موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٥ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٥
البابا لاون يدعو صناع السينما ليكونوا شهودًا للرجاء والجمال والحقيقة

أبونا :

 

امتلأ القصر الرسولي في الفاتيكان، صباح اليوم السبت 15 تشرين الثاني 2025، بالممثّلين والممثّلات وصنّاع الأفلام وكُتّاب السيناريو، إذ التقى البابا لاون الرابع عشر بأعضاء من عالم السينما، داعيًا إياهم ليكونوا "شهودًا للرجاء والجمال والحقيقة".

 

وبعد نحو 130 عامًا على عرض أول فيلم في باريس عام 1895، شدّد البابا على الأهمية المستمرة للفن السينمائي، مشيرًا إلى أنّ السينما، التي انتقلت من مجرد إبهار المشاهدين بالمؤثرات البصرية، أصبحت "تعبيرًا عن الرغبة في التأمل وفهم الحياة، وسرد عظمتها وهشاشتها، وتصوير الاشتياق إلى اللانهاية".

 

 

أكثر من مجرد صور متحركة

 

وعبّر البابا عن امتنانه لما تمثّله السينما، واصفًا إياها بأنها "فن شعبي بأسمى معانيه، يولد للجميع ويتحدّث إلى الجميع". فالسينما، بما تتجاوز به حدود الترفيه، تقدّم رواية لمسيرة الإنسان الروحية، وتسهم في خدمة الإنسانية من خلال مساعدة "المشاهد على العودة إلى ذاته، والنظر بأعين جديدة إلى تعقيدات خبرته الخاصة، ورؤية العالم كما لو كانت للمرة الأولى".

 

وأشار البابا لاون الرابع عشر إلى أنّ هذا التأمل الذاتي يشجّع الإنسان على "اكتشاف جزء من ذلك الرجاء الذي بدونه لا تكتمل حياتنا". وأكد الحبر الأعظم أنّ السينما "ليست مجرّد صور متحركة وحسب"، لأنها "تُطلِق الرجاء وتضعه في حركة".

 

لمحة عن ذواتنا

 

وذكر البابا لاون أنّ "دخول صالة السينما يشبه عبور عتبة"، ففي ظلمة القاعة وصمتها تزداد حِدّة الحواس: تعود العين إلى الانتباه، ويسمح القلب بالوصول إلى الداخل، ويصبح العقل أكثر انفتاحًا على أمور ما لم يكن ليتخيله من قبل.

 

وفي حين أنّ الأعمال السينمائية تصل إلى أشخاص يبحثون عن الترفيه، لكنهم أيضًا يتطلّعون إلى المعنى والعدالة والجمال. وفي عالم أصبحت فيه الشاشات الرقمية حاضرة باستمرار في حياتنا اليومية، شدّد قداسته أنّ "السينما هي أكثر بكثير من مجرد شاشة بسيطة"، بل إنها "ملتقى للرغبات والذكريات والتساؤلات"، وفيها "يتكوّن وعي الإنسان وتنمو مخيّلته".

 

 

السينما: القلب النابض للمجتمعات

 

وأشار البابا إلى أنّ دور العرض السينمائية والمسارح هي "القلب النابض لمجتمعاتنا، لأنها تُسهم في جعلها أكثر إنسانية". ومع ذلك، تواجه هذه الأماكن ذات الأهمية الثقافية تراجعًا. ولفت إلى أنّ "فن السينما والتجربة السينمائية" في خطر. وحثّ البابا هذه المؤسسات على عدم الاستسلام، بل على مواصلة العمل والتعاون للحفاظ على قيمتها الثقافية والاجتماعية.

 

وقال إنّ الفن يفتح أمامنا الآفاق على ما هو ممكن. فالجمال ليس هروبًا من الواقع، بل دعوة. وأضاف البابا: "عندما تكون السينما أصيلة، فهي لا تكتفي بالمواساة، بل تثير التساؤلات أيضًا". فالسينما تساعدنا على التفكير في الأسئلة العميقة التي تكمن في قلوبنا.

السينما واليوبيل

 

وأكد البابا أنّه في سنة اليوبيل، نُدعى جميعًا للسير نحو الرجاء، مشيرًا إلى أنّ حضور هذا العدد الكبير من الفنانين من مختلف أنحاء العالم هو مثال حي على هذا الرجاء، فكلّ الحاضرين هم "حجاج للخيال، وباحثون عن المعنى، وساردون للرجاء، ورسل للإنسانية"، ورحلتهم "لا تُقاس بالكيلومترات، بل بالصور والكلمات والمشاعر والذكريات المشتركة والرغبات الجماعية".

 

وفي تعبيره عن تقدير الكنيسة لجهود الممثلين والمخرجين والكتاب وصانعي الأفلام، عبّر البابا عن رغبته في تجديد الصداقة بين الكنيسة والسينما، وقال: "السينما هي ورشة للرجاء، مكان يمكن فيه للإنسان أن يجد ذاته وهدفه من جديد"، داعيًا الجميع لجعل السينما "فنًا للروح".

 

 

شهود للرجاء والجمال والحقيقة

 

وأوضح البابا أن السينما يمكن أن تكون شاهدًا على الرجاء والجمال والحقيقة، وقال: "إنّ عصرنا بحاجة إلى شهود رجاء وجمال وحقيقة: ويمكنكم أن تكونوا كذلك بعملكم الفني. إنّ استعادة أصالة الصورة للحفاظ على الكرامة البشرية والنهوض بها هي في مقدور السينما الجيّدة ومن هم مؤلفيها وروادها".

 

وحثّ الحضور على عدم الخوف من "مواجهة جراح العالم؛ من عنف وفقر ونفي ووحدة وإدمان وحروب منسية"، مؤكدًا أن "السينما الجيّدة لا تستغل الألم، بل تعترف به وتستكشفه"، وهذا ما فعله جميع المخرجين الكبار، مضيفًا أن التعبير عن "المشاعر المعقدة والمتناقضة والغامضة التي تسكن في قلب الإنسان هو عمل محبّة".

جهد جماعي في عصر تشتد فيه الفردانية

 

وأشار البابا إلى أن صناعة الفيلم هي جهد جماعي يتطلب التعاون بين جميع المهنيين، من المخرجين وصانعي الديكور إلى الكهربائيين وفناني المكياج، مؤكدًا أن كل شخص مهم في إنجاز العمل النهائي، إذ تناغم المواهب والهبات يتيح لكل فرد إبراز شخصيته الفريدة في جو من التعاون والأخوة.

 

واختتم البابا لاون الرابع عشر كلمته بالقول: "لتبقَ السينما الخاصة بكم على الدوام مكانًا للقاء، وبيتًا لمن يبحث عن المعنى، وعن لغة سلام. ولا تفقدنّ أبدًا القدرة على الإدهاش، وتستمر في أن تكشف لنا ولو جزءًا واحدًا من سرّ الله".