موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
نحن اليوم في الثاني والعشرين من شهر أيار، في قلب الشهر المريمي المبارك، حيث نرفع أنظارنا إلى العذراء مريم، لا كأيقونة صامتة أو تمثال مزيّن بالزهور، بل كشابة حيّة، قريبة منا، تشبه كل واحدٍ وواحدةٍ منّا. لقد عاشت مريم في زمن صعب، وسط مجتمع متقلب، مليء بالتحديات، والانتظارات الثقيلة، والضغوط النفسية والاجتماعية.
ولذلك، يُطرح اليوم سؤال كبير على كل شاب وشابة منّا:
ماذا تُعلّمني مريم؟ وماذا تُعطي لحياتي، أنا الشاب أو الشابة، في هذا الزمن الذي تنهار فيه القيم من حولي؟
مريم، قدوة الشبيبة في زمن ضياع القيم"
لم يعد ضياع القيم في عصرنا أمرًا نادرًا أو غريبًا.
لقد تغيّرت المفاهيم حتى صار:
الكذب يُعتبر نوعًا من الذكاء،
والتفاخر أسلوبًا للحياة،
وجسد الإنسان سلعة تُروَّج،
والإيمان مجرّد تقليد قديم أو علامة ضعف،
والقلب النقي البسيط يُستهزَأ به.
في وسط هذا الانهيار الأخلاقي والقيمي، تظهر لنا مريم بشكل مختلف. هي شابة قالت "نعم" عندما كان الجميع يقول "لا شأن لي". آمنت عندما شكّ الآخرون في حضور الله. وحملت يسوع في قلبها، عندما أدار العالم ظهره لكلمة الله.
إنها مثالٌ حيٌ للشباب الذين لا يريدون أن يكونوا مثل الجميع، بل مثل مريم: ثابتين في الإيمان، أقوياء في الرجاء، ومتواضعين في المحبة.
قصة واقعية:
"رولا ومريم" – فتاة في قلب العاصفة
رولا، فتاة في الثامنة عشرة من عمرها، تنتمي إلى عائلة بسيطة لكنها مليئة بالمشاكل. والدها غائب، ووالدتها تعاني من مرض مزمن، وأشقاؤها في حالة من التشتت والضياع. كل صديقاتها ابتعدن عن الكنيسة والحياة الروحية؛ إحداهن وقعت في طريق الإدمان، وأخرى في علاقة مؤذية، والباقيات انجرفن وراء أنماط حياة سطحية وفارغة.
أما رولا، فعلى الرغم من هشاشتها، كانت تحتفظ بصورة صغيرة للعذراء مريم حاملة الطفل يسوع، وعلّقتها فوق سريرها. وكل ليلة، كانت تهمس في صلاتها: "يا مريم، ساعديني أن أحب يسوع مثلك، ولا أضيع كما ضعن."
مرت السنوات، وتمسّكت رولا بالصلاة، وبدأت تُشارك في خدمة الكنيسة، وتدعم صديقاتها. واليوم، تدرس علم النفس، وتعمل في دعم المراهقين الذين فقدوا ثقتهم بأنفسهم وبالحياة.
لماذا؟ لأنها، مثل مريم، لم تقل: "أنا صغيرة ولا أستطيع"، بل قالت: "أنا ابنة الله، وسأقول نعم."
التطبيق العملي:
وأنت اليوم، أيها الأخ، أيتها الأخت...
من هو الشخص في حياتك الذي يحتاج أن تقترب منه مريم؟
في أي مجال من مجالات حياتك تشعر بأن الإيمان أو القيم تاهت وضاعت؟
هل أنت مستعد أن تقول "نعم" لله، حتى لو كنت خائفًا، كما فعلت مريم؟
دعنا نأخذ قرارًا بسيطًا لهذا الأسبوع:
أن نُصلّي كل يوم سرًا واحدًا من أسرار المسبحة الوردية، على نيّة شاب أو شابة نعرفهم — ربما تائهين، ربما بعيدين، ربما جرحى من الداخل — ونطلب من العذراء مريم أن تُرافقهم وتعيدهم إلى النور.
الخاتمة:
يا مريم، يا أم الشباب، كنتِ يومًا في مثل عمرنا، عرفتِ ما معنى الخوف، وما معنى الانتظار، وما معنى أن ينضج القلب قبل الأوان. علّمينا أن نحب الله كما أحببتِه، أن نثق بمواعيده، وأن نقول "نعم" وسط الصمت، ووسط الضجيج، ووسط الرفض.
رافقي شباب عائلاتنا، شباب كنيستنا، شباب هذا العالم. واجعلينا، مثلكِ، لا تابعين لهذا العالم، بل شهودًا للحقيقة والحب. آمين.
مسبحة تأملية: "مريم، قدوة الشبيبة في زمن ضياع القيم"
النية العامة:
نُصلّي هذه المسبحة على نيّة جميع شبابنا، من أجل كل شاب وشابة يبحثون عن الحقيقة، من أجل من تاهوا عن الإيمان، أو جُرِحوا من الحياة، أو فقدوا الثقة بأنفسهم وبالله. يا مريم، يا أم الشبيبة، كوني النور الذي يهدي خطواتهم إلى يسوع.
السر الأول: مريم تقول "نعم" في عالم يرفض الالتزام
تأمل: مريم كانت شابة حين اختارها الله، وقالت "نعم" لرسالة عظيمة، في وقت كان الآخرون يهربون من الالتزام. بينما كثيرون اليوم يرفضون اتخاذ قرارات جدية في الحياة أو الالتزام في العلاقات أو الدعوة، نجد في مريم شجاعة الإيمان والطاعة.
نصلّي من أجل: كل شاب وشابة يخافون من الالتزام الحقيقي: في الحياة، في المحبة، في الإيمان.
كلمة من الكتاب المقدس: "ليكن لي بحسب قولك." (لوقا 1:38)
السر الثاني: مريم تواجه الألم بالصمت والثبات
تأمل: مريم لم تشتكِ حين سمعت نبؤة سمعان الشيخ، ولم تثر حين رأت ابنها يتألم، بل احتفظت بكل شيء في قلبها. صمتها كان صلاة، وثباتها كان شهادة. واليوم، كثير من شبابنا يعانون بصمت، دون أن يجدوا من يسمعهم أو يفهمهم.
نصلّي من أجل: كل شاب وشابة يتألمون داخليًا، ويعيشون جراحًا نفسية أو روحية بصمت.
كلمة من الكتاب المقدس: "وأنتِ، سيفٌ سيَجوزُ في نفسكِ." (لوقا 2:35)
السر الثالث: مريم تعيش في قلب الجماعة، لا في العزلة
تأمل :بعد البشارة، أسرعت مريم إلى بيت أليصابات، تخدم وتشارك وتفرح. لم تغلق على نفسها، بل خرجت نحو الآخر بمحبة. في زمن أصبحت فيه العزلة الرقمية والعلاقات السطحية شائعة، تدعونا مريم إلى عيش الجماعة واللقاء الصادق.
نصلّي من أجل: كل شاب وشابة يشعرون بالوحدة أو يعيشون في عزلة داخلية أو اجتماعية.
كلمة من الكتاب المقدس: "فقامت مريم وذهبت بسرعة إلى الجبل." (لوقا 1:39)
السر الرابع: مريم تعرف هويتها كبنت الله، لا بنت العالم
تأمل: مريم لم تُعرّف نفسها بحسب نظرة الناس أو العادات، بل بحسب نظر الله. كانت تعلم أنها "أَمَة الرب"، ومحبوبة منه. في زمن تُحدَّد فيه قيمة الإنسان بعدد الإعجابات أو المظاهر، تذكّرنا مريم بهويتنا الحقيقية كأبناء الله.
نصلّي من أجل: كل شاب وشابة فقدوا الإحساس بقيمتهم، أو يبحثون عنها في الأماكن الخطأ.
كلمة من الكتاب المقدس: "ابتهجت روحي بالله مخلّصي." (لوقا 1:47
السر الخامس: مريم، أم الشبيبة في زمن الضياع
تأمل :على الصليب، سلّم يسوع مريم لتكون أمًا لنا. ومنذ ذلك الحين، أصبحت أم الشبيبة في كل زمان ومكان. مريم تبحث عن أبنائها الضائعين، وترافقهم بخطى صامتة، بقلب مليء بالرجاء، حتى في أشدّ اللحظات ظلمة.
نصلّي من أجل: كل شاب وشابة تائهين عن الله، عن الكنيسة، عن ذواتهم، كي يجدوا في مريم طريق العودة.
كلمة من الكتاب المقدس: "هوذا ابنك... هوذا أمك." (يوحنا 19:26–27)
ختام المسبحة:
يا مريم، يا أم الشبيبة والرجاء، نضع بين يديك كل شاب وشابة، كل قلب خائف، كل نفس تائهة، أعيدينا إلى حضن الإيمان، إلى يسوع ابنك، علّمينا أن نقول "نعم"، كما قلتِ أنتِ، وأن نعيش مثلما عشتِ: بالإيمان، بالصمت، وبالثقة التامة بالله. آمين.