موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٦ يونيو / حزيران ٢٠٢٥
البابا لتجمّع رواكو: لمواصلة مساعدة الشرق الذي يعاني من شراسة شيطانيّة غير مسبوقة

أبونا :

 

التقى البابا لاون الرابع عشر، الخميس 26 حزيران 2025، بالمشاركين في الجمعيّة العامّة لتجمّع المؤسّسات لمساعدة الكنائس الشرقيّة (رواكو) حيث شدّد على ضرورة مواصلة دعم الشرق المسيحيّ الذي يضربه "العنف الحربي بشراسة شيطانيّة غير مسبوقة".

 

وأشار قداسته إلى أنّ "القلب ينزف" عند التفكير في أوكرانيا، و"في الوضع المأساوي واللاإنساني في غزة، والشرق الأوسط الذي تمزّقه الحرب المستشريّة". وتطرّق من جديد للهجوم "الرهيب" على كنيسة مار الياس في دمشق، مقدمًا الشكر و"العناق الروحيّ" لجميع المسيحيين الشرقيين على الشهادة التي يقدّمونها في مواجهة الشر بالخير، وفي البقاء في أراضيهم كتلاميذ وشهود للمسيح.

 

أنبوبة أكسجين

 

وأشاد البابا بجهود التجمّع في تقديم الدعم لمؤمني الكنائس الكاثوليكيّة ذات الطقوس الشرقيّة، واصفًا رسالة التجمّع بأنّه "إعلان فرح". وشكر قداسته المنظمات الخيريّة والمُحسنين الذين "يزرعون الرّجاء في أراضي الشرق المسيحيّ، التي تُدمّرها الحروب الآن أكثر من أيّ وقت مضى، وتُستنزف مصالحها، وتَخنُقها سُحب من الكراهية تسمِّمُ أجواءَها بصورة لا تُطاق".

 

وأشار في كلمته إلى أنّ التجمّع يمثّل "أنبوبة الأوكسجين للكنائس الشرقيّة التي أنهكتها النزاعات، ولشعوب كثيرة، فقيرة من حيث الوسائل وغنيّة بالإيمان". وقال: "أنتم نور يضيء في ظلمات الكراهية"، داعيًا "من كلّ قلبه"، أن يعملوا دائمًا كلّ ما بوسعهم "لمساعدة هذه الكنائس العزيزة الواقعة في الشدّة".

القلب ينزف

 

وتطرّق البابا إلى تعرّض الكنائس الشرقيّة مرارًا في تاريخها للعنف.

 

وأسف لأنّ تاريخ هذه الكنائس "لم يخلُ من القمع وسوء الفهم حتى داخل الجماعة الكاثوليكيّة نفسها، غير القادرة على أن تدرك وتقدّر قيمة تقاليدها المختلفة عن التّقليد الغربي. أمّا اليوم، فيبدو أنّ العنف الحربي يضرب أراضي الشرق المسيحي بشراسة شيطانيّة غير مسبوقة".

 

وقال: "القلب ينزف عند التفكير في أوكرانيا، وفي الوضع المأساوي واللاإنساني في غزة، والشرق الأوسط الذي تمزّقه الحرب المستشريّة. نحن جميعًا، كبشر، مدعوّون إلى أن نقيّم أسباب هذه النزاعات، ونتحقّق من الأسباب الحقيقيّة منها، ونسعى لتجاوزها، ونرفض تلك المزيّفة، ثمرة مشاعر زائفة وخطاب تضليلي، فنكشفها بحزم. ينبغي ألّا يموت النّاس بسبب الأخبار الكاذبة".

أمر لا يليق بالإنسان

 

وأعرب البابا عن حزنه لأنّه "يشهد في أماكن كثيرة فرض ”قانون الأقوى“، الذي يُفرَض على أساس المصالح الخاصة"، ولأنّ "قوّة القانون الدّولي والقانون الإنساني لم تَعُدْ تُحترم، وحلّ محلّها ادِّعاء إلزام الآخرين بالقوّة". وقال: "هذا أمر لا يليق بالإنسان، وهو شكّ وحجرة عثرة للإنسانيّة وقادة الأمم".

 

وتساءل: كيف يمكن، بعد قرون من التاريخ، أن نصدّق أنّ أعمال الحرب تجلب السلام ولا تنقلب على من شنّها؟ كيف يمكن أن نفكّر في إرساء أسّس الغد بدون تماسك ووحدة، وبدون رؤية شاملة الدّافع فيها هو الصّالح العام؟ كيف يمكن أن نستمرّ في خيانة تطلعات الشّعوب إلى السّلام بدعاية كاذبة لإعادة التسلّح، تحت وَهمٍ باطل بأنّ التفوّق يحلّ المشاكل بدلًا من أن يغذّي الحقد والانتقام؟ مشيرًا إلى الناس ما تزال "تجهل بشكل متزايد حجم الأموال التي تذهب إلى جيوب تُجّار الموت، والتي يمكن بها بناء مستشفيّات ومدارس. بدلًا من ذلك تُدمّر تلك التي بنيت من قبل".

ماذا يمكن أن نفعل؟

 

وحول ما يمكن فعله أمام هذه الأوضاع، أشار إلى أنّ المسيحيين، وبالإضافة إلى التعبير عن الغضب وإعلاء الصوت، والتشمير عن السواعد لكي يكونوا بُناة سلام ونعزّز الحوار، فأوضح أنّ عليهم أولاً أن يصلوا لأنّ "مسؤوليّتنا تكمن في تحويل كلّ خبر مأساويّ، وكلّ صورة تصدمنا، إلى صرخة شفاعة أمام الله"، ثمّ "أن نُساعد، كما تفعلون أنتم، وكما يفعل الكثيرون ويمكنهم أن يفعلوا، من خلالكم".

 

وبالإضافة إلى ذلك، تابع البابا وهو يفكّر بشكل خاص في الشرق المسيحيّ: "هناك الشهادة للإيمان. إنّها دعوة لكي نبقى أمناء ليسوع، دون أن نقع في شِراك السّلطة. إنّها دعوة إلى الاقتداء بالمسيح، الذي غلب الشرّ بمحبّته على الصّليب، وأظهر أسلوبًا للمُلك يختلف عن أسلوب هيرودس وبيلاطس: الأوّل، لخوفه من أن يُنزع منه عرشه، قتل الأطفال، الذين لا يزالون اليوم يُمزَّقون بالقنابل، والثّاني غسل يديه، كما نوشك أن نفعل كلّ يوم، إلى أن نصل إلى عَتَبَة اللاعودة".

شكرًا على الشهادة

 

وفي هذا السياق، شدّد البابا لاون الرابع عشر على ضرورة النظر إلى يسوع "الذي يدعونا إلى أن نشفي جراح التاريخ بوداعة صليبه المجيد وحده، الذي منه تنبع قوّة المغفرة، والرّجاء للبدء من جديد، والواجب في أن نبقى صادقين وشفّافين في بحر الفساد. لنتبع المسيح، الذي حرّر القلوب من الحِقد، ولنقدّم نحن المَثَل، لكي نخرج من منطق الانقسام والانتقام".

 

وقدم البابا لاون الشكر و"العناق الروحيّ" لجميع المسيحيين الشرقيّين، الذين يواجهون الشرّ بالخير. وقال قداسته: "شكرًا، أيّها الإخوة والأخوات، على الشهادة التي تعطونها، خصوصًا عندما تبقون في أراضيكم لأنّكم تلاميذ وشهود للمسيح".

أنتم شهود لنور الشرق

 

وأشار إلى أنّ العاملين في تجمّع المؤسّسات لمساعدة الكنائس الشرقيّة يرَون بالإضافة إلى البؤس الكثير بسبب الحرب والإرهاب، لاسيّما ما حدث مؤخرًا من هجوم رهيب على كنيسة مار الياس في دمشق، يرَون أيضًا "براعم الإنجيل تتفتّح في الصّحراء".

 

وخاط الحضور بالقول: إنّكم "تكتشفون شعب الله الذي يثابر ويوجّه نظره إلى السّماء، ويصلّي إلى الله ويحبّ القريب. تلمسون لمس اليد نعمة وجمال التقاليد الشرقيّة، والليتورجيّات التي تجعل الله يسكن في الزمان والمكان، والترانيم القديمة المفعمة بالتسبيح والمجد والأسرار، والتي ترفع طلب المغفرة الذي لا ينقطع من أجل البشريّة. وتلتقون مع شخصيّات، تنضمّ، غالبًا في الخفاء، إلى كوكبة الشهداء والقدّيسين في الشرق المسيحيّ. في ليل النزاعات، أنتم شهود لنور الشّرق".

 

وفي هذا السياق، لفت البابا إلى رغبته في أن يكون "نور الحكمة والخلاص هذا، معروفًا بصورة أفضل في الكنيسة الكاثوليكيّة، حيث لا يزال هناك جهل كبير في هذا الموضوع، وحيث يُواجه الإيمان في بعض الأماكن، خطر الانطفاء"، لأنّه لم تتحقّق بعد أمنية القديس البابا يوحنا بولس الثاني الذي عبّر عنها مرارًا، والذي قال قبل أربعين سنة: "يجب على الكنيسة أن تتعلّم من جديد أن تتنفّس برئتَيها، الشرقيّة والغربيّة" (كلمة إلى مجمع الكرادلة، 28 حزيران 1985)".

أن نعرف الشرق لكي نحبه

 

وأكد أنّه "يمكننا أن نحرس الشرق المسيحيّ فقط إن أحببناه، ويمكننا أن نحبّه فقط إن عرفناه".

 

بهذا المعنى، أعرب البابا عن أمله في التعريف بـ"كنوز" الطقوس الشرقيّة بشكل أفضل داخل الكنيسة الكاثوليكيّة، مقترحًا تنظيم دورات في الإكليريكيات والكليات الكاثوليكيّة ومراكز الجامعات الكاثوليكيّة لتعريف الكاثوليك من أتباع الطقس اللاتيني بإخوتنا وأخواتنا الشرقيين.

 

وهناك حاجة أيضًا إلى "اللقاء والمشاركة في العمل الرعويّ، لأنّ الكاثوليك الشرقيّين ليسوا فقط ”أبناء عم“ بعيدين، يحتفلون بطقوس مجهولة، بل هم إخوة وأخوات، يعيشون بقربنا، بسبب الهجرات القسريّة". وقال إنّ "إحساسهم بما هو مقدّس، وإيمانهم النّقيّ، الذي صقلته المحن، وروحانيّتهم ​​التي تفوح منها رائحة السّرّ الإلهيّ، يمكنها أن تُفيد في العطش إلى الله، إنّه عطش خفيّ لكنّه حاضر في الغرب".