موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢١ أغسطس / آب ٢٠٢٣

مدارسنا مازالت تعلمنا

بشار جرار

بشار جرار

بشار جرار :

 

أخط هذه السطور على وقع ما تناهى إلى مسامعي -وأذينا القلب الأيمن والأيسر يسمعان قبل الأذنين أحيانا- من أوراد وتراويد أردنية تذكرت معها رائعة شاعرنا الكبير حيدر محمود بارك الله في عمره سنة 1976 «ترويدة الأحرار» التي غنتها نجاة الصغيرة للراحل العظيم الحسين، طيب الله ثراه.

 

من خلف بضع عمارات ورغم إغلاق نافذة مهجعي، سمعت خلال أدائي طقوس قهوة الصباح وقراءاته اليومية ما يبشر بانطلاق عام دراسي مبارك جديد بعون الله لمليون وسبعمئة ألف من فلذات أكبادنا الطلبة، بمعنى أكثر من مليوني أسرة أردنية مع إضافة روابط القربى والجيرة والصداقة والزمالة، أم تراها زادت على الملايين العشرة؟!

 

ما كنت أحسبه صغيرا على مقاعد الدراسة مجرد روتين -تبيّن بعد عقود- أنه ما يرشح ويرسخ في أعماق الوجدان. السلام الملكي، وسائر الأناشيد الوطنية الصباحية، وآيات من الذكر الحكيم تتلى جهارا أو في القلب، جميعها أهم ما نتعلمه على مدى اثني عشر عاما.

 

ما زلت أذكر الآثار الحميدة لكلمات قليلة وجمل قصيرة جاد بها على مدى السنين مديرنا الكبير بارك الله في عمره «أبونا» حليم نجيم -الأردني اللبناني- مدير كلية تراسنطة الأسبق. مازال مؤثرا فينا منحنا كطلبة فرصة التحدث أمام صفنا بما يوافق على طرحه سلفا مربي الصف «راعي الطلبة»، كل حسب صفه بل وشعبته أيضا، حيث لا يوزع الطلبة على شعب اعتباطيا وإنما وفق اعتبارات تربوية أولا تعليمية ثانيا..

 

فضل الله والأسرة والمدرسة والوطن على الإنسان لا يعرف حقا إلا مع تقدّم العمر ونضج التجربة خاصة إن تضمنت أسفارا يطّلع فيها الإنسان على تجارب الآخرين والتي فيها ما يستفاد منه كما فيها ما وجب اجتنابه لا بل ازدراؤه وإدانته، كما هو الحال بعد تغول اليسار المنحل المختل على كل شيء في بعض دول الغرب.

 

مازالت الحياة تعلمنا أن الدروس إن بدأت في البيت والمدرسة لن تنتهي هناك. الدروس الأكثر بلاغة ما نشتبك به يوميا في حياتنا الخاصة والعامة بعد التخرج. ولا علاقة أبدا بالنضج ولا بالخبرة بعدد السنوات زمنيا، فبعض الناس خبرتهم ما هي إلا سنوات «الخبرة» المدّعاة أو «النضج» المزعوم، مضروبة بواحد وأحيانا بصفر «مدوّر»!

 

إن بلغت هذه الكلمات مسامع محب قادر، قيادي أو مسؤول، أسأله -أسألهم- معلمين ومدراء ووزراء- تعظيم دور التربية الروحية والوطنية، تعظيم دور الأنشطة اللامنهجية والتطوعية، تعظيم العقلية النقدية.. في المقابل تحجيم ومن ثم شطب كل ما ينافي التواضع والإيثار والواقعية والعقلانية والمحبة والخدمة والشراكة.. تلك مسائل -في جانبيها- بالغة التعقيد والأهمية، ولها أهلها وهم ولله الحمد كثر في وطننا الحبيب. مازال تعليمنا بخير، ما حميناه من التسييس و»التديين» والتنظير والتجنيد والتأليب. ما من أحد له الحق في طلبتنا سوى ذويهم، الأب والأم وحدهما.. لا نقابة ولا حزب ولا حكومة ولا أي جهة كانت، التربية فالتعليم تلك هي المهمة والرسالة، وهي جناحا طائر لن يحلق نسرا ولا صقرا ولا يمامة دون اكتمالهما وتضافرهما..

 

(الدستور الأردنية)