موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
عندما يقول يسوع "ما مِن خادِمٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَيْن"، فإنّه يدعونا إلى أسلوب حياة نحدّد فيه أين نضع قلبنا. هذا ما شدّد عليه البابا لاون الرابع عشر خلال ترؤسه قداس الأحد في رعيّة القديسة حنّة في الفاتيكان، صباح اليوم الأحد 21 أيلول 2025.
ويعود تاريخ هذه الرعيّة البابويّة إلى القرن السادس عشر، وقد عهد بها إلى الرهبان الأغسطينيين منذ عام 1929.
في مستهل عظته، تحدّث البابا إلى الحاضرين في الكنيسة القديمة معربًا عن سعادته بترؤس الاحتفال بالقداس الإلهي. وحيّا الرهبان الأغسطينيين الذين يخدمون في الرعيّة، وخاصة كاهن الرعيّة الأب ماريو ميلاردي، والرئيس العام الجديد للرهبنة الأب جوزيف فاريل، بالإضافة إلى الأب جيويلي سكيافيلا، كاهن الرعيّة من عام 1991 إلى عام 2006.
وأشار إلى أنّ الكنيسة تقع في مكان مميّز عند أحد المداخل الرئيسية للفاتيكان، وهو ما يرمز أيضًا إلى الخدمة الرعوية التي تمارس هنا: "نحن، إن صح التعبير، نوجد على الحدود"، كما قال، وأمام هذه الكنيسة يمرّ جميع من يدخلون إلى حاضرة الفاتيكان ويخرجون منها. وشكر قداسته أعضاء الرعيّة، الذين، بطرق مختلفة، "يساهمون في الحفاظ على حياة الرعيّة الجماعية، ويؤدون أيضًا رسالة سخيّة".
ولفت البابا لاون إلى أنّ البعض يمرون من أجل العمل، والبعض الآخر كضيوف وحجّاج، وبعضهم على عجل، والبعض الآخر بقلق أو هدوء، كما أعرب عن أمله في أن يشعر كل واحد "أن هنا توجد أبواب وقلوب منفتحة على الصلاة والإصغاء والمحبّة".
ولفت إلى أنّ إنجيل الأحد يدعونا لتفحّص علاقتنا بالرب بعناية، وبالتالي علاقتنا مع الآخرين. وأوضح أنّ يسوع يُقدّم خيارًا واضحًا جدًا بين الله والغنى، داعيًا إيانا إلى اتخاذ موقف واضح ومتسق: ’ما مِن خادِمٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَيْن"، وبالتالي ’لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِله ولِلمال‘.
وأضاف: "هذا ليس خيارًا عابرًا، كالعديد من الخيارات الأخرى، ولا خيارًا يمكن مراجعته بعد مرور الوقت وفق الظروف"، بل هو "يتطلّب أسلوب حياة حقيقي. الأمر يتعلّق بتحديد مكان وضع قلوبنا، وتوضيح من نحب حقًا، ومن نخدم بأمانة، وما هو الخير الحقيقي بالنسبة لنا".
واعتبر البابا أنّنا منذ ولادتنا نحتاج جميعًا إلى الرعاية والمحبة، إلى بيت، غذاء، ملابس، لكنه أشار إلى أنّ "التعطش وراء المال يخاضر بأنّ يحلّ مكان الله في قلوبنا عندما نعتقد أن المال هو ما سينقذ حياتنا – كما فعل الوكيل الخائن في المَثل". وحذّر من أنّ هذه التجربة تكمن "في الاعتقاد بأننا نستطيع أن نعيش حياة جيدة بدون الله، بينما بدون مال سنكون حزانى وكثقلين بالحااجات الكثيرة".
وأقرّ قداسته أنّه أمام العوز نشعر بأننا مهدّدون، لكن غالبًا بدل من أن نطلب المساعدة بثقة ونشارك بمحبّة وأخوّة "نميل إلى إجراء حسابات والاكتناز، فنشك في الآخرين ولا نثق فيهم" – وهو أسلوب تفكير تُحوِّل القريب إلى منافس أو غريم أو شخص يمكن استغلالهم.
وشدّد البابا لاون على أنّ "كلمة الرب لا تقسّم الناس إلى طبقات متنافسة؛ بل تحث الجميع على ثورة داخلية، وارتداد يبدأ من القلب"، وهي دعوة "ستنفتح أيادينا للعطاء لا للانتزاع، وستنفتح عقولنا للتخطيط لمجتمع أفضل لا لعقد صفقات بأفضل سعر".
وتابع البابا لاون الرابع عشر في عظته قائلاً: "اليوم، على وجه الخصوص، تصلي الكنيسة كي يكون حكام الأمم متحرّرين من تجربة استخدام المال ضد الإنسان، محوّلين المال إلى أسلحة تدمر الشعوب وإلى احتكارات تزدري العَمَلة".
وأكد الحبر الأعظم أن "مَن يخدم الله يصبح متحرّرًا من المال، أما مَن يخدم المال فيظل عبدًا له"، بينما "مَن يسعى إلى البِر يُحوِّل المال إلى خير مشترك"، أما "مَن يسعى إلى الهيمنة فيُحوِّل الخير المشترك إلى فريسة لجشعه". ولفت قداسته إلى أنّ الكتاب المقدّس يسلّط الضوء على هذا التشبث بالخيور المادية، الذي يجعل يربك قلوبنا ويُشوّه مستقبلنا.
وهكذا، شجّع البابا الحاضرين على المثابرة برجاء "في زمن تهدّده بشكل خطير الحرب".
وقال: هناك اليوم شعوبًا بكاملها يسحقها العنف، وتسحقها بشكل أكبر لا مبالاة شائنة تترك هذه الشعوب بمفردها أمام مصير بائس". وأكد البابا لاون أنّنا "لا نريد أن نذعن أمام هذه المآسي، بل أن نعلن بالكلمة وبالأفعال أن يسوع هو مُخلّص العالم، هو مَن يحررنا من كل شر".