موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
تشهد غزة منذ ما يقارب العامين حرباً أليمة تركت آثاراً إنسانية وسياسية عميقة، وأثارت قلقاً متزايداً حول تداعيات استمرارها. ومع مرور الوقت، بدأت مواقف دولية، خصوصاً في أوروبا والولايات المتحدة، تتجه نحو الدعوة إلى وقف القتال، حماية المدنيين، وإطلاق مسار سياسي جاد يقود إلى حل الدولتين. في هذا الإطار، لعب الأردن منذ البداية دوراً محورياً في تعزيز مبادئ القانون الدولي، مذكّراً المجتمع الدولي بالتزاماته تجاه حماية المدنيين وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وموظفاً مواقفه الدبلوماسية لدعم القرارات الدولية والشرعية الأممية.
هذا التحرك الأردني المبكر يعكس إدراك المملكة لأهمية التمسك بالقانون الدولي كأساس لأي تسوية عادلة، ولضمان عدم تكرار المآسي الإنسانية والسياسية في المنطقة. كما ساهم الأردن في تسليط الضوء على ضرورة احترام اتفاقيات جنيف وقرارات مجلس الأمن، محلياً ودولياً، مؤكداً أن حماية المدنيين والالتزام بالشرعية الدولية ليست خيارات بل واجبات ملزمة على جميع الأطراف.
القانون الدولي يُعد حجر الأساس لأي تسوية عادلة، إذ يوفّر الإطار الشرعي الملزم الذي لا يمكن تجاوزه. فقد نصّت اتفاقية جنيف الرابعة على حظر التهجير القسري، وشددت قرارات الأمم المتحدة على وجوب انسحاب القوات المحتلة من الأراضي الفلسطينية، بينما أكدت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري بشأن الجدار العازل (2004) على حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
في هذا السياق الدولي، لعب الفاتيكان دوراً لافتاً في إبراز البُعد الإنساني للصراع، داعياً مراراً إلى وقف العنف وحماية المدنيين، ومذكّراً العالم بمبادئ القانون الدولي كأساس لأي حل عادل، ومشدداً على أن احترام الحقوق الفلسطينية شرط لتحقيق السلام الدائم. وأشاد الفاتيكان بالدور الأردني في دعم القرارات الدولية وتقديم المساعدات الإنسانية، معتبراً الأردن شريكاً أساسياً في الدفاع عن القانون الدولي وحقوق الإنسان.
مؤخراً، أصدرت المؤسسات التابعة للفاتيكان بيانات داعمة لوقف العنف في غزة، مؤكدة على ضرورة حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق. كما شددت على أهمية احترام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وذكّرت المجتمع الدولي بأن الحل السياسي هو الطريق الوحيد لإنهاء المعاناة واستعادة الاستقرار. هذه المواقف أكدت دور الفاتيكان كشريك فاعل في تعزيز المبادئ القانونية والإنسانية، بما يتناغم مع جهود الأردن بقيادة الملك عبدالله الثاني للحفاظ على الحقوق الفلسطينية ودفع مسار السلام العادل قدماً.
وفي هذا الإطار، برز الدور الأردني بقيادة الملك عبدالله الثاني، الذي حافظ على خطاب ثابت يدعو إلى حماية المدنيين ووقف الحرب، مؤكداً أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع وضمان استقرار المنطقة. كما شدد جلالته في المحافل الدولية على رفض أي محاولات للتهجير القسري، مستنداً إلى النصوص القانونية والحقوقية الدولية التي تحظر هذه الممارسات، معتبراً أن احترامها شرط أساس لأمن المنطقة واستقرارها.
ولم يقتصر هذا الدور على الجانب السياسي فحسب، بل انعكس أيضاً في خطوات عملية، من إرسال المساعدات الطبية والإغاثية عبر الجسور البرية والجوية، إلى بناء شراكات وتحالفات إقليمية ودولية تهدف إلى الضغط لوقف الحرب وفتح مسار سياسي جاد. هذا المزج بين التحرك الإنساني والدبلوماسي عزز صورة الأردن كدولة فاعلة وواقعية، قريبة من نبض شعبها، وفي الوقت ذاته قادرة على إيصال صوتها بفاعلية إلى العواصم المؤثرة، بالتوازي مع جهود الفاتيكان المستمرة لتذكير العالم بالالتزام بالقانون الدولي وحماية المدنيين.
اليوم، يبعث على الأمل أن مواقف عدد متزايد من الدول الغربية تشهد تحولاً، حيث ارتفعت أصوات في برلمانات أوروبية، وفي الرأي العام، وحتى داخل دوائر صنع القرار، تدعو إلى وقف الحرب والعودة إلى مسار سياسي عادل. هذا التغير لم يأتِ بمعزل عن الجهود العربية والدولية المتواصلة، وكان للأردن بقيادة الملك عبدالله الثاني دور بارز في صياغة هذا الخطاب الدولي وإبقائه حاضراً على الأجندة العالمية، مدعوماً بصوت الفاتيكان الداعي إلى حماية الإنسانية والالتزام بالقانون الدولي، وتأكيد حقوق الفلسطينيين.
إن إنهاء الحرب في غزة يتطلب أكثر من بيانات وتصريحات، فهو يحتاج إلى ترجمة الزخم الدولي المتنامي إلى خطوات عملية: وقف شامل وفوري لإطلاق النار، احترام القانون الدولي، وإطلاق عملية سياسية بجدول زمني واضح نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.