موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
فصل شريف من بشارة القديس لوقا (12:17-19)
في ذلك الزمان فيما يسوعَ داخلٌ الى قريةٍ استقبلهُ عشرةَ رجالٍ بُرصٍ ووقفوا من بعيدٍ * ورفعوا اصواتهم قائلين يا يسوع المعلّم ارحمنا. فلمَّا رآهم قال لهم امضوا وأروا الكهنة أنفسكم. وفيما هم منطلِقون طَـُهروا * وانَّ واحدًا منهم لــَّما رأى انـَّه قد بَرئَ رَجَعَ يمجّد اللهَ بصوتٍ عظيم * وخرَّ على وجههِ عند قَدَمَيهِ شاكراً لهُ وكان سامريًّا * فاجاب يسوع وقال أليس العشرَةُ قد طُهروا فأين التسعة * ألمَ يوجَدُ مَن يرجعُ ليمجّد الله الاَّ هذا الاجنبيَّ * وقال لهُ قُمْ وامضِ ايمانك قد خلَّصك.
بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين.
أيها الأحباء، في الفصل الإنجيلي لهذا اليوم يسوع يلتقي بالعشرة رجال برص خارج القرية. فانه بحسب الشريعة الموسوية لا يسكن الابرص في داخل القرية او المدينة انما خارجها في البرية او في القبور. ويكون ممزقا الثياب وينادي نجس نجس. هذه حالة تكشف عن بشاعة نجاسة الخطيئة التي كانت ترمز اليها بمرض البرص في العهد القديم.
يذكر كتاب العهد القديم مرض البرص تحت أسماء مختلفة تشير جميعها إلى مرض جلدي معدٍ وخطير. ورد في شريعة موسى أن البرص هو نجاسة معدية، لذلك كان المصاب بهذا المرض يُنبذ بعيداً عن المناطق المأهولة بعد أن يفحصه الكاهن بدقة ويتأكد من مرضه (لاويين 13 و14).
كبرص حرموا من السكن وسط الناس وربما لم يشهدوا بأعينهم المعجزات التي صنعها الرب يسوع انما سمعوا عنها، لكنهم بالايمان منه اقتربوا اليه ونالوا الشفاء والتطهير، بينما رأى الكثير من الفريسيين والصدوقيين السيد المسيح وشاهدوا اعماله الفائقة وبعدم الايمان حرموا انفسهم من صداقته.
التسعة من العشرة الذين شفاهم السيد لم يعبّروا عن العرفان والشكر له لأنه شفاهم. العشرة قبلوا هدية الشفاء المجانية ولكن واحداً منهم شعر بالحاجة لشكر السيد وكان سامرياً "وخرّ على رجليه شاكراً له" عندما رأى السيد ما حدث شعر بالألم، ليس لأنه كان يطلب أن يسجدا العشرة ويشكروه، فهو ليس بحاجة لهذا، بل لأن الذين شفوا من برصهم لم يشعروا بالحاجة لأن يعودوا ويشكروا شافيهم أي الله.
قال المسيح: "أليس العشرة قد تطهروا فأين التسعة". قال لهذا السامري قم وامض ايمانك خلصك. لذلك هذا السامري قد حصل على تطهير الجسد وخلاص النفس بينما التسعة حصلوا على تطهير الجسد ولم يحصلوا على خلاص النفس.
أحبتي هناك الكثير من الناس يبنون علاقاتهم مع الله بانه خادم لحاجاتهم، يحبونه حين يحقق مطالبهم او احتياجاتهم، ويجدفون عليه حين لا يلبي طلباتهم ، او انهم بمجرد نالوا طلبهم يذهبون ولم يرجعوا يشكرون الله مثل البرص التسعة.
هؤلاء البرص التسعة، وبعد شفائهم، أي تناسوا حالتهم السابقة حالة الألم والصراخ "يا يسوع يا معلم ارحمنا" ولم ينتبهوا أن المسيح فقط كان رجائهم، نسوها كلُّها، وعندما شفوا توقفوا عن الصراخ وحتى ليقولوا كلمة شكر، ناسين أن نبع الحياة هو المسيح.
يهتم الله لأمر الإنسان ويقدم له المساعدة يومياً ليحقق خلاصه، وأمام هذه المحبة والرأفة والرغبة، يقف الإنسان صارخاً "رحمتك يا رب تدركني جميع أيام حياتي" (مز6:22)، وهكذا تتولد مشاعر الشكر لله وتتحرك داخل الإنسان عندما يدرك هذه المحبة ويفهمها، فهو كأب غني الرحمة والرأفة يغدق عليه خيراته مجّاناً.
السيد المسيح امرهم بان يذهبوا الى الكهنة ليروا انفسهم لهم ليؤكد انه ما جاء لينقض الشريعة بل يكملها وايضا كي يعطي للكهنة اليهود دليلاً مادياً على قدرته على الشفاء والتطهير.
ونحن في هذه الأيام نشكر الرب على كل ما أعطانا لأن الإنسان المسيحي الحقيقي هو مثل الابرص السامري الذي انبطح عند قدمي يسوع مقدما الشكر له. الانسان المسيحي الحقيقي يقول مع القديس يوحنا الذهبي الفم الحمد لله والشكر له على كل شيء.
والسؤال الذي يطرح نفسه حين يجد الانسان ليس لديه مطالب أو احتياجات أو ليس هو في ضيق أو عوز أو مرض، هل يصلي الى الله أو ماذا؟
الصلاة بالاساس هي غير ذلك، الصلاة هي عشرة مع الله والاتحاد به، الصلاة هي وقفة في حضرة الله، الصلاة هي حياة علاقتنا مع الله.
الصلاة هي الشكر، والشكر لله يقوي علاقتنا معه وبه ويثبتها. لذلك حياتنا كلها شكر نرفعها لله. لذلك صلاة الكنيسة هي صلاة الشكر، فنحن نشكر الله عند نهوضنا من النوم ونشكره بعد الطعام لانه يشبعنا من خيرات الارض ونشكر على النهار كله قبل النوم.
الإنسان المسيحي الحقيقي هو إنسان شكور وإنسان ساجداً يقدم العبادة والتسبيح والشكر دائماً.
لا تنسوا ان تسجدوا عند قدمي يسوع القدوس مثل الابرص السامري مقدمين كل الشكر على كل شيء، ولا تديرون ظهوركم بل اجعلوا وجوهكم نحو المسيح وآمنوا بكلمته، "الذي يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله الحياة الأبدية. آمين