناطق

 

وأظهرت البيانات التي جمعتها اللجنة من المناطق القارية بعض التفاوتات؛ فعلى سبيل المثال، بينما استفادت بعض مناطق الأمريكتين، وأوروبا، وأوقيانيا من "موارد متوفرة بشكل كبير في مجال الحماية"، هناك جزء كبير من أمريكا الوسطى والجنوبية، وأفريقيا، وآسيا يعاني من "قلة الموارد المتاحة".

 

ولذلك تعتبر اللجنة البابويّة أنه من الضرورة بمكان "زيادة التضامن بين مجالس الأساقفة في مختلف المناطق"، و"تخصيص الموارد للوصول إلى معايير عالمية في مجال الحماية"، و"إنشاء مراكز للإبلاغ ومساعدة الضحايا/الناجين"، و"تطوير ثقافة حقيقية في مجال الحماية".

 

 

الكوريا الرومانيّة

 

أما القسم الثالث فيركز على الكوريا الرومانية، التي تُعتبر بمثابة "شبكة من الشبكات"، ويمكنها أن تمثل مركزًا لمشاركة أفضل الممارسات في مجال الحماية مع الكنائس المحلية الأخرى. ويؤكد التقرير أن "الكنيسة، في تنفيذ رسالتها لتعزيز حقوق الإنسان في المجتمع الأوسع، تتفاعل بنشاط مع سلسلة من السكان التي يجب أن تضمن لها معايير مناسبة في مجال الحماية".

 

 

الشفافيّة وجمع المعلومات

 

تقترح اللجنة البابوية تعزيز رؤية مشتركة وجمع معلومات موثوقة لتعزيز شفافية أكبر في الإجراءات وفلسفة التشريع الخاصة بالكوريا الرومانية فيما يتعلق بحالات الاعتداء. ويتم التأكيد على أن القسم التأديبي في دائرة عقيدة الإيمان قد شارك معلومات إحصائية محدودة حول نشاطاته، ويطالب معدو التقرير بالحصول على معلومات أوسع.

 

ومن بين الإجراءات الأخرى التي تمّت الإشارة إليها: "التواصل بشأن المسؤوليات المختلفة المتعلقة بالحماية في مختلف الدوائر"، "تعزيز تطوير معايير مشتركة في كل الكوريا الرومانية"، و"نشر مقاربات تعتمد على الصدمة وتركز على الضحايا والناجين ضمن أعمال الدوائر".

 

 

التركيز على كاريتاس

 

ويعرض التقرير أيضًا نتائج "دراسات حالات" حول منظمات كاريتاس: كاريتاس الدولية على المستوى العالمي، كاريتاس أوقيانيا على المستوى الإقليمي، كاريتاس تشيلي على المستوى الوطني، وكاريتاس نيروبي على المستوى الأبرشي. ويعترف بـ"التعقيد الكبير" في المهمة التي تقوم بها كاريتاس والتقدم الذي تمَّ إحرازه خلال السنوات الأخيرة في مجال الحماية؛ ومع ذلك، تشير اللجنة إلى "تباينات واسعة في الممارسات المتعلقة بالحماية بين المؤسّسات المختلفة"، وهو جانب يثير قلقها.

 

 

مبادرة Memorare

 

يتضمن التقرير أيضًا مبادرة "ميمورياري"، التي جمعت خلال العقد الماضي تمويلات من مجالس الأساقفة والرهبانيات لدعم الكنائس ذات الموارد المحدودة. وتهدف هذه المبادرة إلى تطوير مراكز للإبلاغ والمساعدة في جنوب العالم، وبناء قدرات للتنشئة على صعيد محلي، وإنشاء شبكة محلية من المتخصصين في مجال الحماية.

 

ويشير التقرير إلى أن اللجنة تلقت في عام 2023 تبرعًا سنويًّا أوليًّا بقيمة 500 ألف يورو من مجلس أساقفة إيطاليا (مع التزام إجمالي قدره 1.5 مليون يورو)، و35 ألف يورو من الأوساط الدينية، وتبرعًا سنويًّا أوليًّا بقيمة 100 ألف دولار من المؤسّسة البابويّة (مع التزام لثلاث سنوات قدره 300 ألف دولار في المجموع). إضافةً إلى ذلك، حصلت المبادرة على تعهد مجلس أساقفة إسبانيا بدعم مشاريع مختارة بتوجيه من اللجنة بمبلغ 300 ألف دولار سنويًّا (بإجمالي قدره 900 ألف دولار على مدار ثلاث سنوات).