موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١٢ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٥
البطريرك بيتسابالا يترأس قداسًا بمرور 150 عامًا على تأسيس كنيسة سيّدة الوردية في الكرك

أبونا :

 

ترأس بطريرك القدس للاتين، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، الجمعة، قداسًا احتفاليًا في كنيسة سيّدة الوردية بمدينة الكرك بمناسبة مرور 150 عامًا على تأسيسها. وشارك في القداس كاهن الرعيّة الأب علاء بعير، وعدد من الكهنة، وجمع غفير من أبناء الرعية وفعالياتها الرسولية.

 

وفي عظته، عبّر غبطته عن شكره لأبناء الرعيّة على حفاوة الاستقبال، مشيرًا إلى أن هذه الزيارة أتاحت له الفرصة للتعرّف عن قرب على واقع الحياة اليومية في الرعيّة. وقال: "من المهم أن نرى الواقع بأعيننا، فهو أعمق من أي تقارير أو أوراق تصل إلى مكتبي".

 

ورغم إشارته بأمّ هناك "الكثير من العمل أمامنا، غير أنه أشار إلى أنّ هذه الرعية "حيّة بفضل التزام أبنائها ودعمهم المتواصل للكنيسة". وشدّد على أهمية الاهتمام بالمدرسة والتفكير بمستقبل الشباب، مؤكدًا أن الانتماء الحقيقي يجب أن يكون أولاً للمسيح، الذي هو مصدر الحياة ومنبع كل عمل صالح.

 

مع الله نغيّر الواقع

 

وتزامن الاحتفال مع صلاة المسبحة التي ترأسها قداسة البابا لاون الرابع عشر في ساحة القديس بطرس على نية السلام، حيث أشار البطريرك إلى رمزية هذه المناسبة في كنيسة سيدة الوردية. ولفت إلى أن "نص البشارة الإنجيلي يحمل معنى جوهريًا، فهو يذكّرنا بأن الله القادر على كل شيء اختار أن يحقق الخلاص من خلال ’نَعَم‘مريم العذراء، وهذه النعمة غيّرت وجه العالم".

 

وأضاف: "بطاعتنا لله وباستجابتنا لمشيئته، يمكننا أن نغيّر الواقع من حولنا، لأن لا شيء مستحيل مع الله. ورغم الصعوبات التي عاشتها مريم، ظلّت أمينة لدعوتها وأسهمت بطاعتها في خلاص البشرية". وختم البطريرك بيتسابالا كلمته بدعوة المؤمنين إلى طلب شفاعة العذراء مريم، سيّدة الوردية، قائلًا: "لنطلب منها أن تملأ قلوبنا بالحرية الداخلية التي تجعلنا نجيب بنعم صادقة على مشيئة الله في حياتنا".

صفحات من مجد الإيمان ونبض الحضارة

 

وقبل منح البركة الختامية، ألقى كاهن الرعيّة الأب علاء بعير كلمة عبّر فيها عن خشوعه وفخره أمام الله الذي رافق رعيّة سيّدة الوردية منذ نشأتها وحتى اليوم، شاكرًا العذراء مريم على رعايتها الحنونة، إذ كانت وما زالت الأمّ الأمينة التي تحتضن أبناء هذه الأرض الطيبة برعايتها وصلواتها.

 

وقال: "الحديث عن رعيّة اللاتين في الكرك هو حديث عن صفحات من المجد الإيماني، ونبض من الحضارة، وتاريخ حيّ من التضحية والخدمة والمحبة والرجاء. فقد كانت هذه الرعيّة عبر العقود رئة الجنوب الكنسي، وأول موطئ قدم للبطريركية اللاتينية في هذه الربوع. إنّها أمّ الرعايا في الجنوب، ومنها انبثقت رعايا مادبا والسماكية وأدر، ومنها انطلقت شعلة الإنجيل بأيدٍ مؤمنة مفعمة بالرجاء".

وأضاف: "حين نقول رعية اللاتين في الكرك، فإننا نتحدّث عن أول مدرسة في المدينة، أول بيت تعليمي كنسي، وأول حضن تربوي احتضن أبناء الكرك جميعًا. هنا لم يكن التعليم امتيازًا بل رسالة، ولم يكن حكرًا بل شراكة مع الجميع. من هذه المدرسة تخرّج من صاروا لاحقًا قادة وأطباء ومعلمين وكهنة وراهبات. لقد حفرت هذه الرعية مكانتها في ذاكرة المدينة، لا بالحجارة، بل في الوجدان والضمير".

 

ولم يُخف الأب بعير الألم الذي تعيشه الرعية اليوم، قائلاً: "رعية الوردية تتألم من الهجرة، ومن تغيّر الزمن، ومن قلّة العدد، ومن وجع المكان الذي خفّ فيه صخب الحياة. لكنها رغم ذلك لا تموت. تتعب نعم، لكنها تبقى. تُجرَّب لكنها تصمد، لأنها رعية وُلدت من الإيمان، والإيمان لا يموت. ما بُني على الصخر لا يهتز، ونرجو أن تبقى الكرك كما كانت، عامرة بالإيمان والفرح، شاهدة على حضور الله الحيّ في هذه الأرض".

شكر وتقدير

 

ووجّه الأب بعير شكره العميق للبطريرك بيتسابالا على وجوده الأبوي، قائلًا: "نشكر غبطتكم لأنكم راعٍ قريب من جميع أبنائكم. وباسم أبناء الجنوب جميعًا، مسيحيين ومسلمين، نتقدّم بالشكر لمبادرتكم الأبوية حين أعفيتم الطلبة المتعثرين في مدارس البطريركية اللاتينية من الأقساط المتراكمة. لقد كانت خطوة إنسانية ورعوية تعبّر عن قلب أبٍ حقيقي يرافق أبناءه بالمحبة ويهتم بالصغير والكبير على حدّ سواء".

 

كما عبّر عن امتنانه العميق لمواقف البطريرك الثابتة والمشرّفة إلى جانب أهل غزة، وقال: "أنتم الذين لم تكتفوا بالصلاة من بعيد، بل دخلتم في الألم، ووقفتم إلى جانبهم، حاملين جراح غزة في قلوبكم، ورافعين صوتها في وجه العالم. لقد زرتم أرضها رغم المخاطر ثلاث مرات، وتطلقون اليوم مشروعًا إنسانيًا هو بمثابة معجزة رجاء في يوبيل الرجاء، بإنشاء مستشفى جديد في غزة. إنها شهادة حيّة على أنّ الكنيسة ليست فقط منبرًا للوعظ، بل يدٌ تلمس الجراح، وقلب يعرف أن يحبّ حتى في وسط الألم".