موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
دعا البابا لاون الرابع عشر، خلال القداس الذي ترأسه يوم الثلاثاء 11 تشرين الثاني، الرهبان البندكتيين إلى مواجهة تحدّيات العصر عبر وضع المسيح في صميم حياتهم، وذلك بمناسبة الذكرى الـ125 لتكريس كنيسة القديس أنسلموس على تلة أفنتينو في روما.
وقال البابا: «إنّ التغيّرات المفاجئة التي نشهدها اليوم تثير تساؤلات عميقة وتطرح قضايا لم نعرفها من قبل».
وأضاف: «تذكّرنا هذه الاحتفالية بأنّه، على مثال الرسول بطرس، ومعه القديس بندكتس وكثيرين غيره، لا يمكننا الاستجابة لمتطلّبات دعوتنا إلا بوضع المسيح في مركز وجودنا ورسالتنا، بدءًا من فعل الإيمان الذي يجعلنا نُقرّ به مخلّصًا، ونترجمه في الصلاة والدراسة والالتزام بحياة مقدّسة».
وتقع كنيسة القديس أنسلموس ضمن مجمّع يشرف عليه الاتحاد البندكتي، وهو الهيئة الدولية التي تُدير شؤون رهبنة القديس بندكتس. ويضمّ المجمّع أيضًا مقرّ الرئيس العام للرهبنة، وهو حاليًا الأب جيريمياس شرودر، مع إدارته، إضافةً إلى الجامعة القديس أنسلموس الحبريّة والكلية السكنية التابعة لها.
وأبرز البابا كيف شجّع سلفه البابا لاون الثالث عشر بقوّة على تطوير المجمّع والاتحاد البندكتي، لأنه كان مقتنعًا بأنّ رهبنة القديس بندكتس «يمكن أن تقدّم عونًا كبيرًا لخير شعب الله كلّه في زمن مليء بالتحدّيات، كالانتقال من القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين».
ولفت إلى أنّ الحياة الرهبانية كانت منذ نشأتها «جبهة متقدّمة» دفعت «رجالًا ونساء شجعانًا إلى تأسيس مراكز للصلاة والعمل والمحبة في أكثر الأماكن بُعدًا وصعوبة»، محوّلين المناطق القاحلة إلى أراضٍ مثمرة، ليس فقط من الناحية الاقتصادية بل الروحية أيضًا.
وتابع قائلاً: «لقد تميّز الدير على مرّ الزمن كمكان للنمو والسلام والضيافة والوحدة، حتى في أحلك فترات التاريخ».
وحثّ البابا مجمّع القديس أنسلموس على أن «يسعى ليصبح قلبًا نابضًا» في العالم البندكتي، تكون الكنيسة في مركزه، وفقًا لتعاليم القديس الذي استوحت الرهبنة منه رسالتها.
وأشار قداسته إلى أنّ الالتزام بعيش حياة مقدّسة يتجلّى بالفعل بطرق متعدّدة «في الليتورجيا أولًا، ثم في القراءة الإلهيّة، وفي البحث، والخدمة الراعوية، من خلال مشاركة رهبان من مختلف أنحاء العالم، وبالانفتاح على الإكليروس والرهبان والعلمانيين من شتّى الخلفيات والظروف». ودعا إلى أن يواصل هذا الصرح نموّه كـ«مدرسة حقيقيّة في خدمة الرب».
واستشهد البابا بالقراءة الأولى من سفر النبي حزقيال، التي تصوّر «نهرًا يتدفّق من الهيكل»، موضحًا أنّ هذه الصورة تعبّر عن «قلب يضخّ الدم في الجسد، بحيث تنال كلّ الأعضاء الغذاء والقوّة لمنفعة الآخرين». وفي القراءة الثانية، شدّد على الإشارة إلى «البيت الروحي» المؤسَّس على الصخرة الصلبة التي هي المسيح.
وقال: «في خلية القديس أنسلموس النشطة، فليكن هذا المكان هو المنطلق والمرجع الذي تُختبر فيه وتُؤكَّد وتُفهم بعمق كلّ الأمور أمام الله». وأعرب عن أمله في أن يحمل هذا الصرح «رسالة نبوية» إلى الكنيسة والعالم، ليكون شعبًا مختارًا «يعلن أعمال الله العجيبة، ذاك الذي دعانا من الظلمة إلى نوره العجيب».
وقال البابا لاون الرابع عشر إنّ احتفال تكريس الكنيسة هو «لحظة مهيبة في تاريخ بيت مقدّس، تُكرَّس فيه لتكون مكانًا للقاء بين الزمان والمكان، بين المحدود واللامحدود، بين الإنسان والله». وجدّد هذه الفكرة مستشهدًا بدستور المجمع الفاتيكاني الثاني Sacrosanctum Concilium الذي يوضح أنّ الكنيسة «هي بشرية وإلهية في آنٍ واحد»، وفيها «يكون ما فيها إنسانيًا خاضعًا وموجهًا للإلهي، والمنظور لغير المنظور، والعمل للتأمل، والعالم الحاضر للمدينة الآتية التي نسير نحوها».
وأضاف الحبر الأعظم قائلاً: «إنها خبرة حياتنا جميعًا، وحياة كل إنسان في هذا العالم الباحث عن الجواب النهائي والعميق الذي لا يكشفه لحم ولا دم، بل الآب الذي في السماوات؛ فالإنسان في النهاية محتاج إلى يسوع، المسيح ابن الله الحي».
وختم البابا لاون بدعوة الحاضرين إلى البحث عن يسوع وحمله إلى الجميع، «شاكرين المواهب التي منحنا إياها، ولا سيّما المحبّة التي بها سبقنا». مؤكّدًا أنّ «هذا الهيكل سيصبح أكثر فأكثر مكانًا للفرح، حيث نختبر جمال المشاركة مع الآخرين بما نلناه بشكل مجاني».