موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
تلا البابا فرنسيس، ظهر اليوم الأحد، صلاة التبشير الملائكي.
وقبل الصلاة ألقى قداسته كلمة أمام المؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس قال فيها: يقدم لنا الإنجيل الذي تقدمه لنا الليتورجيا اليوم، الأحد الثاني من زمن المجيء، صورة يوحنا المعمدان. يقول النص: "كان عليه لِباسٌ مِن وَبَرِ الإِبِل"، وأن "طعامه كان الجَرادَ والعَسلَ البَرِّيّ"، وأنه كان يدعو الجميع إلى التوبة: "توبوا، قدِ اقتَربَ مَلكوتُ السَّموات!". باختصار، رجل متقشِّف وجذري، قد يبدو للوهلة الأولى قاسيًا ويبعث فينا القليل من الخوف. لكن بعد ذلك نسأل أنفسنا: لماذا تقترحه الكنيسة كل سنة ليكون رفيق السفر الرئيسي خلال زمن المجيء؟ ماذا يختبئ خلف تشدّده ووراء قساوته الظاهرة؟ ما هو سر يوحنا؟ ما هي الرسالة التي تعطينا إياها الكنيسة اليوم مع يوحنا؟
تابع: إنّ المعمدان، في الواقع، أكثر من كونه رجلاً قاسيا، هو رجل لديه حساسية على الازدواجية. على سبيل المثال، عندما اقترب منه الفريسيون والصدوقيون، المعروفون بنفاقهم، كان "رد فعله التحسسي" قوياً جدًّا! في الواقع، ربما كان بعضهم يذهبون إليه بدافع الفضول أو بدافع الانتهازية، لأن يوحنا كان قد أصبح يتمتع بشعبية كبيرة. لقد كان هؤلاء الفريسيون والصدوقيون يشعرون بأنهم على حق، وإزاء نداء المعمدان اللاذع، برروا أنفسهم قائلين: "إِنَّ أبانا هوَ إِبراهيم". وهكذا، بين الازدواجية والإدعاء، لم ينتهزوا فرصة النعمة، الفرصة لكي يبدؤوا حياة جديدة.
أضاف: لذلك قال لهم يوحنا: "أَثمِروا ثَمَرًا يَدُلُّ على تَوبَتِكم". إنها صرخة حب، مثل صرخة الأب الذي يرى ابنه يدمر نفسه فيقول له: "لا تهدم حياتك". إنّ النفاق في الواقع، هو الخطر الأكبر، لأنه يمكنه أن يدمّر حتى أكثر الحقائق قداسة. لهذا السبب، كان المعمدان -مثل يسوع أيضًا- قاسيًا مع المنافقين لكي يهزَّهم. أما الذين كانوا يشعرون بأنهم خطأة "كانوا يخرجون إليه فيَعتَمِدونَ عَنِ يدِهِ في نَهرِ الأُردُنِّ مُعتَرِفينَ بِخَطاياهم". هكذا هو الأمر: لكي نقبل الله لا تهمُّ المهارة وإنما التواضع؛ هذا هو الدرب لكي نقبل الله لا المهارة، علينا أن ننزل عن الركيزة لكي نغوص في ماء الندامة.
تابع: أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، إنّ يوحنا، "بردَّات فعله التحسسية"، يجعلنا نفكر. ألسنا أحيانًا نحن أيضًا مثل هؤلاء الفريسيين؟ ربما ننظر باستخفاف للآخرين، معتقدين أننا أفضل منهم، وأننا نمسك زمام أمور حياتنا بيدنا، وأننا لسنا بحاجة يوميًّا إلى الله، والكنيسة، والإخوة. إنّ زمن المجيء هو زمن نعمة لكي نخلع أقنعتنا ونقف في طابور مع المتواضعين؛ لكي نتحرّر من الإدعاء بالاعتقاد بأننا مكتفين ذاتيًا، ونذهب لكي نعترف بخطايانا ونقبل مغفرة الله، ونعتذر من الذين أساءنا إليهم. هكذا تبدأ حياة جديدة. والدرب هي واحدة فقط، درب التواضع: فنطهِّر ذواتنا من الشعور بالتفوق والشكليات والرياء، لنرى في الآخرين إخوة وأخوات لنا، وخطأة مثلنا، وفي يسوع المخلص الذي يأتي من أجلنا، هكذا كما نحن، مع فقرنا وبؤسنا وعيوبنا، ولاسيما مع حاجتنا إلى أن يتمَّ إنهاضنا ويُغفَر لنا ونُخلَّص.
وختم بالقول: لنتذكر أيضًا شيئًا آخر: مع يسوع هناك على الدوام إمكانية لكي نبدأ من جديد. دائمًا! إنه ينتظرنا ولا يتعب منا أبدًا. لنصغِ إلى صرخة يوحنا المعمدان لكي نعود إلى الله ولا نترُكنَّ هذا المجيء يمر مثل أيام الرُزنامة الأخرى، لأنه زمن نعمة بالنسبة لنا، الآن، هنا! لتساعدنا مريم العذراء، خادمة الرب المتواضعة، لكي نلتقي بالله وإخوتنا على درب التواضع التي وحدها ستجعلنا نمضي قدمًا.